"أديبات هذا العصر قادرات على توريط المجتمع في مشاكلهن"
قنطرة: هل هناك في عالم الأدب ما يمكن أن يطلق عليه "الأدب النسوي"؟
نهى محمود: هناك تعريفان للأدب النسوي، يرى أنصار الرأي الأول أنه يشمل كل ما تكتبه المرأة في حين يرى أنصار الرأي الثاني أن الأدب النسوي هو المواضيع، التي تتناول وتمس المرأة حتى لو كتبها رجل.
بالنسبة لي لا يشغلني كثيرا صحة أي من التعريفين فالكتابة الحلوة هي همي الأول. لن تجذبني كتابة امرأة تتحدث فيها عن تفاصيل علاقاتها الحميمة، لكن المهم بالنسبة لي هو الطريقة التي ستستعرض بها الأمر والأفكار والتساؤلات، التي ستطرحها والفنون الكتابية التي ستستخدمها. يجب أن تختلف الكتابة الأدبية عن الأخبار المثيرة أو "أدب الفضائح" الموجود على صفحات الحوادث.
رواية "إني راحلة" ليوسف السباعي على سبيل المثال، كانت خطوة فارقة على طريق الأدب النسوي بشكل عام لأنه يتحدث عن مشاعر امرأة حقيقية، وهو نفس الأمر مع ماريو فارغاس يوسا في " في شيطانات الطفلة الخبيثة".
يرى بعض النقاد أن المرأة بالغت في وصف أدق تفاصيل حياتها عندما أتيحت لها للمرة الأولى فرصة الكتابة عن نفسها. هل يمكن القول إنها أرادت معاقبة الرجل الذي طالما تحدث بلسانها في الأعمال الأدبية؟
قنطرة: شهدت حقبة التسعينات تيارا بدأت فيه المرأة للمرة الأولى في الكتابة بعمق عن نفسها وبدأت وقتها في الحديث عن كل ما يخصها بداية من مرضها الشهري وحتى تجربتها الجنسية الأولى.كانت المرأة تتكلم بدون التفكير في الشكل الأدبي. كان الأمر مجرد كلام بعد صمت طويل.
لكن انتهت هذه المرحلة دون تحقيق المطلوب منها وتجاوزنا الآن هذه المرحلة لندخل للأدب النسوي، الذي يفكر بنفس منطق الأدب الذكوري وهو تقديم مواضيع نسائية لكن بكتابة أدبية مميزة. الكاتبات الشابات الآن مولعات بالتجريب والدخول لعوالم جديدة من ناحية الأحلام أو "الهلاوس" كما في روايتي الأخيرة. الكاتبة الآن صارت قادرة على توريط المجتمع في قضاياها.
تناولت روايتك الأخيرة تفاصيل دقيقة عن المرأة من ناحية مشاعرها وعلاقتها بالرجل فهل واجهتي انتقادات بسبب جرأتك؟
قنطرة: الكثير من البنات قلن إني أكتب في تفاصيل حميمة لا يجوز الخوض فيها، لكنهن مع ذلك أتممن الرواية للنهاية كأنهن يرفضن القبول بحلاوة الرواية بسبب جرأتها. شعاري هو التحلي بـ "شجاعة أن تكتب". في البداية بدأت الكتابة الناعمة لأعرف ذاتي والعالم وبعد أن تطورت ذاتي بدأت الرغبة في اختبار واكتشاف مناطق جديدة.لم أستطع المجازفة بأن أفقد صدقي لمجرد خوفي من جرأتي.
كيف يمكنك كشابة عربية عرض أفكارك الجريئة في أعمالك الأدبية دون تجاوز الخطوط الحمراء التي يضعها المجتمع العربي؟
قنطرة: برع الكاتب الأسباني خوان مياس في استخدم بعض الخدع الأدبية للتعبير عن أفكار معينة، ففي إحدى روايته تحدث عن حياة سرية للمعاطف مثلا. ميزة هذه الخدع أنها تكسر حدة أدب الاعتراف المرفوض اجتماعيا في عالمنا العربي، والذي يرى أن المجاهرة بالخطأ هي إثم في حد ذاته.
الصدمة تحدث في المجتمعات التي تعاني من مشكلات في الوعي وخلل في تقبل "جرأة الحكي" .نحن مجتمعات تميل للكتمان فلو حدثت مشكلة لها علاقة بالشرف تفضل كافة الأطراف التكتم عليها. نحن ضد ثقافة البوح وأي كتابة تمس هذه الستائر المغلقة تحدث صدمة بالرغم من أنها ليست أكثر من محاولة لرؤية العالم.
من خلال احتكاكك مع أدباء وأديبات من دول عربية مختلفة ، كيف تصنيفين الأدب النسوي في الدول العربية المختلفة خاصة المحافظة منها؟
قنطرة: ينتج الجيل الجديد من الأديبات العربيات كتابة جيدة، لكن المواضيع في بعض المجتمعات متأخرة عنا في مصر بعض الشيء لاسيما فيما يتعلق بالمشكلات الخاصة بوضع المرأة والتي تجاوزنها في مصر منذ فترة وصرنا أكثر حرية في التعامل معها. ما لفت انتباهي هو التقنيات الأدبية المميزة في أدب العديد من الكاتبات العربيات أمثال الكويتية بثينة العيسي والجزائرية فضيلة الفاروق.
