الخوف من الإسلام – مطية الشعبويين في هولندا

يثير السياسي اليميني غيرت فليدرز المخاوف في هولندا بسبب عزمه تصوير فيلم مسيء للقرآن. الكاتب الهولندي غيرت ماك يرى في حوار مع دانيال باكس أن ذلك قد لا يتسبب في موجة غضب في العالم الإسلامي كتلك التي أثارتها الرسوم الكاريكاتورية.

​​ السيد ماك ، شغل اليميني الشعبوي غيرت فليدرز هولندا بأكملها منذ عدة أسابيع بعد أن أعلن عن عزمه على نشر فيلمٍ عن القرآن ناقد للإسلام. ما رأيك بما يجري؟

غيرت ماك: أعتقد أنه لا وجود لهذا الفيلم حتى الآن، إلا أن النقاش الدائر سمَّم الأجواء وخلق هالةً من الخوف وشعورًا بأن ثمة خطرًا محدقًا آت من الجانب الإسلامي. وبهذا يكون فليدرز قد حقق هدفه بتعميم شعورٍ بالخوف (فوبيا) من الغرباء.

حذر رئيس الوزراء الهولندي يان بيتر بالكينيندي من نشوب أزمة على غرار أزمة الرسوم الكاريكاتورية، هل هو محقّ في ذلك؟

رد الفعل هذا كان سيئًا للغاية. وكان علي بالكين ندة أن يبين أنه ممسك بزمام الأمور. إن نجاح غيرت فليدرز ينم عن ضعف في ماك: الرؤية ووهن في القيادة السياسة الهولندية.

من هو غيرت فليدرز؟

ماك: إنه شخص غريب الأطوار ولا يشبه الشعبويين اليمينيين المعهودين، بل يستلهم أفكاره من المحافظين الأمريكيين الجدد. ويمثل الإسلام شغله الشاغل، بينما يحمل تعصبّه المناهض للدين ملامح دينية. عندما أفكر به تتبادر إلى ذهني صورة رجل يقف فوق مبنى شاهق، وجمعٌ غفيرٌ يدعوه صارخًا لكي يلقي بنفسه من علٍّ. لقد زج نفسه في موقفٍ حرجٍ من خلال فيلمه المزعوم عن القرآن وغدا مُلزَمًا بأن يقدم شيئًا الآن.

السياسيون الذين يهاجمون الإسلام، من أمثال غيرت فليدرز أو ريتا فيردونك يحققون نجاحًا في هولندا. لماذا؟

ماك: نعم، بهذا يمكنهم أن يحشدوا خلفهم قرابة عشرين في المائة من الناخبين المؤيدين لهم. غدا لدينا الآن كما في بلجيكا وفرنسا والنمسا وألمانيا تجمُّعٌ يميني متطرِّفٌ ولا مفر أمامنا سوى الاعتياد على مثل هذا الأمر. الكثير من الناس في المدن الكبيرة كأمستردام وروتردام ولاهاي يشعرون بأن السياسة خذلتهم. ونحن ندفع الآن ثمن اعتقادنا على امتداد فترة طويلة أن الأمور ستؤول إلى الأفضل بشكل أو بآخر. السؤال الذي يطرح نفسه اليوم: كيف لنا أن نتعامل مع هذا الوضع.

هل لك أن تعطينا فكرة عن طريقة التعامل هذه؟

ماك: عدت للتشاؤم في الوقت الراهن. يتعلق نجاح غيرت فليدرز بشكل كبير بطبيعة وسائل الإعلام عندنا، حيث تعاني كل الصحف من أزمةٍ عميقةٍ حاليًا، فلدينا أربع صحف توزَع مجانًا اليوم وتقرأ على نحو واسع. هذا الأمر يدفع الصحف لتلقف كل ما يمكن أن يجذب الانتباه، وفليدرز مناسبٌ لأنه يزود الإعلام بمقولات مستفزة كل أسبوعين. هذا الخليط خطير للغاية.

هل يمتلك غيرت فليدرز الأهلية لأن يكون "بيم فورتون" جديد، السياسي اليميني الذي اغتيل في مايو/ أيار 2002 في مدينة هيلفرسوم الهولندية؟

ماك: كلا، بالرغم من رغبة فليدرز في كذلك، لكنه بعيد كل البعد عن هذه المكانة. كان "بيم فورتون" اشتراكيًا ديمقراطيًا محبطًا في واقع الأمر. أما فليدرز فهو مجرد تاجر نموذجي يتاجر بالمخاوف، هو شخص يُعبِّر عن مخاوف أقلية ما.

