تحديث التقاليد القانونية في قطر...انطلاقة نوعية نحو آفاق جديدة
السَّيد فرانكنبيرغ، هل تستطيع إخبارنا شيئًا عن هذا المشروع البحثي في الدوحة؟
غونتر فرانكنبيرغ: الهدف من هذا المشروع هو إنشاء معهد للدراسات القانونية والقضائية في الدوحة. وأنا بوصفي عضوًا في فريق خبراء دولي، أعمل منذ بداية شهر آب/ أغسطس الماضي 2012 على تطوير مشروع عرضناه قبل بضعة أسابيع على حكومة قطر التي كلفتنا بهذا العمل.
تم تحديد ثلاثة مجالات رئيسية للبحث هي: "القانون والسياسة الدولية" و"القانون المقارن" وكذلك "التقاليد القانونية العربية والإسلامية". ومن المقرَّر أن يخدم هذا المعهد قبل كلِّ شيء البحوث والتأهيل، وهذا ما يميِّزه عن كليَّات الحقوق التي يتخرَّج منها رجال القانون. ولكن مع ذلك سوف تكون هناك إمكانية أيضًا للحصول فيه على درجة الدكتوراه وربما أيضًا الماجستير.
ما هي أهداف هذا المعهد الدراسي؟
فرانكنبيرغ: هذا المشروع موجَّه قبل كلِّ شيء إلى الشباب من العالم العربي، ممن يعملون في المهن القانونية أو السياسية. وسيتم إعداد السياسيين الشباب خاصة في مجال البحث المتعلق "بالقانون ونظام الحكم" للمشاريع القانونية الصعبة التي ستواجههم في المستقبل القريب، مثل التشريعات وسنّ القوانين في الدول العربية.
وفي قسم "التقاليد القانونية العربية والإسلامية" يتعلق الأمر بمدى التمكّن من تحديث التقاليد القانونية الإسلامية غير المعاصرة، وبعبارة أخرى إن كانت ثمة إمكانية لتطوير هذه التقاليد القانونية.
وعلى العموم سوف تكون الظروف مناسبة جدًا لطلاب الدكتوراه والأكاديميين والباحثين الشباب، وذلك لأنَّهم لن يضطروا إلى تغطية تكاليف السفر والإقامة والرسوم الدراسية.
هناك موضوع يشغل في الوقت الراهن بال الناس كثيرًا في دول التحوّل في العالم العربي - موضوع صياغة الدستور الذي يعدّ ضروريًا لضمان حقوقهم ومشاركتهم السياسية. وقبل فترة غير بعيدة شهدت مصر موجة احتجاجات بسبب مسودة الدستور الجديد. فهل تعتقد أنَّ مثل هذا المعهد الدولي الخاص بالدراسات القانونية في الدوحة يمكن أن يفيد في تقديم الخبرات في هذا الموضوع أيضًا؟
فرانكنبيرغ: نعم وبكلِّ تأكيد. وفي هذا الصدد يثير اهتمامي بشكل خاص السؤال عما إذا كان هناك فكر دستوري عربي مميَّز - فيما يتعلق بالنماذج الدستورية وبالعلاقة بين الدولة والدين وكذلك بأشكال الديمقراطية، يختلف عن الفكر الدستوري الغربي المنحاز للحقوق الفردية، وإن كان يجب على الخبراء الغربيين التحرّر من هذا الفكر الدستوري العربي. وبالإضافة إلى ذلك إلى أي حدّ يمكن أن يؤثِّر هذا الفكر الدستوري العربي في عمليات التحوّل في العالم العربي.
وحتى الآن رأينا نماذج مختلفة. وأقول بكلِّ حذر على الأرجح أنَّ النموذج الأكثر فاعلية هو النموذج التونسي، وذلك لأنَّ المواطنين استطاعوا هناك ومن خلال الاحتجاجات العامة فرض انتخابات الجمعية التأسيسية التي تعمل حاليًا على صياغة الدستور التونسي الجديد. ويبدو أنَّ الإجراءات المتعثِّرة كثيرًا في مصر نظرًا إلى تشكيل اللجنة الدستورية وهذه العملية باتت تأتي حاليًا بنتائج عكسية، وذلك لأنَّه لا يمكن الحديث حاليًا عن وجود تسوية.
