"يوم جديد في صنعاء القديمة"

حصل أول فيلم يمني روائي طويل على جائزة الصقر الفضي في مهرجان الفيلم العربي بروتردام. في الحوار التالي، يتحدث المخرج بدر بن هرسي عن فيلمه واستقباله في اليمن.

أستاذ بدر، أنت أول مخرج يمني يقدم على إخراج فيلم روائي طويل؛ لماذا لجأت إلى شخصية إيطالية كي تروي قصة فيلمك؟

بدر بن هرسي: ولدت وترعرعت في لندن، وقمت بإخراج عدة أفلام وثائقية وقصيرة عن اليمن. ولاحظت من خلال عملي واحتكاكي بالأوروبيين أن لديهم أسئلة كثيرة عن العالم العربي وعن اليمن خصوصا. وحين كتبت سيناريو هذا الفيلم أدركت بأنه لا توجد في اليمن سوق للسينما، وأن سمعة السينما غير جيدة هناك، وأن دور العرض السينمائي لا تتجاوز الخمس في كل أنحاء البلاد. لذلك فكرت ملياً بالطريقة التي توصل الفيلم إلى أكبر جمهور ممكن. ومن هنا استعنت بهذه الشخصية الإيطالية، كي لا يبقى فيلمي محصوراً على اليمن ويصبح مفهوماً في العالم كله.

وكما يُقال، أردت أن أضرب عصفورين بحجر واحد: فالأجانب أو أصدقائي في لندن يطرحون علي أسئلة كثيرة عن العالم العربي وعن الإسلام وعن اليمن، فوجدتها فرصة أن يرد الشخص الأوروبي في الفيلم على أسئلتهم. ومن خلال إقامتي الطويلة في الغرب، أدركت أن لدى الأوروبيين صورة استشراقية عن العالم العربي، لذا قصدت أن أقدم العربي أو اليمني في بعض المشاهد كما هو في الواقع. ومن يشاهد الفيلم يفهم أن الوضع أحيانا عكس صورة الأوروبيين عن العالم العربي.

هل يعني هذا أنه عندما عملت الفيلم كان في ذهنك جمهور أوروبي؟

بن هرسي: جمهور عالمي، أي أوروبي وعربي. حاولت أن أخرج فيلما يفهمه الكل، فيلما يعرض في أي بلد وبأي لغة. والقصة هي ليست خاصة جدا باليمن وإنما قصة يمكن أن تحصل في أي بلد في العالم.

هل أثرت ولادتك وإقامتك في لندن في هذه النظرة؟ بمعنى هل هي إلى حد ما نظرتك؟

بن هرسي: لا، لا أظن. استعنت بهذه الشخصية (الإيطالية) في الفيلم حتى يفهم الغرب أشياء عن اليمن، عادات وتقاليد اليمن. ولكنها، أي الشخصية، لا تنوب عني ولا تمثلني. ربما أردت في بعض المشاهد والمناظر الجميلة أن أقدم للمشاهد كيف أن شخصاً غريباً يستطيع أن يحب اليمن ويحب صنعاء بالتحديد.

هل تسافر كثيرا إلى اليمن؟

بن هرسي: سافرت إلى اليمن أول مرة قبل عشر سنوات، أي عندما بلغت السابعة والعشرين من عمري. ومنذ ذلك الوقت أسافر بشكل منتظم إلى اليمن سنويا تقريبا. لم أستطع أن أسافر إلى اليمن قبل ذلك لأسباب سياسية.

معظم أحداث الفيلم تدور حول المرأة إذ توجد مشاهد كثيرة للمرأة اليمنية حتى بدون حجاب. لماذا هذا الاختيار؟

بن هرسي: كثيرا ما أسمع الناس في الغرب يتكلمون عن المرأة العربية والمرأة اليمنية والمرأة المسلمة، وأنها ضعيفة وخاضعة لحكم الرجل وأن عليها (أي المرأة) أن تمشي خمس خطوات وراء الرجل، وهذه ليست خبرتي الشخصية. بالعكس تماما؛ فأنا تربيت مع سبع أخوات أكبر مني، ورأيت بأم العين أن شخصياتهن قوية جدا وكذلك الحال مع أمي. فالمرأة في اليمن وفي العالم العربي قوية جداً، وصوتها مسموع، ولديها حقوق، والرجال يحسبون لها ألف حساب.

لكن في اليمن بالذات لم تحصل المرأة على العديد من حقوقها وصوتها ضعيف جدا ...

بن هرسي: بصراحة هذه هي تجربتي، وهذا ما رأيته في اليمن. من الممكن أن تكون هناك تجارب مختلفة وأن يرى المرء عكس ما رأيت، لكني أؤكد لك بأن تجربتي مع خالاتي وعماتي وبنات أعمامي وأخوالي هي هكذا، أي أنهن أقوياء جدا.

