التجربة المشتركة لجدار برلين والحرب الأهلية اللبنانية
لا تشترك مدينتا بيروت وبرلين في أن اسم كل واحدة منهما يبدأ بحرفي BE كما جاء في الكاتالوغ الذي وزع بمناسبة المعرض الذي دعا إليه معهد غوته في بيروت لعشرة فنانين من ألمانيا، فبدا وكأنهما تشتركان في أصل لغوي واحد أو متشابه على الأقل. بل كان القصد من إظهار هذا التشابه القول بأن هناك تاريخاً مشتركاً لهما أو أنهما تعرضتا، كعاصمتين تفصلهما أشياء كثيرة، لأحداث يمكن أن تجمع بينهما.
عاشت برلين تجربة الجدار الشهير الذي قسمها إلى مدينتين تشبه بيروت التي قسمتها الحرب الأهلية إلى واحدة شرقية وثانية غربية، وكانت خطوط التماس تمثل جداراً حقيقياً بين الأحياء المتقابلة وإن كان غير مرئي. جدار برلين هدم وأزيل ولكن هل أزيل من الذاكرة بنفس السرعة، والحرب انتهت في بيروت ولكن هل توحدت المدينة وأزيلت الخطوط الفاصلة من مخيلة الناس وذاكرتهم.
تبادل فني
من هذه الأسئلة ينطلق المعرض الذي سبقه معرض مماثل شارك فيه فنانون لبنانيون وأقيم العام الماضي في برلين. المعرض، بهذا المعنى، يشكل نوعاً من التبادل بين فناني المدينتين. كلمة BI-ROUT هي الرحلة الممتدة من بيروت إلى برلين وبالعكس.
نشأت فكرة المشروع عبر نقاش بين فنانين، من الطرفين، استوحوا أفكارهم من موضوع انقسام المدينتين في فترة تاريخية. و كانت الفكرة أو الصورة الأساسية أنه بعد سقوط جدار برلين أزيلت علامات الانقسام الواضحة فيها بسرعة وظهرت تدريجياً علامات الاختلاف المستترة والخفية سواء من حيث العقلية أو ثقافة التعبير عن الفروقات.
وبالمقابل، وبالرغم من عدم وجود جدار مرئي في بيروت، فإن علامات الانقسام مازالت موجودة في أفكار الناس وممارساتهم في الحياة اليومية العادية. صحيح أنه لا توجد اتجاهات واضحة وممارسات صريحة لإظهار كل ذلك عبر الرسم و التصوير وباقي الفنون التشكيلية والبصرية ولكن الكثيرين من الفنانين الشبان الذين عاصروا التجربتين، البرلينية والبيروتية، يعبرون بطرق مختلفة عن جزء كبير من النتائج والصور الملتصقة بالذاكرة والوعي الجماعي والفردي معاً.
وبتعبير آخر، فإن هؤلاء الفنانين يحاولون أن يكشفوا أن الحواجز والجدران مازالت قائمة في العقول والأحاسيس والتصرفات الموروثة من الماضي والتي تنطلق من تنميط صورة الآخر المختلف وتحويلها إلى وعي جاهز ومسبق يلغي إمكانية التوحد التدريجي.
أشكال فنية شتى
شارك في المعرض عشرة فنانين ألمان وتوزعت الأعمال المعروضة بين الرسم والتصوير الفوتوغرافي والتجهيز( instlation ). وعكست التصور أو الطموح الرئيسي لفكرة المشروع، فقدم David Biene أعماله التسعة تحت عنوان آثار الجدار ( traces of the wall )ومثلت صوراً فوتوغرافية لجدار برلين و العبارات والشعارات المكتوبة عليه وخاصة من جهة الشرق, ووضع تحتها مجسمات اسفنجية متخيلة لقطع وأجزاء من الجدار.
وعرض Andreas Strauss صورة ضخمة لمشهد معاصر من برلين بعنوان الأرض المدماة ( bloody ground ) وهو مركب من عدة صور حقيقية ومتخيلة، طائرات حربية من زمن الحرب العالمية الثانية في يمين سماء الصورة وطائرة مدنية تحط في يسارها، وعلى الأرض قناة مائية وحول الأبنية الحالية وضعت صور دبابات قديمة، الماضي و الحاضر مختلطان، صورة المدينة القديمة أو تاريخها مقترح كذاكرة ينبغي عدم تغييبها عن صورتها الراهنة.
أما Carl-Georg Schulz فيحاول الاستفادة من صورتين حقيقيتين يمكن أن تجمعا بيروت ببرلين وهما مبنى( سينما دوم ) في بيروت أو هيكلها شبه المدمر الذي ما يزال محتفظاً بآثار قذائف الحرب، ومبنى TACHELES في برلين المحتفظ أيضاً بكل آثار الماضي. المبنيان يشكل كل واحد منهما شاهداً حياً على ما جرى، وعلى الأهمية القصوى لعدم النسيان الذي من شأنه أن يشكل ضمانة لعدم تكرار التاريخ و التجربة المؤلمة ذاتها. وتقام في الاثنين حالياً أنشطة ثقافية متنوعة.
أعمال الفنانين السبعة الآخرين لم تبتعد كثيراً عن فكرة المعرض ولكنها كانت أقل مباشرة ووضوحاً في نقل الانعكاسات والتأثرات وبعضها كان يمثل بعض التيارات الفنية الشابة والجديدة في الفن الألماني المعاصر.
لاشك أن المعرض شكل فرصة جيدة لتبادل التجربة المتشابهة سواء على صعيد التاريخ أو على صعيد تبادل الفنانين الشبان من البلدين الخبرات وأساليب العمل.وفي الوقت الذي قدم فيه المعرض طموحاً فكرياً لكيفية تحقيق السلام الاجتماعي والحفاظ عليه، فإنه قدم، أيضاً، صورة ما عن الاتجاهات الفنية السائدة لدى الفنانين الشباب في برلين و بيروت.
بقلم حسين بن حمزة