معالجة الفساد والعنف
"ملك الأشياء" رواية أدبية مصرية طويلة للأطفال والمراهقين، كتبت في الأصل باللغة العربية ولكنها صدرت أولا باللغة الألمانية في سويسرا. كشف المؤلف طارق عبد الباري في روايته عن الفساد والمحسوبية التي يعاني منها المجتمع المصري بطريقة مزج فيها الواقع بالأسطورة. تحاورت نيللي يوسف مع الكاتب.
كيف تعالج الرواية العنف والفساد في المجتمع المصري؟ ومتى بدأت كتابتها وكيف جاءت فكرتها ؟
طارق عبد الباري: بدأت كتابة الرواية قبل معرض فرانكفورت للكتاب عام 2004 ببضعة أشهر حيث التقيت بالناشرة السويسرية المعروفة هيلينا شير بالقاهرة في إحدى ورش العمل حول الكتابة للأطفال بمعهد غوته وأعجبت بفكرة الرواية التي تدور أحداثها في مدرسة داخلية بمصر و بطلها "كريم " البالغ من العمر 12 عاما والذي يسافر والديه للعمل بالخارج ويلتحق بالمدرسة الداخلية، وهو طفل شديد الرقة والحساسية يعزف على آلة الهارمونيكا ويتمتع بقدرات خاصة تجعله يتحدث مع الأشياء الجامدة من حوله مثل الكراسي والأسقف والمباني.
ويواجه في المدرسة العنف الطلابي والمحسوبية والوساطة من بعض التلاميذ والمدرسين إلا أنه يتغلب على ذلك بالتسامح والعفو والحوار المثمر، وتتصاعد الأحداث في عالم واقعي وأسطوري في نفس الوقت.
فلقد تفشى العنف والإهمال والفساد في كل نواحي حياتنا اليومية، فلا يمر يوميا إلا ونشاهد العنف بمختلف صوره في الشارع المصري وعلى شاشات التلفاز، فالعنف إذا كان منتشر بالعالم كله إلا أنه يعد ظاهرة في المجتمع المصري حيث اختفت قيم الرقة والذوق والتسامح وخاصة بين الأطفال والمراهقين.
لذلك فإن الرواية تعبر عن الواقع الحالي في مصر حيث تفشى العنف واختفى التسامح وأصبحت الوساطة والمحسوبية هما أساس العلاقات في المجتمع المصري بصورة خاصة والعربي بشكل عام.
وتعد الرواية أول رواية أدبية مصرية طويلة للأطفال ولهذا فهي تمثل حدثا هاما حيث لا يوجد في مصر رواية أدبية طويلة للأطفال وربما في العالم العربي كله باستثناء بعض الروايات في لبنان.
جاءت لي فكرة الرواية من والدتي حيث كانت تهتم ونحن صغار بالأشياء الجامدة في منزلنا مثل الكراسي والتحف الصغيرة التي تزين البيت وستائر النوافذ وتتعامل معها وكأنها أشياء حية تتحدث معها وتنقلها برفق وتطلق عليها أسماء.
وعرضت الرواية لأول مرة في معرض فرانكفورت للكتاب عام 2004 عندما كان العالم العربي هو ضيف الشرف حينها حيث نشرتها دار النشر السويسرية "باوباب "واحدة من أهم دور نشر أدب الأطفال العالمي بسويسرا و ذلك بعد أن وافقت على ترجمتها إلى اللغة الألمانية دوريس كيلياس أستاذة علوم الاستشراق بألمانيا والتي اشتهرت بترجماتها لأعمال نجيب محفوظ وجمال الغيطاني إلى اللغة الألمانية.
وترجمت الرواية بدعم من المؤسسة الثقافية بروهيلفيتسيا وهيئة دعم أدب الأطفال والشباب بأفريقيا وآسيا وأستراليا وأمريكا اللاتينية بألمانيا، واهتمت بها الصحف والمجلات والجهات المعنية بأدب وميديا الأطفال والشباب في ألمانيا والنمسا وسويسرا، كما رشحتها عدة مؤسسات دينية للمشاريع المدرسية بالمدارس هناك مثل الكنيسة الرومانية الكاثوليكية بسويسرا لأنها أكدت أن الرواية تحث على التسامح والعفو وحل المشاكل بأسلوب آخر غير العنف.
