خلفيات "حرب الثلاثة وثلاثين يوما" في لبنان

"حرب تموز" أو "حرب الثلاثة وثلاثين يوما" أو "الحرب اللبنانية الثانية"، أسماء عديدة للحرب التي شنتها إسرائيل على لبنان في صيف 2006. صدر مؤخرا كتاب حول هذه الحرب باللغات الإنجليزية والفرنسية والألمانية للمؤلفين جيلبير أشقر وميشائيل فارشفسكي. بقلم بيآته هينرشس

لم تكن الحرب اللبنانية الإسرائيلية التي اندلعت في يوليو/أغسطس (تموز/آب) 2006 محض حرب بين هذين البلدين بل كانت كذلك حرب وكلاء. فقد قررت الولايات المتحدة المساس بعدوها اللدود إيران. لهذا فقد أوعزت لحليفها الإسرائيلي بشن هجوم على مليشيات حزب الله في لبنان التي تلقى دعما من قبل إيران. لهذا الغرض أيضا قامت الولايات المتحدة بتسخير الأمم المتحدة لصالح أهدافها.

هذه هي صلب النظريات التي يطرحها جيلبير أشقر وميشائيل فارشفسكي في كتابهما. لقد أجرى عالم السياسة اللبناني أشقر والناشط الإسرائيلي في حركة السلام فارشفسكي أبحاثا مشتركة حول أسباب وتداعيات تلك الحرب التي بدأت في الثاني عشر من يوليو/تموز وانتهت في الرابع عشر من أغسطس/آب 2006 أي أنها استغرقت 33 يوما. لقد قاما بذلك سوية رغم أنهما ينتميان لبلدين يحكم العداء العلاقة بينهما.

تخطيط مسبق

هذه الحرب لم تأت اعتباطا بل كان مخططا لها. لم يقدم الأدلة على ذلك فقط الصحفي الأمريكي سيمور هيرش المشهور بقدرته على كشف النقاب عن خفايا الوقائع والأحداث بل اعترف بهذا الأمر في تلك الأثناء كذلك عدد من السياسيين الإسرائيليين.

فقد شاءت الولايات المتحدة بعد انسحاب سوريا من لبنان في ربيع عام 2005 تجريد حزب الله من أسلحته، وهو ما نص عليه أيضا قرار الأمم المتحدة رقم 1559. لكن نفوذ حزب الله ظل مع ذلك دون أي تراجع أو مساس.

الأدهى من ذلك بالنسبة لواشنطن أن الرئيس الإيراني أحمدي نجاد العدو اللدود للولايات المتحدة كان قد فاز بانتخابات الرئاسة الإيرانية في يوليو/تموز 2005 كما فازت حركة حماس الإسلامية المتطرفة في الانتخابات البرلمانية الفلسطينية التي جرت في يناير/كانون الثاني 2006. هذا يعني بأن الولايات المتحدة تعرضت لعدة موجات تراجع سياسي مما جعلها تسعى إلى تحسين قواعدها ولو على الأقل في لبنان.

عملية خطف جنود إسرائليين

بدأت الولايات المتحدة وإسرائيل تتصيدان الفرص المناسبة لشن هجوم على لبنان. وقد سنحت لهما هذه الفرصة عندما قامت مليشيات حزب الله باختطاف جنديين إسرائيليين في 12 يوليو/تموز 2006 بهدف تبادل أسرى لبنانيين محتجزين في سجون إسرائيل. كان حزب الله قد حقق في السابق أغراضه من خلال عمليات اختطاف شبيهة.

أما الآن فقد رفضت إسرائيل تبادل الرهائن وجعلت لبنان بكامله يصبح بمثابة رهينة من أجل إجبار حزب الله على الانصياع لإرادتها. كان ذلك تقديرا خاطئا ووخيم العواقب للقدرات المتوفرة لدى مليشيات حزب الله اللبنانية.

صدر عن الحكومة الإسرائيلية تقدير خاطىء آخر بل أكثر فداحة، فعلى عكس توقعات إسرائيل لم تهيمن على الشعب اللبناني أحاسيس السخط حيال حزب الله نتيجة للهجمة الإسرائيلية وتداعياتها ولم تتسبب الحرب لا في إضعاف حزب الله وتجريده من السلاح ولا في تحرير الجنديين الإسرائيليين المختطفين من قبضة حزب الله.

