تمييز بين الجهاد الإسلامي والجهادية الإسلاموية
لقد اتَّضح على أبعد تقدير مع الهجوم الذي استهدف أحد أسواق عيد الميلاد في برلين عام 2016، حتى لآخر ذوي النوايا الحسنة أنَّ ألمانيا باتت تمثِّل منذ فترة طويلة هدفًا حقيقيًا بالنسبة للمهاجمين الإسلامويين. لذلك أيضًا تناول الخبير في شؤون الشرق الأوسط وعضو حزب الخضر، أوميد نوريبور الوضع المشحون بعد ذلك الهجوم الإرهابي كنقطة انطلاق لكتابه "ما العمل لمواجهة الجهاديين - كيف يمكننا هزيمة الإرهاب". وفي هذا الكتاب ينظر إلى هذه الإشكالية مرة أخرى من عدة وجهات نظر، ويقدِّم فيه قبل كلِّ شيء أفكارًا لحلول ملموسة.
الجهادية نفسها، والتي يتعمَّد الكاتب في بداية هذا الكتاب إلى تمييزها كعقيدة قاتلة عن الجهاد كمبدأ ديني في الإسلام، ويفهمها في المقام الأوَّل كفكرة - حتى وإن كانت من دون شكّ "فكرةً بربرية وعنيفة"، بحسب وصف نوريبور. وبالنسبة له السؤال الرئيسي هو: كيف يستطيع المرء هزيمة مثل هذه الفكرة الخطيرة والتي تبدو جذَّابة جدًا للناس في جميع أنحاء العالم؟ وجوابه هو: من خلال إدراك المرء في البدء ما الذي يجعل هذه الفكرة جذَّابة جدًا - ليستبدلها بـ"أفكار أفضل"، مثلما يكتب أميد نوريبور.
يُقدِّم الجزء الأوَّل من هذا الكتاب موجزًا تاريخيًا عن الجهادية. يبدأ التاريخ الرئيسي الذي اختاره أميد نوريبور مع تلك اللحظة في عام 1998 عندما نشر زعيم تنظيم القاعدة آنذاك، أسامة بن لادن، فتوًى أعلن فيها عن أنَّ الأمريكيين وحلفاءهم كفارٌ وبالتالي استباح دمهم. وهكذا أصبحت الساحة مفتوحة لـ"صراع الحضارات".
وهذا هو بالضبط ما يسعى إلى رفضه هذا الكتاب. وذلك لأنَّ أميد نوريبور يُبيِّن أنَّ أحداث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2011 لم تكن هي التي "غيَّرت العالم للأسوأ"، بل لقد غيَّرته "الحرب على الإرهاب" التي تم إعلانها من قِبَل الولايات المتَّحدة الأمريكية إثر تلك الأحداث. وهذه الحرب تُمثِّل أعراض القوة التي يمكن أن يؤثِّر من خلالها الإرهاب من جميع الأطياف على المجتمع وقدرته على الانفتاح ويُغيِّرها.
حرب العراق عام 2003 هي "ما أخرج العفريت من القمقم"
الأخطاء التي ارتكبتها الإدارة الأمريكية في ذلك الوقت معروفة جدًا. وقد كان أكثرها فظاعةً وشهرةً الهجوم على العراق في عام 2003، وذلك لأنَّ هذا الهجوم - مثلما يذكِّر أميد نوريبور كثيرًا - قد شكَّل لحظة ولادة تلك العفاريت القاتلة، التي تنشر الآن أثر الكراهية والعنف في جميع أنحاء العالم تحت اسمها الدموي "تنظيم الدولة الإسلامية".
يُلخِّص أميد نوريبور مرة أخرى المحطات الرئيسية في الصعود السريع لهذا التنظيم الإرهابي، الذي لم يشارك فيه فقط جورج بوش مشاركة قوية، بل حتى نوري المالكي، رئيس الوزراء العراقي السابق. وفي الوقت نفسه يشير نوريبور إلى أنَّ الجهاديين ناجحون لأنَّهم يملؤون الفراغات الاجتماعية والسياسية، التي خلفتها حالة عدم الاستقرار الوطني، وكذلك الصراعات السياسية الداخلية وغيرها من إخفاقات الحكومات.