لماذا نشرتها بالألمانية أولا قبل لغتك الأم وهي اللغة العربي ؟
عبد الباري: أنا أعتبر نفسي مصري ألماني الثقافة بحكم احتكاكي الدائم بالثقافة الألمانية والشعوب الناطقة بلغتها، ولقد كتبت الرواية في البداية بالطبع باللغة العربية ولكني لم أتلقى أي عروض لنشرها من أي دور نشر عربية والعرض جاء من دار النشر السويسرية " باوباب" وتحمست لها للغاية هيلينا شير وهي فنانة تلتقط الأدباء والكتاب ولها خبرة طويلة في هذا المجال.
كما أن دار نشر "باوباب" تمتلك لجان تقييم محترمة ومحترفة تدقق جيدا في اختيار الأعمال وتوضح هذه اللجان أسباب قبولها أو رفضها لأي عمل أدبي على عكس دور النشر في دولنا العربية.
لماذا نشرتها باللغة العربية على نفقتك الخاصة دون إعطائها لأي دور نشر مصرية؟
عبد الباري: لقد قمت بنشرها على نفقتي الخاصة حيث أن عالم النشر في مصر بالنسبة للمؤلف هو عالم غامض أشبه بالصندوق المغلق برغم وجود دور نشر كبيرة وعملاقة، إلا أن المؤلف في مصر لا يستطيع التحاور مع الناشر الذي يأخذ الكتاب لأجل غير مسمى ويقوم بنشره طبقا لإرادته الكاملة ودون توضيح أي أسباب.
كما أن معظم الناشرين المصريين لا يتخذون كتاب الطفل مأخذ الجد حيث أنهم بالأساس لا يتخذون الطفل مأخذ الجد ومن هنا تخرج معظم كتب الأطفال بصورة سيئة من حيث الشكل والطباعة، وهذا شيء مؤلم بالنسبة لي أن يعامل الطفل بهذه الصورة في الوطن العربي.
وهذا ينطبق أيضا على تعامل مختلف وسائل الإعلام العربية مع الطفل حيث أن هناك أغلال تتمثل في ما يسمى بلجان تقييم الأعمال الأدبية أو التليفزيونية لأنها تتكون من مجموعة من التربويين والمصححين اللغويين الذين ليس لهم علاقة بالأدب أو الدراما من قريب أو من بعيد، ويريدون كتب وأعمال الأطفال تكون مليئة بالخيال الهدام والتعليمات التربوية المستفزة بعيدا عن وصف الواقع وعلاقاته الاجتماعية الحقيقية حيث يرون أن ذلك يضر الطفل لرغبتهم في تقديم مثالية زائفة وعقيمة.
فأدب وبرامج الأطفال في مصر والعالم العربي يعاني من عدة مشكلات مثل الاستخفاف والاستهزاء بما ينتج ويقدم للطفل، تزييف صورة المجتمع والعالم أمام الطفل حيث نقدم له الواقع بصورة خيالية وهمية أو مثالية ونصر دائما على أن نظهر للأطفال العالم والمجتمع كما ينبغي أن يكونا من وجهة نظرنا ونحبسهم في أكليشيهات نمطية مثالية لا ننفذها نحن شخصيا في أغلب الأحيان في حياتنا.
هناك أيضا التخمة التربوية التي توجد في أي عمل مقدم للطفل في العالم العربي حيث العظات والنصائح بشكل مباشر وصريح مما يجعل الأعمال ثقيلة، وعدم المصداقية التي تجعلنا نقدم أبطال كتب أو أفلام الأطفال على أنهم أشخاص مثالية لا تخطيء.
كما أن نظام الناشرين في مصر غريب للغاية حيث أنهم لا يدفعون للكاتب مقابلا ماديا وأحيانا يدفع الكاتب مقابل نشر كتابه جزء من التكلفة المادية وذلك لعدم وجود شركات أو وكالات تسويقية محترفة للكتاب بعد طبعه مثلما يحدث في أوروبا حيث يوجد تعاون بين دور النشر والوكالات الأدبية وشركات إنتاج الأفلام المرئية والمسموعة.
