المزاوجة بين الموسيقى الشرقية والالكترونية

يجرِّب عازفو العود المعاصرون بآلتهم الموسيقية هذه أساليب عزف حديثة جدًا. ومع ثقتهم بصوت آلتهم الهادئ، لكنَّهم لا يخشون كذلك من استخدام أساليب عزف صاخبة ومضخِّمات صوت إلكترونية. كيرستن كنيبّ يطلعنا على المشهد الموسيقي العربي الحديث لآلة العود.

​​صحيح أنَّ الموسيقيين يستخدمون بطبيعة الحال نغمات في عملهم؛ ولكنهم لا يكتفون بذلك فقط. ففي بعض الأحيان يراهنون أيضًا على السكون، خاصة عندما يعزفون على آلة موسيقية هادئة وذات نغمات معتدلة. والعود واحد من هذه الآلات الموسيقية، وهو آلة موسيقية وترية عربية ذات زند قصير؛ وعندما يكون صوته هادئًا يخرج أصواتا تكاد تكون هامسة، يمكن بصورة خاصة سماع رنينها الإيحائي. وهناك ثلاثة موسيقيين يتقنون هذا العزف بين أداء دينامي وأداء مكبوح وبشكل ساحر خلاّب، هم الأخوة سمير ووسام وعدنان جبران.

وأصدر هذا الثلاثي الموسيقي ألبومًا جديدًا اسمه "مجاز"، يعزف فيه جميع الموسيقيين على العود ويراهنون فيه على عزف سريع ونغمات ذات سرعة جنونية. ولكن توجد في معزوفاتهم نغمات وخطوط هادئة، يزداد إيقاعها سرعة بالتدريج، ولكنه كذلك يفسح المجال أحيانًا لحوارات مكبوحة". وعلى الرغم من أنَّ الشرق يبقى مسموعًا في معزوفاتهم، إلاَّ أنَّه يبدو مجرَّدًا في رنين ضئيل.

العود والفادو البرتغالي

وكذلك يبدأ عازف العود الماهر، ربيع أبو خليل معزوفاته بعزف هادئ. وفي ألبومه الأخير تعاون مع مطرب الفادو البرتغالي ريكاردو ريبيرو- آلة موسيقية حزينة وتقاليد غنائيه حزينة- تجمعا في الوقت نفسه الكثير من الحزن. لذلك أخضعه ربيع أبو خليل وريكاردو ريبيرو لضغوطات في الأداء، إذ تجنَّب ريبيرو نوبات الفادو الحزينة جدًا، كما ضيَّق عليه أبو خليل بآلته الموسيقية ورافقه بأسلوب عزف حيوي وخشن أحيانًا.

​​وهذا الميل إلى هذا الأسلوب يعود إلى اتجاه ربيع أبو خليل الموسيقي؛ يقول هذا الفنان اللبناني واصفًا نفسه إنَّه ليس سفيرًا موسيقيًا لبلده، بل مجرَّد موسيقي إذا كان المرء يريد التعرّف على آلته الموسيقية. وهو لا يؤكِّد على هذا الوضع من دون سبب؛ فعادة ما يتم ربط العود وكذلك آلات موسيقية قليلة أخرى مع محيط ثقافي معيَّن، وعلى وجه التحديد مع العالم العربي. وأبو خليل لا يريد بأية حال ترك الآخرين يحدِّدون هويته الموسيقية ضمن إطار الشرق. فهو يبحث دائمًا وأبدًا بصفته موسيقي جاز عن إمكانيات تعبير جديدة.

شعر من محمود درويش

ولكن عازفو العود لم يقاطعوا الشرق جميعهم بهذا الشكل الحازم مثل رباح أبو خليل. فعلى سبيل المثال كثيرًا ما استخدم ابن بلده مارسيل خليفة التقاليد الموسيقية في العالم العربي استخدامًا غير مقيَّد. وكان ينجم عن ذلك أحيانًا ألوان موسيقية مشكوك في أمرها، فيما وصفه مرَّة قبل عدَّة أعوام أستاذ الأدب المقارن والمفكِّر الفلسطيني الأمريكي إدوارد سعيد بصفة "الاستشراق"، أي استخدام جميع الكليشيهات التي يمكن أن ترتبط بالعالم العربي. ولكن الآن أصدر مارسيل خليفة ألبومًا اسمه "تقاسيم" يستخدم فيه أسلوبًا جديدًا برمَّته.

​​وفي هذا الألبوم يستخدم مارسيل خليفة آلته الموسيقية ليغنِّي أشعارًا للشاعر الفلسطيني محمود درويش في أداء غالبًا ما يتجاوز نبرات صوت الشاعر المظلمة ويبتعد كذلك عن كلِّ السمات المحلية. ويرافق مارسيل خليفة في هذا الأداء العازف بيتر هربرت Peter Herbert على الكونترباص وابن مارسيل خليفة الذي يعزف على آلات إيقاعية مختلفة. وقد نشأ عن ذلك ألبوم رائع بديع وخفيف وظريف، مفعم بالألحان والنغمات الجميلة غير المسبوقة في حلاوتها.