تحكم هولندا حكومة ائتلاف عريض منذ عام. حكومة ائتلاف اليمين السابقة كانت تتبع سياسة قاسية تجاه الأجانب. ما الذي تغيّر الآن؟

ماك: لا تزال قوانيننا صارمة جدًا، بيد أن سياسة وزيرة الاندماج، ريتا فيردونك، كانت ببساطة غير إنسانية، حيث عملت سياستها على فصل عائلات كثيرة عن بعضها بعضا، كما رُحِّلَ الكثيرون إلى بلادٍ يتهددهم فيها خطرٌ على حياتهم. وقد أدينت هولندا في عهد هذه الوزيرة مرتين أو ثلاث من قبل المحكمة الأوروبية لحقوق الانسان، وهذا ما لم يحدث قط من قبل!

انهارت الحكومة السابقة بسبب ريتا فيردونك، التي أسست الآن حزبًا يمينيًا تحت قيادتها. كيف تغيّر المناخ السياسي منذ ذلك الحين؟

ماك: على الأقل لم يعد يسود الآن ذاك الذعر المعنوي الذي حلّ بعد اغتيال كل من بيم فورتون في عام 2002 وثيو فان كوخ في عام 2004. نشر أشخاصٌ من أمثال ليون دو فينتر آنذاك انطباعًا بأن المجتمع برمته آخذٌ في الانهيار وأن مئات الآلاف من المسلمين يترصّدون لاغتيال كل مفكرينا. وصوّروا هولندا وكأنها إسرائيل ثانية محاطة بالأعداء من كل الجهات.

ما هي المكانة التي تحتلها السياسية الهولندية الصومالية الأصل أيان هيرسي علي في هذا الجدل؟

ماك: ساهمت أيان هيرسي علي في خلق حالة من الهستيريا من خلال ما ساقته من دوافع بهذا الخصوص، حيث حمَّلت الإسلام مسؤولية كل شيء. للدين دورٌ بطبيعة الحال، بيد أن الاندماج بدوره شأن سياسي، ويتطلب المشاركة الاقتصادية والتعليم. وقد احتدم الجدل اليوم من جديد، حيث يتم تناول هذه المسائل بشكل أكبر. ومجمل القضية كانت بالمناسبة جدلاً لاهوتيًا بين المثقفين والمفكرين، فالهولنديون مولعون بنقاشات من هذا القبيل، لكن في آخر المطاف تكون العودة إلى الحلول العملية.

تعيش أيان هيرسي علي اليوم في الولايات المتحدة وتعمل على إقامة مركز لابتكار الأفكار المحافظة الجديدة. لقد اندلع نقاش قبل فترة وجيزة، فيما إذا كان على هولندا أن تستمر بتحمُّل أعباء حمايتها. كيف تنظر لهذا الأمر؟

ماك: كانت الحكومة الهولندية محقة في ذلك من الناحية الشكلية، حيث لا يمكنها تحمُّل أعباء حمايتها في الخارج. بيد أن هذا الموقف كان غبيًا جدًا بالرغم من ذلك، لأن أيان هيرسي علي مهددة بالفعل. أختلف معها في كثير من النقاط، لكن مهم جدًا أن تكون قادرة على التعبير عن رأيها بحرية ومن دون أن تتعرض لأي أذى. ونحن نتحمل جزءًا من هذه المسؤولية في ذلك. لذا شاركت بمبادرة الكتّاب التي تسعى لممارسة الضغط على الحكومة الهولندية كي تجد حلاًً عاجلاً لهذه القضية. فالحالة الراهنة خطيرة للغاية.

طالب بعض المفكرين الفرنسيين من أمثال ليفي وغلوكسمان بمنح أيان هيرسي علي صفة مواطنة الشرف في فرنسا. هل ترى خيرًا في ذلك؟

ماك: ينظر بعضهم إلى هذا الأمر على أنه فعل رومانسي وبطولي، لكن ليس من شأنه أن يغيّر شيئًا من الناحية العملية. فهي تريد أن تبقى في الولايات المتحدة، وكثيرون لم يقرأوا ما تكتبه بعين ناقدة قط، لا سيما أن ما تفعله الآن لا يمت بطبيعة الحال بأي صلة إلى تحرر المرأة المسلمة.

