هل سيحاكم الليبيون سيف الإسلام ومن يخشى محاكمته؟
آخر مرة التقيت فيها سيف الإسلام القدافي كانت قبل أكثر من سنة تقريبا وذلك في فندق الركسس في طرابلس. الوقت كان شهر رمضان وحضرت بناء على دعوة شملت ما يقرب من مائة شخص بين إعلامي و مثقف وأستاذ جامعي. يومها أرادنا الداعي أن نستمع لما سيقوله سيف ونطرح عليه أسئلتنا ولم يتمكن الكثيرون،وأنا منهم، من سؤاله فتلقينا ووعد بالإجابة عنها كتابيا، إلا أن الرجل لم يكن مشهورا بحفظ الوعود والإيفاء بها أو أن معاونيه لم ينقلوا له ما سألنا. أما اليوم فلدي ولدى الكثيرون أسئلة ضعف ما كان لدينا يومها. فهل يا ترى سيجيب حبيس الزنتان ومن غيره قد يعرف الجواب.
ولعل الجدل المتصاعد حول مكان محاكمته ومن سيحاكمه ووفق أي قانون تنبئ بحجم الأسئلة المطلوب أن يجيب عنها الرجل أو من سيحاكمونه. ولايفوت المطلع أن ليبيا لم توقع على ميثاق روما الذي أسس محكمة الجنايات الدولية التي تطالب بتسليم سيف الإسلام لها. ولطالما كانت المحكمة محل نقد شديد من قبل والده الدي اختار من قبض عليه أن يخرسه إلى الأبد ربما بناء على تعلميات خارجية كما أشار مؤخرا رئيس المكتب التنفيذي السابق محمود جبريل.
إشكاليات المحاكمة
إ
لى جانب ذلك هنالك جوانب موضوعية قد تجعل من محاكمة سيف الإسلام جزءاً من المشكلة وليس جزءا من الحل: أولها أنه لم يكن يوما مسئولا رسميا في ليبيا رغم كونه لاعبا رئيسيا في شئون الدولة على مدى العشر سنوات الأخيرة وحتى آخر يوم من أيام نظام والده. أضف إلى ذلك أن سيف الإسلام القذافي قاد بفشل ذريع مشروعا إصلاحيا شبيها بفعل الخير أكثر منه مشروعا حقيقيا يشمل كافة جوانب الحياة، مما جعل الرجل في فترة معينة من عمره السياسي القصير يختزل آمال وطموحات شريحة واسعة من الليبين ألا وهي شريحة الشباب الدي يمثلون الأغلبية في ليبيا وجزء من هؤلاء ولاهم مسئوليات حقيقة قانونية في جسم الدولة وأغلبهم انقلب إلى معارض فور بداية الثورة في بنغازي وهذا يطرح أسئلة حولهم أيضا إن كان لمحاكمة نزيه ومفتوحة أن تكون فعلا أيجابيا لا فعلا انتقاميا انتقائيا.
وبغض النظر عن الجوانب القانونية فإن لدي سيف أسرارا كثيرة ويعرف خفايا ملفات مهمة وخطيرة تشمل المحلي والدولي. دوليا يأتي ملف لوكربي (التي لم أصدق يوما أن لليبيا علاقة بها) وملف الحرب على تشاد وملف "دعم الإرهاب" وهي التهمة التي لاحقت والده عقودا عدة على رأس ما قد يملك سيف الإسلام مفاتيح ألغازها. ومحليا يأتي ملف مقتل أكثر من ألف سجين في سجن أبوسليم سيئ الصيت أولا تم تلحقه ملفات أخرى أولها خفايا ما جرى ليلة 16 فبراير (شباط) الماضي في مقر الأمن العام في بنغازي ولماذا امتنع الرجل عن الذهاب إلى بنغازي للمشاركة في المناقشات التي دارت ليلتها بين كل من الراحل اللواء عبدالفتاح يونس (وكان يومها وزيرا للداخلية) وعمر أشكال ( من مكتب اللجان الثورية) و عبدالله السنوسي في محاولتهم لملمة الأمر قبل أن تتسع دائرة الأحتجاجات وتنتشر الادعاءات بقتل المئات من المدنيين واستخدام المرتزقة خاصة يوم 17 فبراير (شباط) في بنغازي وتنتشر في بقية المدن شرق ليبيا.
محاكمة عادلة ونزيهة وعلنية؟
وقد سرت بين الليبيين في طرابلس يومها أشاعات مفادها ان ما جرى في بنغازي له علاقة بسعي سيف الإسلام لتولي السلطة وليست كل إشاعة كاذبة خاصة في ليبيا تم يأتي ملف شركة الغد التي أسسها الرجل كرأس حربه لمشروعه الإصلاحي "ليبيا الغد" تم ملف الاستثمارات الأجنبية في ليبيا وعلاقتها بالصفقات السياسية. إن هدف أي محاكمة في المطلق هو إظهار الحقيقة وأنصاف كافة الأطراف وإرساء قواعد مصالحة وطنية حقيقة وليس الانتقام والتشفي وإغلاق الملفات بسرعة مخافة أن يظهر منها ما لا يسر الكثيرين ولنا في تجارب دولية أفضل الدروس لاستلهامها.
