سباق محموم وصراع ضار على المناصب

أفرزت النتائج الأولية للانتخابات العراقية منافسة قوية بين قائمتي المالكي وعلاوي وسط اتهامات متبادلة بالتزوير ومطالبات بإعادة فرز الأصوات. والسؤال الحاسم من سيتولى منصب رئيس الوزراء والمناصب السيادية الهامة الأخرى. ناجح العبيدي يسلط الضوء على معالم خارطة التحالفات المحتملة للمشهد السياسي العراقي.

​​الترقب هو سيد الموقف في العراق هذه الأيام، فالجميع سواء كانوا سياسيين أو مواطنين عاديين، يترقب المفوضية العليا للانتخابات وهي تعلن تباعاً النتائج الجزئية لفرز الأصوات. فعلى مدى الأيام القليلة الماضية تناوبت قائمة ائتلاف دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء الحالي نوري المالكي والقائمة العراقية لرئيس الوزراء الأسبق إياد علاوي على تصدر نتائج الانتخابات في منافسة لم يشهدها العراق في تاريخه. وبالتزامن مع ذلك تبادل الطرفان الأدوار في كيل الاتهامات بالتزوير وفي المطالبة بإعادة فرز الأصوات في إشارة واضحة الى أن الصراع على المناصب والنفوذ سيتخذ أشكالاً حادة.

<b >نتائج متقاربة</b>

لم تكن النتائج الأولية بعيدة عن التوقعات، فقد تقدم المالكي النتائج الأولية لعدة أيام قبل أن يتمكن علاوي من اللحاق به. والآن وبعد فرز أكثر من 90 في المائة من الأصوات تشير النتائج إلى تقدم القائمة العراقية لعلاوي على قائمة نوري المالكي، ولكن بفارق ضئيل للغاية. وبما أن الناخبين لا يصوتون لقائمة معينة فحسب وإنما يختارون أيضاً نائبهم المفضل، فإن النتائج تعتبر أيضاً مقياسا لشعبية المرشحين. وبموجب النتائج في العاصمة بغداد فقد حصل المالكي على أكثر من نصف مليون صوت، أي بما يزيد بمائتي ألف صوت على منافسه علاوي. وبطبيعة الحال 
يرى أنصار المالكي في ذلك تجسيداً لإرادة الناخب ورغبته في ولاية ثانية لرئيس الورزاء الحالي.

وهناك أيضاً عامل آخر قد يساعد المالكي في صراعه على منصب رئيس الحكومة. فهو يحتل المرتبة الأولى دون منازع في قائمته، بخلاف قوائم أخري حيث توجد عدة شخصيات قيادية لها طموحات مختلفة قد تتقاطع مع بعضها البعض. بيد أن الدستور ينص على تكليف رئيس الكتلة الأكبر في البرلمان بتشكيل الحكومة. وتشير التقديرات المتاحة الى حصول كل من قائمتي المالكي وعلاوي على نحو 90 مقعداً من مقاعد البرلمان البالغة 325 مقعداً. وبما أن توزيع المقاعد لا يعتمد على النتيجة الاجمالية للتصويت فقط وإنما أيضا على نتائج الاقتراع في المحافظات، فإن من المحتمل أن تحقق احدى القائمتين الرئيسيتين تقدماً بسيطاً بمقعد أو مقعدين.

أما الائتلاف الوطني العراقي ذو الطابع الشيعي فيأتي في المرتبة الثالثة وبعدد من المقاعد يقارب 67، فيما يتوقع فوز التحالف الكردستاني بزعامة الطالباني والبارزاني بثمانية وثلاثين مقعداً. وفي حين يخصص 15 مقعدا للأقليات، ستتوزع بقية المقاعد على الكتل الصغيرة مثل جبهة التوافق الوطني ذات الطابع السني وائتلاف وحدة العراق وحزبين كرديين صغيرين. وبغض النظر عن التغييرات المحتملة في توزيع المقاعد إلا أنه من المؤكد أن تشكيل الحكومة المقبلة سيخضع بالدرجة الأولى لمفاوضات الأربعة الكبار.

