فروق بين ردود فعل المسلمين على تصريحات ماكرون
ثمة أشخاص مألوفون في العالم الإسلامي يُشتَبه بأنهم يحاولون الاستفادة من تصريحات الرئيس الفرنسي حول الرسوم الكاريكاتورية الساخرة من النبي محمد، ومنهم الرئيس التركي رجب طيب إردوغان الذي صرَّح بأنَّ إيمانويل ماكرون "يعاني من مرض ويحتاج إلى فحص حالته العقلية".
كما دعا إردوغان في خطاب وجَّهه إلى أمَّته إلى عدم شراء البضائع ذات العلامات التجارية الفرنسية، قائلاً إنَّ هناك "حملة كراهية تستهدف المسلمين، مشابهة للحملة ضدَّ اليهود في أوروبا قبل الحرب العالمية الثانية"، في حين شدَّد وزير الخارجية الألماني الاتِّحادي هايكو ماس في برلين يوم الإثنين 26 / 10 / 2020 على تضامن ألمانيا مع فرنسا ووصف هجمات إردوغان الشخصية على ماكرون بأنَّها "نقطة انحدار جديد، وغير مقبولة تمامًا".
دعوات مقاطعة واتِّهامات بالإسلاموفوبيا
حدث ذلك على خلفية تصريحات أدلى بها إيمانويل ماكرون يوم الأربعاء 21 / 10 / 2020 ردَّا على مقتل المعلم صموئيل باتي، ودافع فيها ماكرون عن الرسوم الكاريكاتورية الساخرة من النبي محمد المثيرة للجدل وكذلك عن قيم فرنسا العلمانية ودعا إلى "التصدِّي للنزعة الإسلامية الراديكالية".
ولكن بينما ينتهز إردوغان الفرصة من أجل تصفية الكثير من الحسابات المعلقة مع إيمانويل ماكرون -مثل الخلاف على احتياطيات النفط والغاز في البحر الأبيض المتوسط والذي تعتبر فيه فرنسا الأكثر تشدُّدًا في وقوفها إلى جانب اليونان ضدَّ تركيا- لم تردّ [حكومات] الدول الإسلامية الأخرى بدعوات إلى المقاطعة، بل أدانت تصريحات ماكرون.
[ملاحظة: انتشرت في العالم الإسلامي بشكل كبير للغاية على مواقع التواصل الاجتماعي دعوات شعبية مدافعة عن النبي محمد تدعو إلى مقاطعة البضائع الفرنسية. ومثلاً دعا مفتي سلطنة عمان، أحمد بن حمد الخليلي، إلى مُقاطعةِ جميع صادرات "الذين تعدَّوا على شخصية النبي محمد". وفي الكويت أعلنت 50 جمعية تعاونية أنها أزالت جميع المنتجات الفرنسية من فروعها في الدولة الخليجية.]
واتَّهم رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان الرئيس إيمانويل ماكرون بتشجيع الإسلاموفوبيا. وكتب على موقع تويتر أنَّ "رئيس فرنسا لا يفهم الإسلام، لكنه هاجم وجرح مشاعر ملايين المسلمين في جميع أنحاء أوروبا والعالم". ودعا موقع فيسبوك إلى حظر المحتويات المروِّجة للإسلاموفوبيا. كما وصف مجلسُ التعاون الخليجي -في بيان- تصريحاتِ ماكرون بأنَّها "غير مسؤولة" وأنَّها تهدف إلى "نشر ثقافة الكراهية بين الشعوب".
اعتداءات فرنسية ضدَّ مسلمين
وكذلك أدانت منظمة التعاون الإسلامي "الاعتداءات الفرنسية على المسلمين" و"الرسوم الكاريكاتورية المسيئة" للمسلمين. وتحدَّث أحمد الطيّب -وهو الإمام الأكبر شيخ الجامع الأزهر في القاهرة الذي يعتبر من أهم المراجع الفقهية في الإسلام السُّنِّي- حول "حملة ممنهجة للزج بالإسلام في المعارك السياسية".
وكان الأزهر قد أدان قبل ذلك -في بيان له- مقتل المعلم الفرنسي صاموئيل باتي، ولكنه قال أيضًا إنَّ "إهانة الأديان والاعتداء على مقدَّساتها باسم حرِّية التعبير هو معيار فكري مزدوج ودعوة للكراهية". معظم هذه البيانات والتصريحات هي إدانات للرسوم الكاريكاتورية وإدانة لمَن يدافع عنها.
أمَّا بقية هذه المعركة الثقافية التي تجددت إثارتها فنجدها قبل كلِّ شيء في "فقاعة" وسائل التواصل الاجتماعي. إنَّها -إذا جاز لنا التعبير- عاصفة على موقع تويتر، وبعبارة دقيقة على حسابات موقع تويتر الإسلامية. إذ يتم في هذه الحسابات رسم علامة "إكس" على الأعلام الفرنسية بنشاط وتنتشر دعوة مقاطعة سلسلة محلات السوبر ماركت الفرنسية كارفور. وكذلك تُعرض مقاطع فيديو في مكان ما في قطر أو الكويت، يتم فيها تفريغ الرفوف من الجبنة الفرنسية ذات ماركة "البقرة الضاحكة" وتعليق علامات المقاطعة.