وإذا قُدِّر لهذا المشروع في الدوحة أن يرى النور، فسوف يتم هناك في المستقبل، مثلما نتصوّر، تأهيل القضاة وممثِّلي المجتمع المدني والسياسيين، وإعدادهم للمشاركة في عملية صياغة الدستور التي تعدّ عملية غير بسيطة قطّ.
بذلت قطر في الأعوام الأخيرة جهودًا كبيرة من أجل تحسين علاقاتها الدولية ومكانتها كقوة إقليمية. فهل ترى أنَّ هناك علاقة بين هذه الجهود القطرية وتكليفكم بالعمل على وجه الخصوص في تأسيس مثل هذا المعهد الحديث الخاص بالدراسات القانونية؟
فرانكنبيرغ: قطر حريصة بالتأكيد على لعب دور قيادي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، كما أنَّها تريد - ليس فقط في المجال السياسي - التميّز باعتبارها دولة حديثة. وما من شكّ في أنَّها تأمل من رغبتها هذه في التحديث على مستوى التعليم الحصول على امتيازات، سواء فيما يتعلق بنفوذها ومكانتها أو حتى بسمعتها الدولية.
وأنا لا أعلم إن كانت هناك أسباب أخرى. ولكنني أعلم أنَّ الشيخة موزة على وجه الخصوص كانت من بين الأشخاص الذين تبنوا فكرة هذا المشروع. وهي امرأة متعلمة جدًا وتبدو أنَّها مهتمة في نقل قطر إلى خارطة العالم الخاصة بأهم المعاهد الأكاديمية ووضعها على مستوى واحد مع مؤسَّسات تعليمية مثل جامعة هارفارد وجامعة برنستون وأكاديمية العلوم في برلين أو معهد الدراسات السياسية في باريس.
لم يحظَ هذا المشروع حتى الآن بمباركة القيادة القطرية. متى تتوقَّع الحصول على "الضوء الأخضر"؟
فرانكنبيرغ: في الواقع نحن في الفريق ننتظر حاليًا على أحرّ من الجمر، وذلك لأنَّ هذا المشروع ما يزال معلقًا. وعلى ما يبدو فإنَّ بعض الأشخاص هناك يتوجَّسون قليلاً من هذا المشروع المقترح، وذلك لأنَّه مشروع كبير جدًا وتكاليفه مرتفعة للغاية أو بسبب صعوبة تنظيمه.
لقد اقترحنا تصميم مشروع طموح نسبيًا، ولكنه في الواقع يتضمَّن بدائل فيما يتعلق بالحجم. وإذا تم تنفيذ هذا المشروع في وضعه الراهن، فعندها سوف تبلغ تكاليف عمله الحالية نحو 50 مليون يورو في السنة - وقطر قادرة في الواقع على تحمّل هذه التكاليف.
وفي البداية كان من المفترض أن يبدأ العمل في هذا المعهد في شهر أيلول/سبتمبر 2013 - ولكنني لا أستطيع الآن تصوّر هذا الجدول الزمني. ولكن مع ذلك لا ينبغي أن يتم تجميد هذا المشروع. وأعتقد أنَّه سيتم اتِّخاذه القرار على الأرجح حتى موعد أقصاه في شهر آذار/مارس 2013: فإمَّا سوف يتم تقديم هذا المشروع للجمهور - سواء كان مُعَدلاً أو مثلما هو - أو سوف يتم دفنه طي النسيان.
أجرت الحوار: لاورا أوفرماير
ترجمة: رائد الباش
تحرير: علي المخلافي
حقوق النشر: قنطرة 2013