حركة الإصلاح الخضراء في إيران...قيد البحث عن زخم جديد
فقدت الحركة الخضراء في إيران بوفاة آية الله العظمى حسين علي منتظري أحد أبائها الروحيين وأهم المدافعين عنها من بين رجال الدين الشيعة.
وفي العشرين من كانون الأول/ ديسمبر من عام 2009 شارك عشرات الآلاف في جنازته في مدينة قم مركز الفقه الديني في إيران.
وانطلق موكب جنازته من بيته المتواضع، الذي عاش ودرّس فيه في العقود الأخيرة وأمضى فيه أيضًا عدة سنواتٍ تحت الإقامة الجبرية، واتجه موكب المشيِّعين نحو الجامع الكبير وكان من آخر المظاهرات الكبيرة التي قامت بها الحركة الخضراء.
لم يكن آية الله منتظري أشدَّ منتقدي انتهاكات النظام لحقوق الإنسان بين كبار رجال الدين وحسب، إنما أيضًا أكثر دعاة إصلاح النظام حزمًا.
ومع أنه بقي متمسِّكًا حتى النهاية بمبدأ ولاية الفقيه الذي كان قد شارك بنفسه في صياغته في الدستور بعد ثورة عام 1979، إلا أنه كان يقول بوجوب انتخاب الفقيه من قبل الشعب لولاية محدودة وبوجوب اقتصار دوره على الإشراف الروحي على الحكومة، دون أنْ يتخذ قرارات سياسية بنفسه.
وعلى الرغم من أنه لم يعلن أبدًا تأييده للديمقراطية، إلا أنه دافع بإصرارٍ من أجل مشاركة الشعب في الحياة السياسية من خلال أحزاب حرّة وانتخابات حرّة وصحافة حرّة.
كما استمر في تطوير مواقفه حتى أيامه الأخيرة ونادى قبل بضع سنواتٍ من وفاته، بوجوب أنْ ينال البهائيون حقوق المواطنة الكاملة وبأن لا يكون الإعدام عقوبة الردة.
وبعد إعادة انتخاب الرئيس محمود أحمدي نجاد المثيرة للجدل في حزيران/ يونيو 2009، وفي تصريح له نفى عن النظام أيَّة صبغةٍ شرعية.
لا ينبغي توقع زخمٍ جديدٍ من رجال الدين القدماء
بعد ثلاث سنوات على وفاة حسين علي منتظري لا يوجد في الأفق حتى الآن رجل دين يستطيع أنْ يقوم مقامه.
ومع أن نجليه سعيد وأحمد من رجال الدين المرموقين، إلا أنهما لا يتمتعان أبدًا بمكانة والدهما الدينية المرجعية.
وباتت قدرتهما على العمل مقيّدة للغاية، بعد أن تمَّ إغلاق مكتب منتظري في حزيران/يونيو 2010 (وإزالة كل الدلالات عن قبره) بناءً على أوامر شخصية من المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي.
كما استمر النظام في ربيع هذا العام بالقمع وأمر بختم أبواب المنزل بالشمع الأحمر.
لم يؤيد حركة الإصلاح علنًا من كبار رجال الدين الشيعة ومراجع التقليد إلا آية الله العظمى يوسف صانعي، وذلك من خلال دعوته إلى إعادة تفسير الشريعة الإسلامية بشكلٍ عقلاني.
وقد برز اسمه بالأخص في قضايا حقوق المرأة المثيرة للجدل من خلال سلسلة من الفتاوى التقدمية. ولكنه صمت منذ أن سُحبت منه رسميًا أهلية أن يكون "مرجع تقليد" في كانون الثاني/يناير 2010 وتخريب مكتبه من قبل ميليشيات في حزيران/يونيو من نفس العام.
وآية الله محمد علي دستغيب، الذي ناصر بعد الانتخابات الحركة الخضراء وطالب رسميًا بعقد جلسة استماع عامة للمرشحين الخاسرين وهما مير حسين موسوي ومهدي كروبي، يتجنّب أيضًا النقد الصريح منذ أنْ أغلقت السلطة الرسمية مسجده في شيراز في كانون الثاني/يناير 2010.
ومن هنا لا ينبغي توقع زخم مهم لإصلاح النظام السياسي أو الديني في إيران من هذه الأوساط. ولا بد لمن يبحث عن رجال دينٍ تقدميين أن يلتفت إلى الجيل الشاب.
أحمد قابل على خطى منتظري
كان أحمد قابل من رجال الدين الإصلاحيين الأكثر جذرية وشجاعة. وكان منتظري قد سمح له بعد الدراسة في قم بتفسير الشريعة الإسلامية، إلا أنه كان قد توقف منذ سنوات عن الظهور بزي رجل الدين.