ويبدو أنَّ هذه الاتجاهات الموسيقية الخفيفة والمرحة تصعد بسهولة من العود ولا تدع نغمات الكونترباص- أكبر آلات عائلة الكمان ويعزف عليها وقوفاً- القوية تطغى عليها إلاَّ في بعض الأحيان. وهذا الألبوم حديث في ألحانه ونغماته ولا يمكن اعتباره عملاً من موسيقى الجاز الصرفة ولكن لا يمكن تصنيفه كذلك من ألوان الموسيقى العربية.

جاذبية الموسيقى الإلكترونية

ويعزف مزيجًا رائعًا من ألوان موسيقية مختلفة عازف العود التونسي ظافر يوسف الذي يؤدِّي مقطوعاته بشكل منتظم مع عازفة القيثارة الفيتنامية الفرنسية المختصة بموسيقى الجاز، نغوين لي Nguyên Lê أو مع آخرين من كبار هذا اللون الموسيقي مثل عازف الإيقاع مينو سينيلو Mino Cinelu أو عازف الترومبيت ماركوس شتوكهاوزن Markus Stockhausen أو عازف الباص ريناود غارسيا فونس Renaud Garcia-Fons. ويخلق الدرامز والباص إيقاعًا حيويًا، ثم يغطيه تركيب صوتي ينشر فيه ضافر يوسف صوت عزفه الذي كثيرًا ما يكون مضخَّمًا إلكترونيًا.

​​وأداء ظافر يوسف الموسيقي يقترب من إيقاعات موسيقى الجاز، ذلك من خلال استخدامه لكلِّ إمكانيات التقنية الإلكترونية الحديثة من الصدى وحتى معدِّلات الصوت - أسلوب جمالي يستمد جاذبيته من كلِّ تلك التجارب التي أجراها موسيقيو الروك في القرن الماضي.

لقد أثبت مؤخرًا الموسيقي الجزائري الفرنسي مهدي حداب قدرته على العزف على العود بأداء فريد وأكثر شدَّة. ويقول مهدي حداب إنَّه كثيرًا ما وقف يعزف مع موسيقيين غربيين على المسرح، وأثناء ذلك كان يواجه مرارًا وتكرارًا مشكلة عدم تمكِّن المستمعين من سماع صوت آلته الموسيقية. لذلك صمَّم عودًا إلكترونيًا مزوَّدًا بلاقط صوت إلكتروني ومضخِّم صوت خاص. ومنذ ذلك لم يعد صوت آلة أخرى يطغي على صوت عوده، كما أنَّ مهدي حداب يستخدم الإمكانيات الجديدة بكلِّ ما يستطيع.

وأسلوبه في العزف يتجه تمامًا نحو موسيقى الروك الحديثة وحتى نحو الهاردكور. وفي موسيقاه هناك بعض العبارات المتكررة وأداء فردي على غرار ما يعرف في العادة لدى عازفي القيثارات في فرق الروك الصاخبة، ومسارات عزف سريعة ونغمات معدّلة، بالإضافة إلى استخدام درامز إلكتروني والعزف على الباص بطبقات منخفضة - ينجم عن كلِّ هذا لون موسيقي يكاد كذلك يتعذَّر تصنيفه.

وقلَّما يلجأ عازفو العود الحديثون إلى عزف النغمات الساكنة؛ لذا فهم لا يعزفون على آلتهم بأداء أقلّ سحرًا وجاذبية. وفي أجمل اللحظات يبقى عزفهم على العود مغريًا وخلاَّبًا من خلال نغماته الرائعة الهادئة التي تكاد تصل حدّ الغناء.

كيرستن كنيبّ
ترجمة: رائد الباش
قنطرة 2008

ألبومات العازفين:
ربيع أبو خليل، "Em portugues"، انتاج Enja Records.
الثلاثي جبران، "مجاز". Harmonia Mundi.
مارسيل خليفة، "تقاسيم"، إنتاج Nagam Records.
ظافر يوسف، "نبوءة رقمية"، انتاج Enja Records.
مهدي حداب، "Kalashnik Love"، إنتاج New Bled.

قنطرة

الطرب" في مهرجان العود بمسقط
الشرق يحتضن الغرب موسيقيا
احتضنت مسقط في أواخر العام 2005 مهرجانا لعازفي العود استمر لثلاثة أيام و تميز بما أقامه من جسور بين الفن الموسيقي العربي والنظام الموسيقي الغربي. تم توثيق هذا المهرجان العربي الشامل للعزف الوتري في ألبوم من أربعة أقراص مدمجة. تقرير كتبه شتيفان فرانتسين.

سمادج فنان عالمي من أصل عربي:
جسر موسيقي بين الشرق والغرب
ينسج الفنان التونسي جان بيار سمادج الأواصر بين موطنه الأول باريس وموطنه الجديد اسطنبول، متنقلا لفترة قصيرة الى اليمن. يعتبر سمادج اليوم أحد أنشط فناني الموسيقى العالمية المنحدرين من أصل عربي. ستيفان فرانتسن تحدث مع الفنان حول آخر مشاريعه

الموسيقار الفلسطيني عادل سلامة:
الحوار هو روح الفن!
عادل سلامة ملحن وعازف عود فلسطيني يقيم في أوروبا منذ عام 1990، أصدرعددا من الأعمال الموسيقية. ينتمي سلامة إلى الموسيقيين العرب الذين يتخذون من أوروبا مكانا لإيصال موسيقاهم إلى المتلقي العربي وغيره.عادل سلامة أيضا داعية فعال للسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين. صالح دياب أجرى معه الحوار التالي.