أصالة الماضي تطل على بؤس الحاضر الأفغاني

يسعى متحف نيفه كيرك الهولندي إلى تقديم صورة جديدة غير معروفة عن أفغانستان من خلال معرض للقطع الأثرية الأفغانية القديمة. المجموعة تتألف من أكثر 250 قطعة تم العثور عليها في أكثر من موقع أثري في أفغانستان. نسيم صابر طاف في أروقة المتحف.

يسعى متحف نيفه كيرك الهولندي إلى تقديم صورة جديدة غير معروفة عن أفغانستان من خلال معرض للقطع الأثرية الأفغانية القديمة. المجموعة تتألف من أكثر 250 قطعة تم العثور عليها في أكثر من موقع أثري في أفغانستان وحفظت خلال حروب البلاد المتوالية في أقبية القصر الرئاسي. نسيم صابر طاف في أروقة المتحف.

​​تتنوع المعروضات في أروقة متحف نيفه كيرك في مدينة أمستردام الهولندية بين أفروديت باختريانيه، من الحضارة الأفغانية القديمة بأجنحتها الملائكية، وعلامة الزواج بين حاجبي أميرة من القبائل الرُحَل والتاج المفصلي المصنوع من الذهب الخالص، إضافة إلى تمثال مموه على هيئة نافورة تخرج من فمها مياه من نهر جيجون المسمى اليوم بـ"أمو داريا".
وتضاهي أهمية هذا الكنز الباخترياني مقتنيات توت عنخ آمون، التي عثر عليها في مصر. فهذه المجموعة مكونة من أكثر من 20 ألف قطعة أثرية، وهي وليدة حضارات متقدمة في أفغانستان القديمة.

ذهب باختريا

بعد حملة الإسكندر انتقل الكثير من الإغريق والمقدونيين إلى أراضي باختريا الزراعية، حيث أسسوا حضارة مزدهرة. ثم سيطرت قبائل الرحل من الكوشان، والمنحدرة من أواسط آسيا، عليها واستولوا على كل شيء فيها، حتى على الكتابة الإغريقية، التي استعملوها بعد ذلك في كتابة لغتهم الباختريانية.

وبفرض سيطرتهم على هذه المنطقة المهمة من الناحية الاستراتيجية تمكن أمراء الكوشان من الاستفادة من طريق الحرير الذي يقطعها، فحصلوا على ثروات طائلة. وتمثل هذا التمازج الحضاري في المنطقة جلياً في طبيعة المصنوعات الذهبية التي كانت تنتج في أفران صاغة الذهب هناك، فقد اتخذت هذه المنتجات أشكالا مادية معقدة وتميزت بمستوى فني رفيع، يثير الدهشة. وتعكس مواضيع مفردات هذه المجموعة النفيسة، التي تعرض في الوقت الراهن في أمستردام، مزيجا فريدا بين الحضارات الهندية والإيرانية والهيلينية، إضافة إلى حضارة القبائل الرحل القادمة من وسط آسيا.

تل الذهب بالقرب من هندوكوش

قطعت المعروضات رحلة طويلة عبر الزمان والمكان، فقد عثر فريق آثار روسي ويوناني برئاسة عالم الآثار الروسي فيكتور ساريانيديس على كنوز باختريا الذهبية قبل ثلاثين عاماً شمال هندوكوش. ومنذ ذلك الوقت أصبح يطلق على التل الذي وجدت في باطنه هذه الموجودات "تيلا ديبه" ، أو تل الذهب.

وبقي كنز تل الذهب بعد فحصة وتصنيفه من قبل السوفييت في عام 1978 في كابول، ثم سرعان ما دخلت جحافل الجيش الأحمر بعد ذلك بعام واحد إلى أفغانستان، ولم ينته هذا الاحتلال إلا بعد مرور عشرة أعوام. ولم يبق النظام الشيوعي في أفغانستان متماسكاً لأكثر من أربعة أعوام، وخلال فترة الاحتلال السوفيتي تم نهب العديد من الكنوز الفنية من أفغانستان.

​وبعد سقوط النظام الشيوعي اندلع في أفغانستان عام 1992 قتال جديد، ولكن هذه المرة بين فصائل المجاهدين، محولين مدينة كابول إلى أنقاض ورماد، إضافة إلى جرائم الحرب البشعة، التي ارتكبتها جميع الأطراف المتقاتلة. كما رافق هذا القتال الكثير من حالات النهب، لدرجة أن لصوص الآثار الفنية في الخارج بدؤوا يزيدون من معروضاتهم من القطع الفنية الأفغانية المسروقة.

