رحلة في عوالم الكوميكس العربية
في أي من البلاد العربية أتيحت لك الفرصة أن تتعرَّف عن قرب على عالم القصص المُصوَّرة ورساميها من الرجال والنساء؟
راينهارد كلايست: أتيحت لي تلك الفرصة بصفةٍ خاصة في مصر والأردن والجزائر والسودان؛ فقد عقدت هناك ورش عمل وتحاورت كثيرًا مع الرسامين عن الظروف الصعبة، التي تواجههم من أجل إصدار أعمالهم.
في الواقع، يصعب أن يوّفر الرسامون قوت يومهم من امتهانهم للرسم؛ ولذا يعمل الكثيرون منهم في مجال الدعاية والإعلان أو تصميم الألعاب والمواقع الإلكترونية. لقد أسعدني للغاية رؤية، أن هناك الكثير جدًا من نقاط التشابه بشأن ما يريده الناس وما يستحسنونه في كل أرجاء العالم.
ففي الجزائر العاصمة ينعقد سنويًا مهرجان للقصص المُصوَّرة. كما تقام هناك كذلك مسابقات فن الكوزبلاي؛ حيثما رأيت شبابًا جزائريين يتجوّلون متنكرين في أزياء شخصيات قصة ناروتو؛ مثلما يحدث لدينا بالضبط. وفي السودان توجد مجموعة من الفنانين الشباب، الذين يصدرون مجلة للقصص المُصوَّرة، على الرغم من عدم مناسبة الظروف لذلك هناك. تسمّى هذه المجلة "كانون" (هنا رابط المجلة).
تعد تلك المجلة إنجازًا كبيرًا في مجال النشر، نظرًا لأنه لا يوجد في السودان تقريبًا ثقافة إصدار الكتب أو دور طباعة جيدة. غير أن أولئك الفنانين لم يستسلموا لذلك. وهو ما أثار إعجابي للغاية.
أين ترى أوجه الاتفاق والاختلاف بين عالم القصص المُصوَّرة الأوروبية والعربيّة؟
راينهارد كلايست: تنضوي القصص المُصوَّرة في العالم العربي على جدل شديد حول الموضوعات السياسية، والتي كثيرًا ما تُعرَض، رغم ذلك، على نحوٍ مستتر للغاية. أعتقد، أن الفنانين هناك كثيرًا جدًا ما يمارسون نوعًا من الرقابة الذاتية؛ لأن ثمة رقابة خارجية تتوّعدهم.
لكنني كثيرًا ما أرى، بالمثل، في قصصهم المُصوَّرة رغبة في الفرار من الحياة اليومية. حكايات للهروب من الواقع، تسعى لجعل الناس يسحبون ستائر النسيان على الحقيقة الموحشة. فقد اطلعتني فتاة من السودان على قصصها المُصوَّرة، التي تتخذ أسلوب قصص المانجا، وتشتمل على قصص حب بين أشخاصٍ ذوي ملامح أسيوية ويحملون أسماءً أسيوية أيضًا. بيد أن تلك الفتاة لم تفهم سؤالي لها، عندما سألتها: أنىّ لها أن تجد نفسها إذًا في هذه الحكايات.
هناك، بالطبع، صعوبة بالغة في وصول القصص المُصوَّرة في العالم العربي إلى الجمهور؛ حيث لا يوجد سوى القليل من متاجر بيع الكتب وفي كثيرٍ من الحالات، يكاد لا يتبّقى لدى الشباب مال، من أجل شراء قصةٍ مُصوَّرة.
أغلب الظن حقًا، أن جمهور القصص المُصوَّرة في العالم العربي هم الشباب. أما في أوروبا، فمن الواضح أن قراء القصص المُصوَّرة، في الوقت الراهن، صاروا أكبر سنًا، وهو ما يرتبط بانتشار الروايات المُصوَّرة هناك. يقترب فن القصص المُصوَّرة في الدول العربية، التي زرتها، من كونه ثقافة شبابية ويتوّجه بشدة نحو السوق الأسيوي.