حتى اللواتي يعشن في اليمن؟

بن هرسي: نعم، اللواتي يعشن في اليمن، هن يدرسن ويتعلمن ويدرن أمور البيت ويشتغلن في الزراعة. فحاولت أن أبين في القصة أن للمرأة دورا مهما. هذه هي رؤيتي، قد أكون مخطئا.

كيف اشتغلت مع النساء اليمنيات؟ المرأة اليمنية عادة لا تخرج دون أن تغطي وجهها. من هن النساء اللواتي وافقن على الظهور دون حجاب في الفيلم؟

بن هرسي: بصراحة اعتقدت، قبل التصوير، أن يكون العمل صعبا جدا. فهناك ممثلات يمنيات لديهن خبرة في التلفزيون وفي المسرح فقط ولكن ليس في السينما. لذلك اضطررنا أن ندرب بعضهن حوالي خمسة شهور. كان التصوير أسهل مع الممثلات الكبيرات في السن، المتزوجات، إذ لديهن استعداد أكبر للظهور مما هو لدى الممثلات الصغيرات في العمر وغير المتزوجات، ومع هؤلاء كان العمل صعباً جداً.

فالممثلة التي لعبت دور بلقيس في الفيلم شابة صغيرة لم تتجاوز سبعة عشرة عاما، وبالرغم من أنها كانت تمثل في التلفزيون، فإنها أصرت على ألا تعرف زميلاتها في المدرسة أنها تمثل معنا في الفيلم. ولكن - وكما قلت لك سابقاً - فإننا لم نجد أي صعوبة مع الممثلات الكبيرات. وفي الحقيقة، استغربت في البداية وفكرت أنهن ضد هذا الشيء. لكن بالعكس، كن مستعدات أن يصورن طوال الوقت بدون حجاب.

حاولت في الفيلم أن أقدم المرأة محجبة في الخارج، في الشارع، وفي البيت تكون عادية لأن كثيرين من أصدقائي في أوروبا يفكرون أن المرأة العربية تلبس البرقع والحجاب طوال الوقت، حتى في البيت، يعني أنه حتى زوجها لا يراها بدون حجاب. لذلك حاولت أن أركز على هذا الموضوع. وهنا إسمحي لي أن أضيف جملة أخيرة؛ فالممثلة "نجلا عاطف" - والتي لعبت دور "غدير" شقيقة "طارق" في الفيلم - معروف عنها أنها لا تتحجب أبداً، وتخرج إلى الشارع دون أي غطاء على الرأس. أما بالنسبة لدور "إيناس" المنقشة، فلم أجد ممثلة يمنية تتناسب مع الدور، فاخترت ممثلةً لبنانية.

لماذا هذا الدور بالذات؟ بماذا يختلف هذا الدور عن غيره من الأدوار بالنسبة للنساء؟

بن هرسي: يهمني أن تناسب الممثلة الدور الذي تقوم به، فلم أجد يمنية مناسبة، فوجدت اللبنانية بالصدفة وهي عندها عرق مغربي من أصل يمني لكنها مقيمة في لبنان. هي كانت من الممثلات اللواتي دربناهن خمسة شهور في صنعاء القديمة، لبست الشرشف، العباية، وجلست مع النساء في صنعاء حتى تتعلم اللهجة.

أين درست الممثلات اليمنيات؟ هل يوجد معهد للتمثيل في اليمن؟

بن هرسي: هناك معهد للثقافة يتم فيه تدريس الممثلات اللواتي يمثلن في المسلسلات التلفزيونية وفي المسرح. لكن لا يوجد معهد للفيلم اليمني.

لماذا هذا الخوف من الفيلم الروائي؟ لماذا لا توجد سينما يمنية؟

بن هرسي: سمعة السينما غير جيدة لأن اليمنيين يفكرون أن في الأفلام مشاهد جنسية. أظن أنهم كونوا هذه الصورة بسبب الأفلام التي يشاهدونها عن طريق القنوات الفضائية. يخافون أن السينما باب أو طريق سييء لمستقبل اليمن. وهناك نقطة ثانية: فقد صور باولو بازوليني في السبعينات في اليمن مشاهد لفيلمه ِArabian Nights، وصور أيضاً في السودان وفي الحبشة وفي إيران. فلما عُرض الفيلم، كانت فيه مشاهد جنسية كثيرة، واليمنيون أحسوا أنه خدعهم.

أنت قلت قبل عرض فيلمك أن هذا الفيلم هو أول فيلم يمني ومن الممكن أن يكون آخر فيلم يمني أيضا؟ لماذا هذا التشاؤم؟

بن هرسي: بسبب الصعوبات التي واجهتني هناك. فقد نوقش فيلمي حتى داخل البرلمان اليمني وقطعوا مشاهد كثيرة منه. وأظن أن أي مخرج آخر لن يستمر مثلما استمررنا نحن، ممكن لن يكون عندهم الصبر الكافي.

ما هي هذه الصعوبات؟

بن هرسي: مثلاً في البرلمان، في مجلس الشعب، تدخلوا في الفيلم وفي النص. غيروا النص. واتهمونا بالتعامل مع الـ CIA أو الموساد.