<b >سيناريوهات متعددة</b>

مع نشر النتائج الأولية بدأ ممثلو مختلف الكتل محادثاتهم التمهيدية والتي تهدف لجس النبض فيما يتعلق بتشكيل الحكومة المقبلة. اللافت أن الجميع حريص على إبقاء كافة الأبواب مفتوحة وعدم استبعاد أي حليف محتمل. ومن الناحية النظرية فإن هناك خيارات متعددة للائتلاف. فمن الممكن أن يتصالح المالكي مع حلفائه السابقين في الائتلاف الوطني العراقي ليشكلوا بالتعاون مع الأكراد حكومة أغلبية. وفي هذا الحالة سيكتفي علاوي بدور زعيم المعارضة.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة: هل سيوافق قادة الائتلاف الشيعي ومن بينهم الصدريون على إبقاء المالكي في كرسي رئاسة الورزاء بعد أن تنكر لهم وضرب ميليشياتهم وتجرأ على دخول الانتخابات بقائمة خاصة به؟ من الجانب ألاخر يمكن نظرياً لعلاوي اللجوء إلى هذا الخيار والتحالف مع الائتلاف الشيعي والأكراد، وبما يكفل دفع المالكي الى صفوف المعارضة. ولكن ذلك سيتطلب تجاوز التناقض بين علاوي العلماني والإسلاميين. وفي كلا الحالتين يمكن للتحالف الكردستاني أن يلعب من جديد دور بيضة القبان لترجيح كفة هذا الطرف أو ذلك. 
وربما يفسر ذلك حرص أغلبية السياسيين على زيارة كردستان هذه الأيام. ولعل أبلغ تعبير عن ذلك ظهر في رسم كاريكاتيري بعنوان "موسم الهجرة الى الشمال" والذي استعار فيه الرسام عنوان رواية الطيب صالح الشهيرة.

أما اتفاق علاوي والمالكي على تشكيل الحكومة لوحدهما دون الآخرين فيبدو على الأقل مستبعداً حالياً  بسبب الخلافات بين الطرفين، ناهيك عن أن ذلك سيعني تخلي أحدهما عن منصب رئيس الوزراء. بيد أن التناوب بينهما كل سنتنين يمكن أن يقدم حلاً لذلك.

<b >حكومة وحدة وطنية : سلاح ذو حدين</b>

أدلى مؤخراً سياسيون كثيرون بتصريحات تدعو الى ما يسمى بحكومة الوحدة الوطنية، ما يعني إشراك جميع الكتل بحسب حجمها في ائتلاف حكومي عريض، وبما يضمن للجميع الحصول على قطعة من الكعكة العراقية. وأهم حجة يسوقها مؤيدو هذا الخيار هو أن اقصاء أي طرف قد يؤدي الى تأجيج جديد للصراعات الطائفية التي عانى منها العراقيون الأمرين في السنوات الأخيرة. مثل هذه الطروحات يؤكد عليها بشكل خاص ممثلو القائمة العراقية بزعامة علاوي وكذلك الكتل الصغيرة والتي تعكس أيضاً المخاوف من الحرمان من المناصب والامتيازات الحكومية. 
لكن البعض ينظر بتحفظ الى صيغة الديمقراطية التوافقية. فهي برأيهم، وكما بينت التجربة العراقية نفسها، تكرس المحاصصة الطائفية وتعيق تشكيل حكومة فاعلة وقادرة على اتخاذ القرار، مشيرين في نفس الوقت الى أن الديمقراطية الحقة تتطلب وجود معارضة قوية أيضاً تتمكن من مراقبة عمل الحكومة دون أن يعني ذلك الاقصاء أو احتكار السلطة والثروة.

