إشكالية علاقة الدين بالفن

صدرت عن دار الشروق أخيرا لأول مرة الطبعة المصرية لرواية نجيب محفوظ "أولاد حارتنا" وذلك مع مقدمة بقلم الإسلامي المعتدل أحمد كمال أبو المجد، امتثالا لرغبة الكاتب قبل وفاته. تقرير أحمد فاروق

حين حصل نجيب محفوظ على جائزة نوبل للآداب عام 1988 اختارت اللجنة المانحة للجائزة رواية "أولاد حارتنا" من ضمن أربعة أعمال استحق عنها محفوظ الجائزة. مع هذا رفض محفوظ نشر الرواية في مصر محافظا على الوعد الذي قدمه لجمال عبد الناصر بعد الانتقادات الشديدة التي وجهت إليه من أوساط دينية وسياسية بعد بدء بنشر الرواية كمسلسل في صحيفة الأهرام ابتداء من الحادي والعشرين من سبتمبر عام 1959.

بعض رموز التيار الديني المحافظ ومن بينهم الشيخ محمد الغزالي طالبوا آنذاك بوقف نشر الرواية استنادا إلى تأويل النص الديني، إذ رأوا في الرواية محاكاة رمزية لقصة الخليقة وقصص الأنبياء حسب المفهوم التوراتي والقرآني، واعتبروا أن الرواية تجسد الذات الإلهية في شخصية الجبلاوي الذي يٌقتل على يد عرفة الذي يرمز للعلم.

لم يتم وقف نشر الرواية مسلسلة في الأهرام، لكن نجيب محفوظ قدم وعدا للسلطة بأنه لن ينشرها في مصر وصدرت في بيروت عن دار الآداب. وحول السر وراء ذلك يقول الناقد الأدبي محمد بدوي بأن هذا الحل كان يبدو مناسبا للعلاقة بين السلطة ومحفوظ لأنه في تكوينه يميل إلى المهادنة في مثل هذه الأمور.

الرمز والإشارة

إلا أن موقفه هذا لم يجنبه حادث الاعتداء الذي وقع له عام 1994، حيث اعتدى عليه شاب بسكين محاولا قتله. وعقب محاولة الاغتيال قامت صحيفة الأهالي التابعة لحزب التجمع اليساري بنشر الرواية كاملة في عدد خاص إلا أن محفوظ اعترض أيضا على نشرها بدون موافقته. ثم حاولت دار الهلال نشر الرواية في عام 2005 حتى لو لم يوافق محفوظ إلا أن ملكية دار الشروق لحقوق نشر أعمال محفوط الكاملة حالت دون نشر الرواية لدى دار الهلال.

وأخيرا وافق محفوظ على نشر الرواية بشرط أن يقدم لها مفكر إسلامي وكتب المفكر الإسلامي أحمد كمال أبو المجد مقدمة للرواية قال فيها: "ان من أصول النقد الأدبي التمييز الواجب بين الكتاب الذي يعرض فيه الكاتب فكرته ويحدد مواقفه، ملتزما في ذلك الحقائق التاريخية والوقائع الثابتة، دون افتئات عليها، ودون مداراة لما يراه في شأنها، وبين الرواية التي قد يلجأ صاحبها إلى الرمز والإشارة، وقد يُدخل فيها الخيال إلى جانب الحقيقة العلمية، ولا بأس عليه في شأن من ذلك، فقد كانت الرواية قديما وحديثا صيغة من صيغ التعبير الأدبي تختلف عن الكتاب والالتزام الصارم الذي يفرضه على مؤلفه."

"في إطار "أولاد حارتنا" فإنني فهمت شخصية عرفة بأنها رمز للعلم المجرد وليست رمزا لعالم بعينه،
كما فهمت شخصية الجبلاوي على أنها تعبير رمزي عن الدين، وليست بحال من الأحوال تشخيصا رمزيا للخالق سبحانه وهو أمر يتنزه عنه الأستاذ نجيب محفوظ ".

إلا أن نشر الرواية بتقديم أحمد كمال أبو المجد للرواية لاقى اعتراضا لدى قطاع عريض من الكتاب والمثقفين ومن بينهم الروائي محمود الورداني الذي قال إن حدث صدور رواية "أولاد حارتنا" للمرة الأولى في مصر ممهورة بصك غفران منحه أحمد كمال أبو المجد يعد سابقة خطيرة وإذا كانت هذه رغبة نجيب محفوظ فيجب مخالفة رغبته لأن هذا أمر يخالف مجمل التطور الفني والفكر. إلى جانب أنه يشكل اعتداء على حرية التعبير. الأزهر أو أي سلطة دينية لا علاقة لها ولا ولاية لها على الأعمال الأدبية، حسب رأي الكاتب والصحفي محمود الورداني.

نفوذ المؤسسة الدينية

رواية "أولاد حارتنا" ظلت على مر العقود ممنوعة وغير ممنوعة. فطبعة دار الآداب كانت تباع في المكتبات وعلى الأرصفة في القاهرة. ولكن عدم سماح محفوظ بنشرها في مصر والحديث الذي دار حول انتهاكها لمحرمات دينية جعل من نشرها في مصر بتقديم المفكر الإسلامي أحمد كمال أبو المجد حدثا ثقافيا.

ولكن هل تمثل الرواية بتقديم أحمد كمال المجد سابقة تستند إليها المؤسسات الدينية لفرض رقابة أكثر على الفن والإبداع؟ عن هذا السؤال يرى الناقد محمد بدوي أن هذا النشر بهذه المقدمة وإصرار نجيب محفوظ على هذه المقدمة، جزء من الصراع الذي لا يمكن إخفاؤه بين رغبة منتج الثقافة، المفكر أو الشاعر أو الكاتب السينمائي في التحرر وبين رغبة المؤسسة الدينية في إثبات وجودها وهيمنتها. ولكن يرى بدوي في النهاية أن نشر الرواية حتى مع تقديم أحمد كمال أبو المجد يعد في حد ذاته شيئا إيجابيا، إذ لاقى نشر الرواية تقبلا من عدد من الإسلاميين المتنورين، وهذا مكسب في حد ذاته.

أحمد فاروق
حقوق الطبع دويتشه فيلله 2007

قنطرة

موعد في مقهى علي بابا
تصدر سنوياً منذ العام 1986 عن دار نشر"اونيون" رواية لنجيب محفوظ باللغة الألمانية. الناشر لوسيان لايتس يتحدث هنا عن أول لقاء له مع الكاتب العربي الوحيد الحائز على جائزة نوبل للآداب