هل تعد روايتك سياسية أيضا مثلما قال بعض النقاد الأوروبيين؟
عبد الباري: أعتقد أنها ليست سياسية بالمعنى الدقيق للسياسة هنا في بلاد الشرق حيث أن مفهوم السياسة هنا يختلف عن مفهومها في دول الغرب، فالسياسة في الشرق تعنى نقد الحكومة.
أما الغرب عندما استقبلوا هذه الرواية وجدوا فيها أبعادا سياسية حيث أنها توضح للأطفال معاني بعض المفاهيم المجردة مثل الفساد والمحسوبية وسطوة القوة والنفوذ المتواجدة في المجتمع بصورة مجسمة ومجسدة، وهذه معاني موجودة في كل مجتمع ولكنها أصبحت ظواهر متأصلة في المجتمع المصري والعربي.
وخاصة أن هذه الرواية تخاطب الأطفال في شكلها إلا أنها كعمل أدبي متكامل تسمح لكل فئة عمرية أن تجد بعدا لها يمسها سواء على المستوى السياسي أو الاجتماعي أو مستوى الاستمتاع بالمزج بين الواقع والأسطورة في الرواية.
لماذا قمت بمزج الواقع بالأسطورة في الرواية ؟
عبد الباري: الخيال والأسطورة من أحب الأشياء التي تجذب القارئ مهما كان عمره وخاصة الخيال المحفز وليس المعوق لأن المعوق يقدم حلولا لكل المشكلات بالخيال ولكني استخدمت النوع المحفز في الرواية ليعطى المتعة في القراءة، وفي نفس الوقت يساعد على الانطلاق من أزمة الرواية من أجل حلها على أرض الواقع حيث أنها حلت على أرض الواقع بإرادة الناس وإمكانياتهم.
وقدرة البطل "كريم " على التسامح برغم كل ما تعرض له، فالبطل من أول الرواية كان يتبع أسلوبا جميلا في التصدي للعنف والظلم يطرح فلسفة هامة وهو أن تكون قويا و قادرا على تفادي الضربات.
ما الرسالة التي تتمنى أن تصل للقارئ الألماني والعربي من وراء هذه الرواية؟
عبد الباري: أتمنى أن يقرأها الأطفال والشباب في العالم العربي ويتناقشوا في مضمونها على المستوى السياسي والاجتماعي والأسطوري، فإذا ما تعلم أطفالنا وشبابنا أن يفسروا الظواهر ويقومون بتحليلها فأعتقد أنني قدمت لهم شيئا هاما وخاصة أن الأطفال والشباب في بلادنا يتربون ويتعلمون على التلقين والحفظ دون بحث أو نقاش.
أما القارئ الألماني فأتمنى أن يكون وصل إليه أننا في بلاد يكتب فيها الناس عن أنفسهم بصدق وواقعية يكشفون فيها عن عيوبهم ويحاولون معالجتها وأن لدينا شعوبا تكافح وتحزن وتفرح وتعانى وتنتصر وتحلم بغد أفضل تحاول تحقيقه من خلال الصورة الحقيقية والواقعية التي قدمتها في إطار أدب الأطفال.
درس طارق عبد الباري علوم وآداب اللغة الألمانية والإنجليزية والعربية في القاهرة ومونستر فيستفالين في ألمانيا وحصل على درجة الدكتوراه من كلية الألسن بجامعة عين شمس حيث يعمل اليوم أستاذاً مساعداً بقسم اللغة الألمانية.
أجرت الحوار: نيللي يوسف
حقوق الطبع قنطرة 2006
قنطرة
حكايات وأساطير من دول الجنوب
باوباب أسم أكبر شجرة في إفريقيا يجتمع الناس في ظلها ويحكون الحكايات ولكنه اسم سلسلة كتب أيضا تصدر فيها الترجمة الألمانية لأدب الأطفال والشباب من دول الجنوب. حوار مع هيلينة شير المسؤولة عن السلسلة
التبادل الأدبي الألماني - العربي
يعتبر الأدب دوما أحد الوسائل الرئيسية في حوار الحضارات، وغالبا ما يتمثل هذا في شكل أنشطة صغيرة تعمل في الخفاء، المترجم والناشر مثلا اللذان يعيشان على حافة الكفاف، ويقتاتان من العمل في التعريف بالثقافة الغريبة المحبوبة. ونقدم هنا مبادرات ألمانية وعربية.