وكان المالكي قد انتقد مراراً مبدأ التوافق ودعا الى حكومة أغلبية يتمتع فيها رئيس الوزراء بصلاحياته الدستورية. ومن المؤكد أن النقاش حول مزايا وعيوب كل من الديمقراطية التوافقية وحكومة الأغلبية سيشغل الأوساط السياسية في العراق خلال الأسابيع القليلة.

<b >مخاطر الفراغ السياسي</b>

مما لاشك فيه، إن البطء في عملية فرز الأصوات سيؤدي الى تأجيل الاعلان عن النتائج الرسمية النهائية. من جهة أخرى تعتزم عدة جهات تقديم طعون بهذه النتائج والتي لن يتم البت فيها بسرعة. وكل ذلك يرجح أن تشكيل الحكومة القادمة سيستغرق بعض الوقت في ظل التوقعات بأن المباحثات الائتلافية ستكون شاقة ومطولة، خاصة وأن السياسيين العراقيين عرفوا مؤخرا بميلهم لقرارات اللحظة الأخيرة.

ويأتي ذلك في وقت أعلن فيه الجانب الأمريكي عزمه تقليص عديد قواته من مائة ألف جندي حالياً إلى النصف تقريباً خلال نصف عام. من جانب آخر هناك تحديات كثيرة في الجانب الأمني والسياسي والاقتصادي لا تتحمل التأجيل كثيراً والتي لا يمكن لحكومة تصريف الأعمال حلها بشكل مرض. ولذا سيواجه السياسيون العراقيون في الأيام والأسابيع القادمة ضغوطاً داخلية وأخرى خارجية قد تدفعهم للتوصل الى حلول وسط.

وبغض النظر عن اسم الشخص الذي سيتولى منصب رئيس الوزراء في العراق، فإن مجرد خوض هذه المنافسة القوية التي تميزت بها عملية التصويت يعد مكسباً في منطقة يكون فيها عادة الفائز بـ"الانتخابات" معروفا سلفاً وأحياناً بنسبة 99.9 في المائة. وهذا بحد ذاته يدعو للتفاؤل شريطة أن يتصرف الساسة العراقيون بمسؤولية مع ثقة الناخبين.


<span lang=ar><i >ناجح العبيدي
حقوق النشر: قنطرة 2010</i></span>

<div class="webcombox link"><b>قنطرة</b>

نتائج انتخابات مجالس المحافظات في العراق:
<a href="/ar/node/1519" target="">صفعة للأحزاب الدينية وضربة لدعاة الفدرالية</a>  

أحرز رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي نصراً بيناً في انتخابات مجالس المحافظات. وبانتخابهم قائمة "ائتلاف دولة القانون" يكون العراقيون قد قدموا الدعم لنهج المالكي العملي الداعي إلى المصالحة، رافضين في الوقت ذاته الأحزاب الدينية 
وفق تعليق لؤي المدهون.

الخارطة الحزبية في العراق الجديد
<a href="/ar/node/1518" target="">دولة دينية أم دولة القانون العلمانية؟</a>

قبل إجراء الانتخابات البرلمانية القادمة في العراق أخذت الخارطة الحزبية تغير معالمها بشكل كبير. فبينما سادت الائتلافات الطائفية والعرقية والدينية في انتخابات 2005 السابقة، تجتاح العراق اليوم موجة من الوطنية والعلمانية في ظل التفجيرات الدموية. بيرجيت سفينسون تسلط الضوء من بغداد على هذه التغيرات.

حوار مع الخبير الألماني في شؤون الشرق الأوسط فولكر بيرتيس:
<a href="/ar/node/1527" target="">"الاتفاق أو الانزلاق نحو حرب أهلية في العراق"</a>

وضعت إدارة الرئيس أوباما جدولا زمنيا للانسحاب من العراق حتى عام 2011. فهل أصبح العراق مؤهلا سياسياً وأمنياً للاعتماد على نفسه؟ الخبير الألماني في شؤون الشرق الأوسط، فولكر بيرتيس، في حوار مع جونتر بيركنشتوك حول قراءته لمستقبل بلاد الرافدين.

</div>