وفي عام 1994 ظهرت حركة طالبان على المسرح السياسي في أفغانستان، حتى احتلت العاصمة عام 1996. أما الكنز الذي كان ما يزال طوال الوقت في كابول، فقد بدا للوهلة الأولى مفقوداً إلى الأبد.

وبعد إسقاط طالبان دبت الآمال في أفغانستان من جديد، وسرت الإشاعات في البلاد بأن الكنز مازال في مأمن. وبالفعل تم عرض الكنز الذهبي عام 2004 على المختصين من دول العالم، كما أكد مكتشفها الروسي ساريانيديس أنها القطع الأصلية بعد أن قام بفحصها.

القصر الرئاسي مخبأ لهذه الكنوز

لقد تم حفظ المجموعة الذهبية طوال هذه الأعوام في خزانات البنك الوطني الموجودة تحت القصر الرئاسي، فقد غامر بعض العاملين في المتحف الوطني الأفغاني وبكل شجاعة من أجل حفظ هذه القطع الفنية. ونظراً لجهوده الكبيرة في إنقاذ الكنز تم تكريم مدير المتحف، اومارا خان مسعودي، عام 2004 بجائزة الأمير كلاوس وهو زوج ملكة هولندا بياتريكس التي تنحدر من أصول ألمانية.

​​وبعد أن تم عرض المجموعة الأثرية النادرة في العاصمة الفرنسية باريس ومدينة تورينو الإيطالية، تم نقله إلى أمستردام الهولندية، للعرض في نيفه كيرك حتى 20 نيسان/ أبريل 2008. ومن ثم ستنقل المجموعة الذهبية إلى الولايات المتحدة الأمريكية، حيث سيتم عرضها في العديد من الولايات.

وتاتي هذه المعارض المتوالية في إطار خطة للعديد من المهتمين والمتاحف والمؤسسات الهولندية والايطالية والفرنسية لتقديم صورة جديدة أخرى عن أفغانستان لم تكن معروفة في السابق. فوهج تاريخ أفغانستان يلقي بضيائه على بلاد الهندوكوش، وعلى أفغانستان التي كانت ذات يوم مهداً للحضارة وبوتقة للثقافات والأعمال الفنية الرائعة. ولكن هذا الوهج القديم لا يمكن أن يغطي على الواقع الصعب في أفغانستان اليوم.

فالخطر في أن تنزلق البلاد مرة أخرى في فوضى جديدة ما زال قائماً، ما قد يقلل من القيمة المادية للقطع الفنية في أفغانستان ويضيعها إلى الأبد.

نسيم صابر
ترجمة: عماد م. غانم
حقوق الطبع: قنطرة 2008

قنطرة

المسرح في أفغانستان:
"كي لا يسدل الستار من جديد"
عرض مسرحي في كابول تواجه أفغانستان مهمة نشر قيم ديموقراطية بين المواطنين وبث وعي سياسي جديد. وفي هذا المضمار يلعب المسرح مهمة رئيسة في الوصول الى اقاصي البلاد. الكاتب الأفغاني مسيح رحمن يستعرض وضع الحياة
المسرحية الجديدة.

المخرج الأفغاني وحيد نزاري بين الشرق والغرب:
بطلي هو أنا نفسي الآن!
تركت حياة المخرج الأفغاني بين الشرق والغرب أثرًا دامغًا عليه. وحيد نزاري متحدر من أصولٍ أفغانيةٍ، تعلم صنعته في بلغاريا ويقيم اليوم في مدينة ليفركوزن الألمانية حيث أسس قبل فترة وجيزة "المركز الأفغاني للسينما والمسرح". بعد أن أنتج عددا من الأفلام في المنافي يرغب نزاري الآن بإنتاج فيلمه القادم في وطنه أفغانستان. نسيم صابر يقدم لنا عنه هذا البورتريه.

المهرجان الأول للسينما الأفغانية:
البحث عن لغة جديدة رغم الخراب
تم إحياء المهرجان الأول للسينما الأفغانية في مدينة كولون الألمانية. تقرير فهيمة فرسائي عن اللغة الصورية الأفغانية الجديدة والشروط الصعبة لصناعة السينما في أفغانستان.