خطورة التبسيط الصحفي لقضايا المسلمين في ألمانيا
كلما تطرقت وسائل الإعلام الألمانية في السنوات الأخيرة إلى سلسلة الاغتيالات التي طالت تسعة مهاجرين وشرطية (منهم ثمانية من أصول تركية وواحد من أصل يوناني) ما بين عامي 2000 و2007، إلا وكان الحديث هما يسمى "جرائم الشوارما التركية" أو "المافيا التركية" في إشارة إلى أنها جرائم ارتكبت من قبل أتراك أو من أشخاص لهم علاقة بالضحايا.
غير أنه ومنذ شهر نوفمبر/ تشرين الثاني من عام 2011 تبيّن أن الجرائم من تنفيذ مجموعة إرهابية يمينية متطرفة من النازيين الجدد.
في كتابها "الوطنُ المُؤْلم"، وصفت سُميّة سمشيك، ابنة الضحية الأوّل، هذا التعاطي الإعلامي مع جريمة قتل والدها بأنها عبارات تمتلئ بِـ "الإهمال والاستهزاء والعنصرية". وتقول سمية أن الجميع أقر فجأة بأن المفاهيم التي كانت مستعملة في وسائل الإعلام كانت "مفاهيم عنصرية".
ويأتي ذلك بعد أن اتضح أن منفذي عمليات القتل متطرفون يمينيون، وأن العمليات لم تكن نتيجة لأنشطة إجرامية لعائلات الضحايا كما قيل من قبل. وقد انطلقت في ميونخ في السادس من مايو/ أيار 2013، أولى جلسات محاكمة أفراد المجموعة المتطرفة.
استثناء أم قاعدة؟
فهل يتعلق الأمر هنا باستثناء يستدعي خجل الإعلاميين والمسؤولين؟ وما هي الصورة السائدة عن المسلمين في وسائل الإعلام الألمانية؟. في شهر مارس/ آذار من العام الحالي 2013 نشرت المؤسسة الألمانية للاندماج والهجرة نتائج دراسة قامت فيها صيف عام 2011 باستجواب نحو 9200 شخص.
وذكر 74 في المئة (من ذوي الأصول الأجنبية)، و 71 في المئة (من غير الأصول الأجنبية)، أن صورة المسلمين في وسائل الإعلام الألمانية "بالأحرى سلبية" أو "سلبية جداً"؛ في ما وصفها 82 في المئة من المسلمين المستطلعَة آراؤهم بأنها "سلبية بدرجة قصوى".
ويرى أيمن مزيك رئيس المجلس المركزي للمسلمين، أحد أهم المنظمات الإسلامية الأربع بألمانيا، أن نتيجة الدراسة تتطابق مع محتوى الرسائل التي يبعثها مسلمون إلى المركز؛ مشيرا إلى أنه، وبعد أحداث الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر 2001، باتت "الشبهة تُطاردُ المسلمين"، كما ازدادت التقارير السلبية حول الإسلام لكون أن الخطاب العام والإعلامي لا "يفرق بين التطرف وبين الإسلام".
تعريف جديد لمفهومي الخير والشر
وبالنسبة لمارغاريت لونينبورغ، مديرة المدرسة العالمية للصحافة التابعة للجامعة الحرة ببرلين كان الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر "نقطة تحول" في طريقة التعاطي مع الإسلام في الغرب، وذلك "بسبب بشاعة صور الاعتداءات التي انتشرت في العالم والتي تناقلتها وسائل الإعلام لاحقا بشكل مستمر". وتضيف لونينبورغ أن "اعتداءات أيلول/ سبتمبر التي نفذها مسلمون متطرفون، استدعت صياغة تعريف جديد لمفهومي الخير والشر عبر "إحداث تفرقة بين الغرب المسيحي والشرق. مع غياب مؤشرات في الوقت الحالي تفيد بتجاوز تلك التفرقة ".
ويبلغ عدد المسلمين في ألمانيا أكثر من أربعة ملايين وفق إحصائيات صادرة عن المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين، ما يعني أنهم يشكلون حوالي أربعة في المئة من السكان. فهل صور النساء المحجبات والرجال الملتحين هي الصورة النمطية المتداولة عن المسلمين في وسائل الإعلام الألمانية؟
ترد لونينبورغ المتخصصة في مجال الإعلام موضحة أن المسلمين تحولوا إلى رمز "للآخر" في المشهد الإعلامي الألماني، في حين باتت صورة النساء المحجبات "تعبّر عن الصورة النمطية للمسلمين، وعن كل ما هو غير مسيحي وغربي، ولا ينتمي إلى الثقافة القومية".
صور مختزلة للمسلمين
وإذا كان من الطبيعي في العمل الصحفي تبسيط المعلومات دون الدخول في التفاصيل، فإن لونينبرغ تحذّر من خطورة إتباع هذا المبدأ في القضايا التي تهم المسلمين، لأن "وسائل الإعلام بألمانيا أصبحت تقدمهم من زاوية محددة وعبر "صور مختزلة ومصغرة" لحياتهم، وهي في الغالب "صور تعبر عن المشاكل أو الصراعات داخل الجالية المسلمة، وفي حالات نادرة جدا فقط، يتم تناول قصص نجاح المسلمين في المجتمع".
في المقابل، يلمس أيمن مزيك، تقدما في مستوى المخزون المعرفي للصحفيين في ألمانيا حول الإسلام مقارنة بما كان معهودا في العقدين الأخيرين، مضيفا أن التقارير الصحفية أضحت "تتميز بجودة نسبية" واهتمام أكبر بقضايا المسلمين كتسليط الضوء على حياتهم اليومية خلال شهر الصوم. علاوة على ذلك، يشير رئيس المجلس المركزي للمسلمين إلى ارتفاع كمية المواضيع المعالجة إعلاميا حول الإسلام، وهو ما يطرح في طيّاته أيضا إشكاليات إضافية لـ"عدم وجود حدّ فاصل وواضح بين الإسلام والتطرف".
أما وسائل الإعلام بالولايات المتحدة الأمريكية أو "بريطانيا فهي أكثر تمييزاً بين الإسلام والتطرف لأن المسلمين يتمتعون هناك بمستوى تعليمي عالٍ جدا مقارنة بنظرائهم في ألمانيا وفرنسا حيث مستوى التعليم لدى الجاليات المسلمة ضعيف. وهذا يحد من فرصهم في المشاركة البنّاءة داخل المجتمع كما الحال في ألمانيا"، كما يقول أيمن مزيك.
ومن خلال حوارات عديدة أجرتها مع مهاجرين في ألمانيا، خلصت مارغاريت لونينبورغ إلى أن "العديد من المسلمين يتمنون منحهم حيزا أكبر في الخطاب الإعلامي، وتقديمهم كعنصر فاعل في الحياة اليومية سواء تعلق الأمر بسائق حافلة أو بمدرب رياضي أو غير ذلك".
وهناك ضرورة ملحة لأن يعكس المشهد الإعلامي في ألمانيا التعددية الدينية والعرقية والثقافية التي تميز المجتمع، غير أن ذلك لا يمكنه أن يحدث، كما ترى مارغاريت لونينبورغ، إلا إذا التحق عدد أكبر من الصحفيين ذوي الأصول الأجنبية إلى القطاع الإعلامي، مع العلم أن هذه الفئة لا تشكل سوى خمسة في المئة فقط من مجموع الإعلاميين في ألمانيا.
كلاوديا بيرفيزانوز
ترجمة: عبد الرحمان عمار
تحرير: وفاق بنكيران
حقوق النشر: دويتشه فيله 2013