هل هناك لقاء، ظل عالقًا بذاكرتك بصفةٍ خاصة؟
راينهارد كلايست: قابلت –في إحدى ورش العمل في مدينة عمّان– طالبة، رسمت قصة قصيرة حول الموضوع الذي طرحته بعنوان "قصص من الحياة اليومية". تناولت الطالبة في قصتها الاحتجاجات، التي كانت تشهدها شوارع عمّان آنذاك كل يوم جمعة.
نرى في صفحات القصة أحد المتظاهرين وأحد رجال الشرطة، يواجهان بعضهما البعض في المظاهرة. ثم نتتبّع الطريق، الذي يسلكه كلاهما، حتى يصلان إلى منزلهما، حيث يتبيّن أن كليهما يقطنان في المنزل ذاته وأنهما يتوجهّان إلى الغرفة ذاتها ويستلقيان نائمين: أحدهما بجواره إحدى لافتات المظاهرة والآخر بجواره هرّاوته. فقد كانا شقيقين. تحكي هذه القصة الكثير جدًا عن تفكك المجتمع وكذلك عن عجز الشباب هناك أن يوفرّوا لأنفسهم شققًا خاصة بهم.
كيف اهتديت إلى قصة سامية يوسف عمر ("حلم الأولمبياد")؟ وكيف ابتكرت جماليات ذلك الكتاب؟
راينهارد كلايست: لقد اهتديت إلى القصة أثناء بحثى عن برنامج يقدمه معهد غوته في باليرمو ويتيح للفنانين الإقامة هناك لمدة شهر، حيث كنت أود أن أتناول حال اللاجئين القادمين من إفريقيا. وعلى الفور سلبت قصتها لُبيّ، بسبب ما تعرضت له سامية من ضغوط عاطفية. غير أنني، لم استطع البدء في العمل، سوى بعد انقضاء فترة اقامتي في باليرمو.
لقد تحدثت كثيرًا مع لاجئين قادمين من إفريقيا، رووا لي حكاياتهم. وعلاوًة على ذلك، فقد تحدثّت مع شقيقة سامية، التي تقيم في هلسنكي، والتي حكت لي تفاصيل كثيرة عن حياتهما العائلية وعن الجانب الشخصي لسامية.
أما ما يتعلّق بتقنية الرسم في الكتاب، فقد قررت، أن اتبِّع أسلوبًا في غاية الوضوح والبساطة، من شأنه أن ينقل الحدث، على أن يكون متحفطًا على الصعيد الفنيّ. فقد وددت أن أصب جُلَّ تركيزي على الحدث والأشخاص.
كيف جاءت ردود الأفعال على ذلك الكتاب؟
[embed:render:embedded:node:26755]
راينهارد كلايست: عقدت –بعد ظهور تلك القصة المُصوَّرة– فعاليات بديعة للغاية حول الكتاب، لا سيما تلك الفعاليات الكثيرة، التي أقمتها مع تلاميذ المدارس. لقد اعتراني بعض الخوف، ألا أكون قد اهتديت إلى الأسلوب الصحيح لسرد حكاية عن فتاة من الصومال، نظرًا لكوني رجلًا، تجاوزت الأربعين من عمري، ومواطنًا أوروبيًا أبيض البشرة.
غير أن هذا بدا خوفًا غير مُبَرّر. فقد شاركت في السودان في أمسية مميزة للغاية حول الكتاب –عقدها معهد غوته بالخرطوم– وتلّقيت هناك ردود أفعال جميلة للغاية، حيث تم عرض الكتاب ومناقشته في حديقة السطح بالمعهد، وأقيمت حفلة موسيقية، بصحبة موسيقيين سودانيين، تخلّلتها بعض أعمال الرسم على الهواء مباشرة.
كما ألّفت إحدى المغنيات أغنية من أجل سامية، لكي تقدمها خصيصًا في الأمسية؛ مما استثار مشاعر الجمهور بأكمله حد البكاء. غير أن إعجاب شقيقة سامية البالغ بالكتاب، كان أكثر ما أثار سعادتي. كما شعرت شقيقة سامية بسعادة غامرة، عندما حكيت لها عن صدور الترجمة العربية للكتاب وعن أن قصة سامية ستظل تتردد على الألسنة دائمًا وأبدًا.
حاورته: سمر منير
حقوق النشر: موقع ليتريكس 2018