"فقاعات" إسلامية في وسائل التواصل الاجتماعي
مثلما تحبُّ وسائل الإعلام الغربية استحضار المعركة الثقافية المتجدِّدة، تنتشر بلطف دعوات مقاطعة فرنسا من قِبَل "فقاعات" إسلامية في وسائل التواصل الاجتماعي. لا يزال من غير الواضح مَنْ الذي يتابع في الواقع دعوات المقاطعة هذه.
إذْ أننا نلاحظ إذا ألقينا نظرة سريعة على مواقف السيارات المكتظة أمام محلات كارفور التجارية الفرنسية أنَّ هذا كله ليست له علاقة كبيرة بحياة معظم الناس في العالم العربي. فالشيء الأهم هنا أنَّ سلسلة محلات كارفور تبيع منتجات أرخص من المنتجات لدى سلسلة السوبرماركت الأمريكية المجاورة. وبحسب إحصائيات الأمم المتَّحدة فإنَّ ثلثي العرب يعيشون تحت خطّ الفقر أو على وشك الوقوع في الفقر. ولذلك فإنَّ العروض الخاصة تعتبر بطبيعة الحال أكثر جاذبية من المعركة الثقافية.
توجد بالإضافة إلى ذلك أصواتٌ تسير باتِّجاه مختلف، مثل "رابطة العالم الإسلامي" التي أكَّدت في بيان لها على أنَّ "الرسوم التي تحاول التطاول على مقام سيدنا ونبينا الكريم لم ولن تمسَّه بسوء فهو أكبر وأجلّ وأقدس من أنه يطاله متطاول".
كما أصدرت "هيئة كبار العلماء السعودية" بيانًا جاء فيه أنَّ "الإساءة إلى مقامات الأنبياء والرسل … لن تضرّ أنبياء الله ورسله شيئًا، وإنَّما تخدم أصحاب الدعوات المتطرِّفة". وأضافت أنَّ "الإسلام أَمَرَ بالإعراض عن الجاهلين".
هناك أيضًا أشخاص آخرون -مثل الكاتب السعودي تركي الحمد- لا يرون في كلِّ هذا خلافًا بين فرنسا والمسلمين. فقد كتب تركي الحمد: "نعم ماكرون شنّ حملة على الإسلام السياسي وليس على الإسلام، ولكن الإخوان [المسلمين] يريدونها حملة على الإسلام ككل".
وفي المقابل كتب الباحث الاجتماعي المصري عمرو علي على موقع تويتر أنَّ "أزمة الإسلام التي أطلقها ماكرون مملة". وأضاف أنَّ الأزمة الحقيقية في العالم الإسلامي تتفاقم من خلال "بيع ماكرون أسلحته للديكتاتوريين هناك". وفي الواقع يعتبر الحكَّام السلطويون العرب في قطر والمملكة العربية السعودية ومصر من أكبر زبائن صناعة الأسلحة الفرنسية خلال العام الماضي 2019.
كريم الجوهري
ترجمة: رائد الباش
حقوق النشر: موقع قنطرة 2020
................................
طالع أيضا
حرية التعبير غير مطلقة واحترام الأديان واجب تنويري - انتقاد الإسلام وحرية التعبير في الغرب
مجلس حكماء المسلمين يعتزم مقاضاة شارلي إيبدو منتقدا "المتاجرة بالأديان في سوق الدعاية الانتخابية"
روائي موريتاني ذو جوائز من دولة فرنسا يتخلى عن الكتابة باللغة الفرنسية ويقاطع منتجات فرنسا الثقافية
العالم الإسلامي غاضب من ماكرون لدفاعه عن رسوم ساخرة من النبي محمد وإردوغان يقاطع بضائع فرنسا
منظمة التعاون الإسلامي تستنكر إهانة الرموز الدينية باسم حرية التعبير وتدين ارتكاب الإرهاب باسم الدين
اتهام فرنسيتين بطعن مسلمتين بباريس بدافع عنصري واتهام سوري عمره 20 بطعن ألمانيين بدافع إسلاموي
المنسق الفرنسي لمكافحة الإرهاب: ثمة أقلية إسلاموية تحاول إقناع المسلمين بأن فرنسا معادية للمسلمين
النيابة في تونس تحقق في تدوينة برلماني مستقل بشبهة تمجيد هجوم إرهابي قتل مُعَلِّماً فرنسياً في باريس
فرنسا - المشتبه بقطعه رأس مدرس نهارا بشارع في باريس أصله شيشاني عمره 18 عاما مولود في موسكو
................................
[embed:render:embedded:node:36325]
.........................
طالع أيضا
محرضون على العنف الإسلاموي مقيمون في أوروبا - إرهاب باسم الإسلام يضرب فرنسا من جديد
لأول مرة يواجه ناجون وعائلات ضحايا هجوم مسجدي نيوزيلندا الأسترالي الإرهابي الذي خطط لتدمير حياتهم
هل تراجعت الإسلاموفوبيا أم انصهرت في أيدولوجية "تفوق الجنس الأبيض"؟
ألمانيا...تجفيف منابع الإرهاب اليميني يتطلب القضاء على العنصرية
لماذا تحوّل "بلد الأنوار" إلى هدف للمتشدّدين؟ الإرهاب في فرنسا: حرب ضد "ظلامية التطرف الإسلاموي"
ماكرون والإسلام.. أزمة دولة لا أزمة ديانة - "إسلام فرنسي" ودفاع عن قيم العلمانية؟
حماية العلمانية الفرنسية أم تأجيج للعنصرية ضد المسلمين؟ خطة ماكرون ضد "الانعزالية الإسلامية"
.........................
[embed:render:embedded:node:42059]