الأمر يتعلق بالتنمية وليس بمكافحة المخدرات
تشكل زراعة الأفيون ستين بالمائة من إجمالي الدخل القومي الأفغاني ولم يكتب حتى الآن لإية مبادرة بالنجاح للحد من زراعة الأفيون والتجارة بها وبمشتقاتها. هل يمكن أن يكون السماح الرسمي بزراعة الأفيون وإخضاعه لمراقبة الحكومة في أفغانستان هو الحل؟ حوار مع إيمانويل رينرت
يقترح "مجلس سنليس" أيضا سحب الأفيون من السوق السوداء واستخدامه في صناعة الأدوية المسكّنة مثل المورفين والكوديين. وتعتبر الهند وتركيا قدوة في هذا المشروع، حيث يوجد هناك منذ سنين مزارعين رسميين ينتجون الأفيون للأغراض الطبية.
ويقول مدير المجلس الذي أُسس عام 2002 أن مورد رزق مزارعي الأفيون الأفغان البالغ عددهم مليونين لن يلحقه ضرر من جراء هذه الخطة. وفي نفس الوقت فسوف تقل الظواهر السيئة التي تصاحب الاتجار بالمخدرات، مثل الفساد وأعمال العنف.
كما أن شراء الأفيون بطريقة شرعية لن يكون أغلى من الحرب ضد زراعته. وقدم السيد إيمانويل رينرت، مدير "مجلس سنليس" هذا الإقتراح نهاية شهر سبتمبر/أيلول هذا العام في كابول.
كيف كان رد فعل الحكومة الأفغانية على اقتراحكم؟
إيمانويل رينرت: كان هناك بيان صحفي رحبت فيه الحكومة بمشروعنا الذي يهدف إلى السماح ببيع الأفيون بطريقة شرعية. ولكنها قالت بوضوح أن ظروف أفغانستان ليست ملائمة لاقتراحنا وأنها ليست قادرة في الوقت الحالي على تقديم ضمانات لهذا الحل.
هل كانت هناك ردود فعل غير رسمية؟
رينرت: نعم، إلى حد ما، فالحكومة ينبغي عليها أن تأخذ حذرها. أما بالنسبة لنا فكانت ردود الفعل مشجعة لأنهم لم يقولوا أن اقتراحنا مستحيل وإنما قالوا بأنها مسألة وقت. وبهذا أعتقد أن الحكومة قد وافقت بطريقة ذكية. إنه ينبغي عليها مراعاة رأي البلاد المهمة المانحة للمساعدات، خاصة الولايات المتحدة وبريطانيا.
هل كانت هناك ردود فعل من قبل هذين البلدين؟
رينرت: لا، ولا بكلمة واحدة.
كيف تفسرون ذلك؟
رينرت: إن البلدين يسلكان سياسة معينة تجعل القضاء على المخدرات في بؤرة اهتمامهما. وإننا ننظر إلى المشكلة من زاوية أخرى، وهذا ما يعتبر جديدا بالنسبة لهما. ومن الممكن أن أقول بأننا قد فاجأناهم، خاصة وأننا لم نطرح فكرة فقط بل قدمنا دراسة مدعمة بالبراهين. وفكرة السماح الرسمي بزراعة الأفيون هو مشروع تنموي أكثر مما هو إجراء لمكافحة المخدرات.
إن الأمر يتعلق بالتنمية وإعادة بناء أفغانستان إقتصاديا، فعندما تحتل زراعة إحدى النباتات ستين بالمائة من إجمالي الدخل القومي، فإن الأمر لا يتعلق إذا بالمخدرات فقط. وسوف تكون هناك مشكلة إقتصادية لا يمكن معالجتها بالسياسة القمعية أو بمحاربة المخدرات عسكريا. إن الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا تشككان في هذه الخطوة، ولا يدرون كيف يتعاملون معها.
إن هيئة رقابة المخدرات التابعة للأمم المتحدة تقول: إن اقتراحكم هذا لن يكتب له النجاح لأن المعروض اليوم من المورفين والكوديين يزيد على المطلوب منه عالميا. وهذه إحدى الحجج المتناقضة التي نقف أمامها. وعلى الرغم من صحة القول بأن المعروض حاليا أكثر مما هو مطلوب رسميا، إلا أن منظمة الصحة العالمية والدوائر العالمية لرقابة المواد المخدرة تنبه كل عام إلى الإحتياج الكبير عالميا من المواد المسكنة.