وعليه فإن السؤال الجوهري هو هل سيلقى سيف الإسلام محاكمة عادلة ونزيهة وعلنية وأين ليقول ما لديه أمام العالم أم أن من يخشون قوله يمكن أن يمنعوه من الحديث عنوة أو طواعية؟ وما الأثر الذي ستتركه هكذا محاكمة على مستقبل ليبيا؟
على رأس قائمة من قد يخشون سيف الإسلام إن نطق رئيس وزراء بريطانيا الأسبق توني بلير الذي ارتبط بعلاقة وثيقة مع العقيد القدافي ومع سيف الإسلام نفسه بداية من عام 2004 كسياسي أولا تم كرجل أعمال مباشرة أو مداورة، إلى جانبه يظهر اسم وزير التجارة البريطاني السابق والمصرفي واللورد حاليا بيتر مندلسون الدي ارتبط بعلاقة شخصية مع سيف الإسلام وفي قائمة من سيطولهم كلام سجين الزنتان أيضا الرئيس الفرنسي الحالي وعلاقته الملتبسة بنظام القذافي وإلى جانب هؤلاء يبدو رئيس وزراء أيطاليا السابق سيلفيو برلسكوني أكثر الأسماء الأوروبية ارتباطا بحكم القدافي وستطول القائمة لتشمل رجال أعمال وشخصيات مرموقة في قطاعات عدة من شركات الإستشارات الي الشركات الإستثمارية وحتى الجامعات وعلى رأسها مدرسة لندن الشهيرة التي منحت سيف الإسلام الدكتوراه تم عادت وأنكرته!
الملف المحلي
أما محليا فإن بعض أعضاء المجلس الانتقالي الليبي والمكتب التنفيذي وبعض المتنفذين في ليبيا حاليا عرضة لما سيقوله سيف الإسلام فمنهم من أتى به هو شخصيا ومكنه من السلطة ومنهم من عمل معه مباشرة كمستشار وخبير. أما في دائرة السؤال الأشمل فإن الرجل يجب أن يٌسأل عن آلية عمله أثناء قيادته لمشروع "ليبيا الغد" الذي فشل بشكل شبه كامل مع صدق النوايا يومها، إلا أن النوايا وحدها لا تكفي لقيادة الأمم وقد أخطأ سيف الإسلام يومئذ في جانبين أساسيين ــ ربما أعاقا مشروعه قبل غيرهما ــ أولهما افتقاده للرؤية الشاملة لتطوير ليبيا ونقلها من حالة الدولة الفوضوية إلى حالة الدولة المنظمة وثانيهما اعتماده على شلة من الكذابين والفاشلين وعديمي المواهب وحتى الخارجين على القانون لقيادة مشروعه الإصلاحي وأقصى في الأثناء خبرات وطنية صادقة و مؤهلة لينزوي هؤلاء بعيدا وينقلب عليه أولئك مع أول هزة تعرضت لها جماهيرية الوالد.
ومع أن مشروع ليبيا الغد ــ أو الجماهيرية الثانية كما أسماه بعض متملقي القدافي الابن ـــ واجه مقاومة قوية داخل بيروقراطية الوالد حدت من قدرة الولد على التأثير، إلا أن هذا الأخير لم يكن جادا بما يكفي ولم يعرف كيف يختار الأفراد فابتليت ليبيا بسببه بشلة من الفاسدين دفع بهم سيف الإسلام لقيادة مواقع مهمة ومكنهم من التصرف في ميزانيات ضخمة خاصة في الأربع سنوات الأخيرة فعاثوا في البلد فسادا فاق ما جاؤوا ليصلحوه وتظل شركة الغد للخدمات الإعلامية و قناتها الفضائية أكبر مثال على ذلك.
إلى أين المسير؟
ومهما جرى للرجل الآن فإن الليبيين يتطلعون إلى غد أفضل وهم في هذا متساوون ولكن مدى وعي ساسة البلد الحاليين بالأمر واحتكامهم إلى مصالح ليبيا العليا وضرورة تفعيل المصالحة الوطنية يظل محل استفهام قد لا تكفي محاكمة سيف الإسلام للإجابة عنه خاصة وأن محاكمته هو أو غيره لا تأتي في إطار مصالحة وطنية بل ضمن إطار تأجيج إعلامي يعزز الفرقة في مجتمع قبلي يسهل إشعال الفرقة بين قبائله حتى وإن صفت النوايا.
وهذا يطرح سؤال عن شرعية السلطة التي ستحاكمه. فالحكومة الحالية انتقالية غير منتخبة وهي في العرف الدولي والقانوني مجرد إدارة مؤقتة لإدارة البلد واتخادها قرارات سيادية أو حساسة من هذا القبيل تظل محل شك لأن من شأن عواقب تلك القرارت أن تؤثر على مستقبل البلد بأسره. والأجدر بها أن تعكف على الشأن العام من واقعه الراهن بداية من حل مشاكل الناس اليومية وإرساء قواعد المصالحة وتوفير أرضية مناسبة لتتويج سلطة منتخبة حقيقة تتمتع بالشرعية اللازمة لمحاسبة من يستحقون المحاسبة وبعضهم من الثوار أيضا. وأخشى أن تتحول محاكمة سيف الإسلام وغيره إلى محاولة للقفز على المشاكل الحقيقية تنتهي بإقرار أمر واقع الفصل فيه للمنتصر عسكريا وهذا حتما ستكون له عواقب سلبية.
مصطفى الفيتوري
مراجعة: هشانم العدم
حقوق النشر: قنطرة 2011
مصطفى الفيتوري أكاديمي ليبي وحائز على جائزة سمير قصير لحرة الصحافة عام 2010