مأساة مصر العسكر...تكريس ثقافة العنف في المجتمع المصري
كلما شاهد وائل إبراهيم، الطالب المصري الدارس في جامعة لايبتسيغ، الأخبار اجتاحه شعور بالحزن الشديد إزاء ما جرى ويجري في بلده من أحداث عنف، ويقول وائل معبرا عن ذلك: "لم أكن أصدق يوما أنه من الممكن أن يصل المصريون إلى هذا الحد من العنف بعضهم تجاه بعض. على الجميع التفكير الآن في مصلحة مصر وتنحية الخلافات جانبا".
لا للإقصاء
وائل له موقفه ضد سياسات الرئيس المعزول محمد مرسي والإخوان ولكنه أيضا "ضد إقصاء الإخوان بشكل كامل من الحياة السياسية المصرية"، خاصة بعد إقدام العسكر بقيادة الفريق عبد الفتاح السيسي على اجتثاث الإسلاميين بالقوة من المشهد السياسي المصري.
ويرى وائل أن الحل يكمن في "تشكيل لجنة حكماء تمثل جميع أطياف الشعب المصري دون إقصاء لأي تيار". ويفصّل قائلا: "مهمة هذه اللجنة هي وضع خارطة طريق، والوصول لحل وسط يتفق عليه الجميع".
الحزن لما تمر به أرض الكنانة من أحداث يخيم أيضا على الطالب المصري أحمد الدارس في ألمانيا. ويرى أحمد، الذي ليس له أية ميول سياسية، أن الأزمة في مصر تكمن في عدم تقبل الرأي الآخر. فالمشكلة بالأساس هي انعدام ثقافة الاختلاف لدى الشعب المصري "مما يؤدي في النهاية إلى اللجوء إلى العنف عند وجود خلاف في الرأي".
باتت أحداث العنف في مصر تؤثر على دراسة أحمد وتقلل من تركيزه لكثرة تفكيره فيها. ويرى بدوره أن الحل هو في "الجلوس معا كشعب واحد، والتحاور بدلا من الاقتتال في الميادين".
"خدعونا"
مثل هذه اللحظات النفسية العصيبة تمر بها ميريت محمد بكير أيضا، التي تعد رسالة الدكتوراه في الفن والتصميم في جامعة باوهاوس في مدينة فايمر الألمانية. فهي تحس بأنها خُدعت وتقول: "لقد خدعونا ... قالوا إنهم يعدون خطة لفض الاعتصامات بطريقة سلمية، ولكني اكتشفت عدم وجود خطة أصلا، واستعملوا العنف مع الإخوان".
ميريت، أخت زياد بكير الذي لقي حتفه في "جمعة الغضب" يوم 28 يناير/ كانون الثاني 2011 في أحداث ثورة يناير المصرية التي أطاحت بالرئيس حسني مبارك، تعيش في ألمانيا منذ عام 2006 وهي كثيرة التردد على بلدها وتزوره مرة كل 3 أشهر تقريبا.
ومنذ أول يوم في ثورة يناير شاركت ميريت في كل الأحداث، ونزلت إلى الميادين للتظاهر مع المحتجين، ولكنها باتت في الوقت الحالي تمر بحالة نفسية صعبة أكثر من أي وقت مضى تصفها قائلة: "ما يجري فظيع ولا يمكن وصفه. الاستقطاب حاد جدا. بتُ أخشى أن أفقد أصدقاء أعزاء بسبب التطرف في الآراء، لذلك أغلقت مؤقتا حسابي على فيسبوك".
ميريت لا تشعر بالتعاطف مع جماعة الإخوان المسلمين وتحملهم المسؤولية الأكبر فيما يجري وتصفهم بما يصفه خصومهم من أنهم "جماعة إرهابية"، لكنها لا تؤيد استخدام القوة ضدهم وتبرر ذلك قائلة: "أكبر خطأ هو التعامل بعنف معهم، لأننا ندخل بذلك أيدينا في عش الدبابير ثم نشكو من اللسعات".
وتنتقد ميريت كل ما جرى، وخاصة ضياع الثروات المصرية، وسفك الدماء و"حرق الكنائس وسرقة أحد المتاحف..."، كما تقول، ثم تتساءل: "من سيعوضنا عن كل ذلك؟ من سيعوض البلد؟"، وتعبر عن شعورهابالخوف على الناس "لأنهم صاروا بالمجمل ميالين للعنف ويريدون الاقتصاص بأيديهم وانتزاع الحق بالقتل والعنف"، كما تعبر عن خشيتها من "عودة نظام مبارك".
أمنية العودة إلى العش
أما إبراهيم، الذي يعمل طبيبا بيطريا في ألمانيا، فيعرض وجهة نظره بالقول: "فض الاعتصام بالقوة كان خطأ كبيرا وقعت فيه الحكومة المصرية، لأن ذلك سيعطي للإخوان المسلمين تعاطفا دوليا، خصوصا بعد استقالة البرادعي، وهو الذي كان يعطي ثقلا كبيرا للحكومة المصرية بعد 30 يونيو" .
ويرى إبراهيم أن الوضع خطير وينذر بعواقب شديدة، مبديا خشيته شخصيا من اندلاع حرب أهلية في مصر، "وقتها سيندم الجميع وقت لا ينفع فيه الندم".
أكبر أمنية لدى إبراهيم هي العودة إلى مصر والعيش هناك، خصوصا بعد أن قضى أكثر من خمسة عشر عاما في ألمانيا، ولكن إبراهيم يشعر بالقلق نتيجة أحداث الثالث من يوليو وما بعده، فحالة عدم الاستقرار ستؤثر على حياته وعمله فيما لو عاد إلى بلاده.
محمد رشاد عطا الله
تحرير: فلاح آل ياس / علي المخلافي
حقوق النشر: دويتشه فيله 2013