إن ثمانين بالمائة من بلاد العالم يحصلون على سبعة بالمائة فقط من منتج المورفين والكوديين عالميا، في حين أن أغنى سبع دول تستهلك ثمانين بالمائة. ولا يوجد مورفين ولا كوديين في أمريكا اللاتينية وآسيا وأفريقيا، حتى أن هناك أزمات بين الحين والآخر في أوروبا الغربية، فالمطروح في السوق العالمية حاليا لا يغطي الإحتياجات الحقيقية. إننا نريد طرح نوعية من المورفين الأفغاني في الأسواق حتى نخفف من "أزمة المسكّنات" العالمية على حد قول منظمة الصحة العالمية.
هل تعد الرقابة الإجتماعية كافية بالفعل، وهل سيقف المزارعون أمام مزايدات تجار المورفين غير الشرعيين على الأسعار الرسمية؟
رينرت: ليست هناك فوضى في الريف الأفغاني، فهناك هيئات اجتماعية ذات مهام قيادية في شكل المجالس المحلية، مثل مجلس الشورى أو مجلس كبار القبائل المسمى لويا جيرغا.
ولكن ما هو وضع أمراء الحرب المساهمين في تجارة المخدرات وما زالوا أصحاب كلمة إلى حد كبير؟
رينرت: هذا شيء آخر. لقد دلّت نتائج الدراسات الأولى عن السماح باستخراج المورفين من الأفيون على أن صافي دخل المزارعين سيظل على نفس مستوى دخلهم من الأفيون الخام، أضف إلى ذلك توفير المصاريف الأخرى مثل الرشوة والحراسة التي يتطلبها السوق السوداء من ناحية.
ومن ناحية أخرى فإنه من الممكن أن يربح المزارعون من بيع الأدوية إذا تم تصنيع المورفين والكوديين من أفيون في أفغانستان. وبهذا يمكنهم أن يدخلوا في نظام التوكيلات التجارية ويجدوا عملا يدرّ عليهم الرزق.
إنكم بحاجة إلى مؤسسات حكومية على مستوى المسؤولية إذا أردتم الحصول على ترخيص لزراعة الأفيون، وحكومة أفغانستان لا تزال ضعيفة إلى حد ما.
رينرت: نعم، نحن بحاجة إلى مؤسسة حكومية مركزية معتمدة على المستوى المحلي والمستوى الإقليمي. والفائدة الكبرى من نظام التوكيلات التجارية أن الحكومة سوف تحظى بمصداقية الجماهير لأنها ستتوقف عن الهجوم على ضروريات حياة المزارعين، حيث أن كل مبادرة تقوم بها الحكومة الآن تتنتهي بالاعتداءات على المزارعين.
إن المزارعين لا يريدون سوى كسب المال الذي يتيح لهم ولأسرهم حياة كريمة، وسوف يساعد نظام التوكيلات التجارية على الحفاظ على ضروريات الحياة ويقوي الحكومة الأفغانية في نفس الوقت.
ونظام التوكيلات التجارية يفرض الرقابة من ناحية، ومن ناحية أخرى يخلق شروطا تمكن من الرقابة الناجحة، وعلى هذا النحو فإن بإمكاننا أن نحوّل الحلقة المفرغة للسوق السوداء إلى مجموعة متكاملة من المزايا يقوي بعضها بعضا.
أجرى الحوار تيلمان إليزن
ترجمة عبد اللطيف شعيب
حقوق طبع النسخة العربية قنطرة 2005
صدر النص الكامل للحوار في مجلة التنمية والتعاون الألمانية
إيمانويل رينرت: المدير التنفيذي لمجلس سينسيل
مجلس سينسيل: أسس 2002 كثين تانك (مركز للتفكير) بغرض طرح أفكار ومبادرات جديدة في مجال سياسة التعامل مع المخدرات.
قنطرة
حرب الأفيون في أفغانستان
في أفغانستان أثبتت زراعة الأفيون بالنسبة لكثير من الفلاحين في زمن الحرب والفاقة أنها وسيلة ناجعة لكسب لقمة العيش. غياب الوعي بعدم مشروعية هذا العمل لدى الأفغان تشكل أكبر الصعوبات في مكافحة إنتاج المخدرات.
www