تتطرقين في أعمالك لعلاقتك بأدوات المطبخ وبتفاصيل نسائية دقيقة فهل يمكن للرجل التعبير عن هذه التفاصيل النسائية بنفس الدرجة؟
قنطرة: أعتقد أن هذا الأمر ممكن لاسيما مع تميز الرجال في بعض المجالات مثل الطبخ. ربما يكمن الفرق في أن الرجل عندما يمارس هذه الأعمال يمارسها في صمت في حين تحب النساء الحديث عنها. حديثي عن هذه التفاصيل امتداد للعديد من الأعمال الأدبية والسينمائية أيضا فقد ربطت إيزابيل الليندي في كتابها "أفروديت" بين الطبخ والتوابل والحب.
ما هو سر ارتباطك الشديد بإيزابيل الليندي؟
قنطرة: إيزابيل الليندي بالنسبة لي تعويذة أعتقد أن ثمة ارتباط روحي بيننا، فهي من مواليد 1940 وأنا 1980 وابنتها وأمي من مواليد 1960.كنت متخاصمة مع العالم حتى قرأت كتابها "باولا" عن وفاة ابنتها والذي ساعدني في تجاوز أزمة فقدان أمي.
علاقتي بها ليست مجرد علاقة كاتبة بكاتبة أو قارئة بل هي علاقة شخصية. لا أستطيع أن أسافر لأي مكان إلا ومعي كتابها "حصيلة الأيام"، الذي أعتبره مصدر الطاقة الإيجابية في حياتي. ما يعجبني في إيزابيل إنها امرأة قوية تذكرني بأمي بطريقة ما. كما أنها بالنسبة لي بمثابة القدوة إذ أتمنى أن تمنحني الكتابة سعادة وفرح مماثلة لما منحته إياها.
هل الكتابة وسيلة تستطيع المرأة من خلالها التنفيس عن الإحباطات التي تواجهها في الحياة اليومية؟
قنطرة: نعم ،تحديات الكاتب العربي وتحديدا الكاتبة كبيرة جدا على العكس من الكاتبة الغربية، التي تستطيع أن تتفرغ للكتابة بعد صدور كتاب أو اثنين لها. لكن المرأة في عالمنا العربي تمارس الكتابة إلى جانب دورها كزوجة وأم وموظفة علاوة على أن الكتابة في العالم العربي غير مجدية ماديا وثمة مشاكل متكررة مع دور النشر. الكاتب يجب أن يكون مواكبا للتطورات المختلفة ولذلك في حاجة دائمة لشراء كتب وحضور عروض أوبرا وغير ذلك وكلها أمور مكلفة ماديا.
كيف تأثر أدب المرأة العربية بثورات الربيع العربي؟
قنطرة: لم تدخل الثورة بعد إلى الأدب النسائي أو غيره. كتبنا جميعا مقالات وانطباعات عن الثورة ومشاركتنا فيها لكن الأمر بحاجة لسنوات حتى يتم تضفير الثورة داخل أعمال أدبية تعيش.
وأين تقف القراءة على أولوليات المواطن العربي في الوقت الراهن؟
قنطرة: لدينا أزمة تتمثل في وجود قراء هواة جدد يشكلون قوة ضغط لتنمية نوع معين من الأدب الردئ المشكلة أن هؤلاء لم يتعرفوا على أدب نجيب محفوظ وغيره ويهتمون بأدب سطحي ويساهمون بالتالي في إنجاحه بشكل يشبه ما يحدث في بعض الأفلام متدنية المستوى المنتشرة حاليا، وهذا أمر خطير على الثقافة.
دخلتي مجال الأدب من خلال مدونتك "كراكيب"، التي فتحت الباب لنشر أولى أعمالك فهل يختصر التدوين الطريق على الكتاب الجدد؟
قنطرة: أنا مدينة لمدونتي بكل السعادة التي تمنحها لي الكتب. بفضل هذه المدونة كانت دار النشر ممتلئة في حفل إصدار أولى روايتي فالجميع كان لديهم شغف بمعرفة ما ستكتبه صاحبة "كراكيب". عودتني المدونة على الكتابة بشكل يومي مما ساعدني في المران على الكتابة وتدفق الأفكار وكلها أمور استفدت منها لاحقا. كما سهلن المدونة وصولي إلى دار نشر كبيرة.
لكن بشكل عام الإنترنت سلاح ذو حدين، فهو وسيلة انتشار للكتاب الجيدين لكنه وسيلة انتشار أيضا للبعض ممن يقلدون أساليب كتاب آخرين. لكن هذا لا يمنع أن المتميز يثبت نفسه مع الوقت كما تضح أيضا حقيقة أنصاف المواهب.
أجرت الحوار ابتسام فوزي
تحرير: لؤي المدهون
حقوق النشر: قنطرة 2014
نهى محمود هي أديبة وصحفية ولدت في القاهرة عام 1980 ولها ثلاث روايات هي الحكي فوق مكعبات الرخام وراكوشا وهلاوس.