وقد سُجن في عام 2001 بسبب انتقاده النظام، وغادر إيران بعد ذاك إلى المنفى في طاجيكستان. وأرسل في عام 2005 رسالة لا مثيل لها إلى المرشد الأعلى آية الله خامنئي، حمَّله فيها مسؤولية قتل المنتفضين ومسؤولية اضطهاد المعارضة وقمعها.
كما تحدث بصراحة تامة بالقضايا الحسّاسة. وفي مقابلة الصحفية مطلع حزيران/يونيو أعلن بصراحة وبلا مواربة أنَّ واجب اعتمار الحجاب يفتقر إلى الأسس الدينية وأن مصدر هذا الهاجس بشعر النساء غير مفهوم بالنسبة له.
ومع أنه لم يعتبر الفصل التام للدين عن السياسة في مجتمعٍ متديِّنٍ ممكنًا أو عقلانيًا، لكنه رفض بشكلٍ قاطعٍ الدولة الدينية التي تدَّعي الحكم باسم الله.
عمل في سنواته الأخيرة على تفسير الشريعة الإسلامية بشكلٍ شاملٍ وجديدٍ، ولم يتجنب في عمله هذا القضايا الأكثر إثارة للجدل.
وكان على قناعة بأنَّ أسس كل التشريعات الدينية لا بد أن تقوم على العقل فقط. لكن أحمد قابل لم يستطع إنهاء هذا العمل، إذ اعتـُقل مرة أخرى وهو في طريقه للمشاركة في جنازة منتظري، وحُكِم عليه بالسجن 20 شهرا في محاكمة صورية.
وتوفى أحمد قابل في طهران في أواخر شهر تشرين الأول/اكتوبر بعد أن ألمَّ به مرضٌ عضالٌ أثناء فترة السجن.
نقاش الإصلاح لم يُلجَم تمامًا
خطر الملاحقة القضائية يحدق بالإصلاحيين منذ فترة طويلة، الأمر الذي دفع العديد من القادة ورواد حركة الإصلاح من أمثال محسن كاديوار وحسن يوسفي اشكواري وأكبر غانجي أو عبد الكريم سوروش للتوجُّه إلى المنفى.
بيد أنه لا يزال هناك رجال دين يعلنون نقدهم السياسي في إيران ويواصلون تأييدهم لإصلاح النظام الديني. وبعضٌ منهم أقام تكتلًا في لقاء المدرسين والباحثين في مجمع قم الجامعي.
تناول رئيس التكتل آية الله حسين موسوي تبريزي في خطبة ألقاها في شهر آب/أغسطس فكرة منتظري القائلة بأنَّ الحاكم الفقيه لا يختاره الله أنما يجري انتخابه من قبل الشعب.
ورأى أنَّ الشعب يستطيع أنْ ينتخب شخصًا ليس من رجال الدين، طالما كان مؤمنًا وملمًّا بشؤون السياسة. كما دعا الشعبَ في الوقت ذاته لممارسة الضغط من خلال الاحتجاج والنقد في سبيل إصلاح الحكومة، لأنه بغير ذلك لن يكون القضاء على الفساد في المجتمع ممكناً.
آية الله محمد تقي فضل ميبودي الذي ينتمي للمجمَّع أيضًا عرض في أواخر تموز/ يوليو في مقال له مثالًا عن ضرورة إصلاح الشريعة.
وأشار إلى أنَّ العديد من الأحكام المثيرة للجدل اليوم لا يمكن أنْ يكون لها صفة الصلاحية الأبدية إنما أصدرها الرسول لزمنه ولمجتمع ذاك الزمان، أحكامٌ تتناول حقوق المرأة، وسن الزواج، والرق، والمعاقبة على الزنا والردة، والتمييز ضد الأقليات الدينية.
آية الله محمد تقي فضل ميبودي مقتنع مثله مثل أحمد قابل بأنه لا بدَّ لقواعد القانون الجنائي وقانون الأسرة أنْ تتكيف مع تبدّل الرؤى العقلانية.
فحين يتقبّل المجتمع أنَّ حقوق الإنسان تتفق مع العقل، لا بدَّ لتفسير الدين أنْ يتبع ذلك. هذه الحجة ليست جديدة تمامًا، ولكن التصريح علنًا في يومنا هذا بمثل هذه الأفكار وعلى الأخص في موضوع حقوق المرأة الحسّاس للغاية وفي قلب مدينة الفقهاء قم إنما يشير إلى وجود قبولٍ متزايدٍ لها بين رجال الدين.
أورز زارتوفيتش
ترجمة: يوسف حجازي
تحرير: علي المخلافي
حقوق النشر: قنطرة 2013