وهكذا تصبح لا غنًى عنها، وعدم الاستغناء عنها هذا يزيد من جاذبيَّتها. وفي النهاية يؤكِّد أميد نوريبور على أنَّ الصراعات العالمية تنشأ من صراعات محلية.
يسلط أميد نوريبور الضوء على ما يعنيه ذلك بالتحديد على أرض الواقع من خلال تقديمه لمحة عن الوضع في كلِّ بلد بمفرده في فصل عنوانه "الجهادية العالمية المحلية". وهذا الفصل قد يجعل القارئ يشعر أثناء قراءته بالدوار، لكنه يعطي انطباعًا بأنَّ في كلِّ مكان - من شمال أفريقيا إلى جنوب الصحراء الكبرى، ومن العراق إلى عمق الشرق الأوسط وعالم الشرق الأدنى - تشتعل نقاط ساخنة، تنتظر فقط تحوّلها إلى حروب واسعة الانتشار وذات تداعيات دولية - مثلما يحدث مثلاً في سوريا.
لا يخفي أميد نوريبور في هذا الفصل انتقاده الحاد للحكومة الألمانية، التي تُصدِّر الأسلحة إلى العديد من البلدان والمناطق المذكورة، ولا تزال تحافظ على "شراكات استراتيجية" مع حكومات تقوم بتصدير التطرُّف الديني، الذي يدَّعي الغرب أنَّه يحاربه.
السياسة الداخلي والخارجية تعملان يدًا بيد
وعلى الصعيد السياسي قد يُشكِّل هذا بحسب أميد نوريبور نقطة البداية في محاربة الجهادية، ويكون له في السياسية الداخلية والخارجية نفس النزاهة التي ننتظرها من دول أخرى. أمَّا في السياسة الداخلية فهذا يعني - بحسب نوريبور - أنَّ الأمر يتعلق دائمًا بالـ"إلاقصاء والتهميش".
نحن لا نزال بحاجة لإيجاد سياسة اندماج مستدامة؛ وكذلك لا نزال بحاجة إلى التفكير في وضع منهجية للوقاية ومحاربة التطرُّف، تساعد في جعل نموذج "الديمقراطية" ليس "مُثيرًا" وحسب، بل أيضًا أكثر جاذبيةً من نموذج "الجهادية" - مثلما يكتب أميد نوريبور. والمشاركة في ذلك واجب على الجميع: على الدولة والمدرسة والأسرة، وكذلك - مثلما يؤكِّد أميد نوريبور مشيرًا إلى المتحدث عن هذا الموضوع في ألمانيا أحمد منصور - هي واجب على المسلمين والجمعيَّات الإسلامية نفسها أيضًا.
وعلى صعيد "السياسة الخارجية يجب عدم الاعتماد على سياسة الاستقرار الكاذب" - ومساعدة الحكومات أو جماعات المعارضة على أرض الواقع في وقف جميع العوامل التي تفتح الباب أمام الجهادية: من فساد، وبطالة، وسياسة خارجية لا تخضع لسياسة الهجرة وحدها، وتؤدِّي إلى تَغَيُّر المناخ والحروب من أجل الأرض والمياه والجوع والهجرة.
هذه القائمة طويلة. ولكن الأمر المهم: لا توجد خطة رئيسية - مثلما يؤكِّد أميد نوريبور أكثر من مرة! وهذا بالذات يجعل محاربة الإرهاب صعبة للغاية. ولهذا السبب بالذات يجب علينا ألاَّ نفشل في محاربة الإرهاب. وذلك - مثلما يكتب أميد نوريبور، الذي لا يخفي قلقه الشخصي في كلِّ هذا الكتاب - لأنَّ كلَّ ردّ فعل من جانبنا يلعب دورًا حاسمًا: "كلَّ يوم".
كلاوديا كراماتشيك
ترجمة: رائد الباش
حقوق النشر: موقع قنطرة 2017
كتاب أوميد نوريبور: "ما العمل لمواجهة الجهاديين - كيف يمكننا هزيمة الإرهاب"، صدر في عام 2017 عن دار نشر دي تي فاو بريميوم، ميونيخ، في 304 صفحة.
رقم الإيداع:
9783423261555