ما فحوى عملها إذن؟

ماك: يتعلق عملها بتحرر أيان هيرسي علي. من هم أولئك الذين يبلغهم خطابها؟ يقتصر جمهورها على البيض الغربيين وغير المسلمين. يوجد في الوقت الحالي مجموعة كبيرة من النساء المتحررات ذات الخلفية المسلمة ويمتلكن المقدرة على التأثير. أما أيان هيرسي علي فلا تلهم سوى أولئك الذين يريدون محاربة الإسلام. على أية حال، لم التقِ شخصيًا بأي امرأة مسلمة حتى الآن، تقول، إن أيان هيرسي علي قد عملت على تنويرها.

أين يكمن السبب؟

ماك: إذا أراد المرء أن ينجح بدعم تحرر المرأة المسلمة بعض الشيء فعليه التحدث إلى وسائط الإعلام التركية والعربية والاشتراك بالمؤتمرات أو القيام بندوات في المساجد وليس الظهور على صفحات مجلة "فوغ" أو تناول الطعام مع جورج بوش. ما تفعله أيان هيرسي علي يذكرني بقصة "هانس كريستيان أندرسن" الخيالية، "ملابس الإمبراطور الجديدة". وهذا مؤسف حقًا، فهي شخصية ذكية ومؤثرة للغاية. من شأن أيان هيرسي علي أن تحقق الكثير لو توقفت عن إدانة المسلمين وحاولت إقناعهم عوضًا عن ذلك. لا زلت شخصيًا آمل بذلك على أي حال.

كيف تفسر نجاحها في الغرب؟

هي تختزل الإسلام بصورة مشوهّة. تتكلم وفي مخيلتها الإسلام الصومالي عن الإسلام في باكستان وأندونيسيا وماليزيا وتركيا أو المغرب وهذه عجرفة محضة. وهي تتقول بأشياء لا تمت إلى الحقيقة بصلة، كقولها إنه لا توجد فنون في الإسلام، وإنه دين بدائي. يا له من هراء! ألم تسمع بقصر الحمراء وقرطبة؟ المشكلة أن هناك الكثيرين ممن يودون سماع شيءٍ كهذا.

دانيال باكس
ترجمة: يوسف حجازي
حقوق الطبع: قنطرة 2008

"غيرت ماك" (61 عاماً) مؤرخ وإعلامي، يعيش في مدينة أمستردام. كتب كتابًا بعد اغتيال "ثيو فان كوخ" انتقد فيه السياسة ووسائط الإعلام في بلده بشدة. نُشِرَ الكتاب بالألمانية تحت عنوان "اغتيال ثيو فان كوخ، قصة ذعر أخلاقي" (Der Mord an Theo van Gogh. Geschichte einer moralischen Panik) عن دار زوركامب للنشر (2005). آخر كتبه "جسر اسطنبول"، يتناول فيه جسر "غالاتا" الذي يقع في شبه جزيرة القرن الذهبي القريبة من اسطنبول، عن دار بانثيون (2007).

قنطرة

علمنة المسلمين في‮ ‬هولندا:
الأكثرية العظمى مع الفصل بين الدين والسياسة
مسلمون من شمال إفريقيا يشكل المسلمون ثالث كبرى الطوائف الدينية في‮ ‬هولندا‮. ‬وحسب تقرير نشر حديثًا لا تشارك منهم إلاّ‮ ‬قلة قليلة جدًا في‮ ‬نشاطات دينية سياسية معارضة للحقوق الديموقراطية والحريات‮. ‬والأكثرية تسعى إلى الفصل بين الدين والسياسة.

مقابلة مع خالد شوكات، مدير مهرجان الفيلم العربي في مدينة روتردام:
اغتيال فان غوخ كارثة حقيقية للمسلمين في هولندا
لو تم توفير فرص للشباب العربي المسلم للذهاب إلى السينما وإلى الثقافة والفن وإلى التسامح والحوار لما ذهب إلى أماكن أخرى يمكن أن يتخرج منها قاتلا: حوار مع خالد شوكات مدير مهرجان الفيلم العربي ونائب في بلدية روتردام.

الهولنديون والمغاربة:
الكثير من الحرية والقليل من التاريخ
ما هي أوجه الشبه والاختلاف بين الكاتب الشاب الهولندي المغربي المولد عبد القادر بن علي ومحمد بوياري، قاتل المخرج فان غوخ؟ يتحدث بن علي عن تجربته وتجربة عائلته في المهجر وعن الجهل المتبادل الذي تتسم به العلاقة بين الهولنديين والمسلمين.