كيف كانت ردود الفعل على الفيلم في العالم العربي؟

بن هرسي: بعدما أنهيت الفيلم سافرت إلى اليمن وعرضت الفيلم على الرئيس اليمني على عبد الله صالح ورئيس الوزراء السابق عبد الكريم الأرياني، وقد أبدى الرجلان إعجابهما بالفيلم. ففكرت خلاص، إذا هما أحبا الفيلم، فسيسير كل شيء على ما يرام. ولكن بعد ذلك، شاهد الفيلم رئيس الوزراء الحالي، ولم يعجبه الفيلم، وقال إنه يفكر في منع عرضه في اليمن. فرددت عليه إذا منعت الفيلم في اليمن، فهذا سيكون جيداً لنا، سيكون بمثابة دعاية للفيلم، شكراً، هذا سيساعدني كثيرا.

ولكني أقول لك صراحة بأنه لاشيء في الفيلم يستحق المنع. فتردد كثيرا. بعد ذلك أقيم مهرجان للسينما الأوروبية في اليمن، ولأن كل السفارات الأوروبية تختار فيلما من بلدها ومكتبنا في لندن، لذلك اختار البريطانيون هذا الفيلم ليمثلهم. وبهذه الطريقة دخل الفيلم إلى اليمن لأول مرة وعرض في صنعاء وفي عدن.

بعد أسبوعين فاز الفيلم بجائزة أفضل فيلم عربي في مهرجان القاهرة. بعد هذه النجاحات، غيّر اليمنيون رأيهم وكانوا سعيدين جدا وشكروني. وعرض الفيلم في مهرجان دبي وفي مسقط، حيث فاز بجائزتين. وهنا في روتردام، عُرض الفيلم للمرة الأولى في مهرجان في أوروبا.

قصة الفيلم تقليدية جدا: "علي" شاب غني يتزوج من بنت من نفس طبقته لكنه قبل الزواج بقليل يقع في حب فتاة فقيرة جدا. لماذا اخترت هذه القصة التي رويت كثيرا في الأفلام ؟

بن هرسي:أنا عادة أحب أن أعمل أفلاما وثائقية سياسية وأن أكون مستقلا في عملي. لكن كلما وجد دعم من
شركات الإنتاج التلفزيوني، سواء في بريطانيا أو في العالم العربي، تبدأ المطالبات بقصص مثيرة تلفت نظر المشاهدين. وأشاهد في المهرجانات دائما أفلاما سياسية، مثلا، عن فلسطين أو عن العراق وهذا مهم جدا.

ولكني أعتقد في الوقت نفسه أن علينا أن نبين شيئا آخر عن العالم العربي. الناس الذين يشاهدون هذه الأفلام يتعرفون على العالم العربي عن طريق هذه الأفلام، ويعتقدون أنه لا يوجد حب مثلا، لذلك حاولت أن أبتعد عن السياسة بالمطلق. وهذه القصة هي قصة حب عادية يمكن أن يفهمها الناس في العالم كله. ولأن هذا هو أول فيلم يمني حاولت أن أروي قصة بسيطة جدا ولكن معمولة بطريقة محترفة. وهذه القصة معروفة في اليمن، وهذه الطبقات موجودة مع أن الناس ينكرون وجودها.

أجرت الحوار: لاريسا بندر
حقوق الطبع قنطرة 2006

بدر بن هرسي ولد في لندن (1967) لأبوين يمنيين. أنتج العديد من الأفلام القصيرة والوثائقية.

قنطرة

المال والغرائبية والجماليات
تكاد تكون السينما الشرقية شبه غائبة في السوق الألمانية والأوروبية. لودفيغ أمّان، موزّع الأفلام المتخصص في قضايا الشرق، يشرح أسباب هذا الغياب ويبيّن أن بقاء تلك الأفلام في الظلّ لا يعود - في خلاف ما يعتقد الكثيرون - إلى الأحكام المسبقة بقدر ما هو عائد إلى أسباب تجارية.

الجنس والدين والشباب
يقدم أحمد خالد في شريطه الجريئ الكثير مما يفضل المجتمع المصري أن يظل طي الكتمان. للأسف لن يعرف الفيلم طريقه إلى الشاشات، لأنه لم يقدم إلى أي لجنة مراقبة لذلك لم يتم عرضه إلا في عدد قليل من المهرجانات.

حينما تصير العمائم، اللحى، الحجاب، بل وحتى الأسماء شبهة
يدور الفيلم حول ستة رجال عرب في كندا، يجمع بينهم إسمهم المشترك: "أسامة". في هذه المقابلة يتحدث المخرج محمود قعبور عن مدى تأثير الحادي عشر من أيلول/سبتمبر على التسامح في كندا.

www

المزيد عن "يوم جديد في صنعاء القديمة" هنا

www.
مهرجان الفيلم العربي بروتردام