لم تكن القيادة الإسرائيلية مهيأة لوقوع هذه التطورات على وجه الإطلاق. يروي جيلبير أشقر وميشائيل فارشفسكي بأن "الصلف الاستعماري" و"الامتهان النابع من العنصرية تجاه العرب" من قبل القيادة الإسرائيلية جعلاها تتوهم بأنها أقوى من عدوها على الرغم من أنها لم تعرفه ولم تفهمه. هذا التقدير الخاطىء كثيرا ما اتسمت به كافة القوى الاستعمارية التي سمحت لجهازها العسكري بأن يجول ويصول حسب إرادته.

جاء في الكتاب: "في حقيقة الأمر لعب أركان الحرب الإسرائيلي في تلك الحرب دورا يفوق دور اللوبي، فقد شكل بصورة أو أخرى ما يعادل الحكومة الموازية في هذا السياق".

حرب على حساب المواطنين الإسرائليين

هذا ولم تكن إسرائيل مستعدة بصورة جيدة لتلك الحرب حتى من الناحية العسكرية. فالجنود الإسرائيليون اعتادوا حتى الآن على سلوك خط "القمع أحادي الجانب" تجاه الفلسطينيين في المناطق المحتلة فيما تعين عليهم في حالة الحرب اللبنانية مواجهة مقاتلين يتسمون بتدريب عسكري جيد.

من هذه الأرضية كانت حالة قطاعي حماية السكان المدنيين ومؤسسات التموين الخاصة بالسكان في إسرائيل على درجة عالية من التردي. بمعنى أن إسرائيل شنت تلك الحرب لا ضد حزب الله فحسب بل على حساب مواطنيها أنفسهم أيضا.

لماذا لم يعمد المواطنون الإسرائيليون إلى الاحتجاج على نحو غفير شامل ضد تلك الحرب؟ سبب ذلك بناء على مقولة مؤلفي الكتاب أن المسؤولين أظهروا لهم تلك الوقائع بأنها "حرب من قبيل الدفاع عن النفس" تنضوي في إطار الحرب العالمية الدائرة ضد الإسلام المتطرف.

لقد دفعت الأمم المتحدة أيضا إلى الانخراط في تلك "المعركة العالمية". حيث أخمدت الولايات المتحدة في مجلس الأمن الدولي طيلة أسابيع ثلاثة كل نقاش دار بشأن إصدار قرار يلزم بوقف إطلاق النار، وبررت واشنطن ذلك بضرورة "إعطاء إسرائيل متسعا من الوقت". في هذا السياق يستنتج مؤلفا الكتاب بأن تلك الوقائع شكلت "إحدى أدق حالات الشلل التي عانت منها هذه المنظمة الدولية في العقود الستة التي مرت على تأسيسها".

من هنا جاء قرار مجلس الأمن رقم 1701 الصادر في الحادي عشر من أغسطس/آب 2006 والمطالب بوقف إطلاق النار متسما بالتحيز. فقد نص ذلك القرار على عدة بنود منها إرسال أعداد إضافية من القوات الدولية إلى المناطق المحتلة في لبنان. هنا يلاحظ الكاتبان بأن "القرار اعتمد بمجمله قراءة تعني كما لو كان لبنان هو الطرف المعتدي!".

في هذا المضمار يرى جيلبير أشقر وميشائيل فارشفسكي البعد الحقيقي لتلك الحرب فيلاحظان بأنه بعد عالمي يتخطى حدود منطقة الشرق الأوسط : "تم في تلك الحرب تسخير الأمم المتحدة من أجل إصباغ الشرعية على عمليات عسكرية قامت بها واشنطن وغيرها من أعضاء حلف شمال الأطلسي كما هو الحال بالنسبة لمجريات الأمور في أفغانستان ابتداء من ديسمبر/كانون الأول 2001."

لا يتضمن كتاب هذين المؤلفين اللبناني والإسرائيلي سردا مفصلا لمجريات الحرب اللبنانية بقدر ما أنه يقدم تحليلا شاملا وواضحا للهياكل السياسية نفسها. هذا الكتاب يحتل أهمية تتعدى إطار "حرب الثلاثة وثلاثين يوما" بالنظر لكون تلك الهياكل ما زالت قائمة حتى اليوم.

فبناء على رؤية الكاتبين جيلبير أشقر وميشائيل فارشفسكي بات لبنان بمثابة "فيتنام" جديدة بالنسبة لإسرائيل وإن لم تشأ الاعتراف بهذا الأمر. بالتالي فإنهما يحذران من بوادر توحي بعزم الولايات المتحدة وإسرائيل على التحضير لجولة حرب جديدة هناك.

بقلم بيآته هينريشس
ترجمة عارف حجاج
حقوق الطبع قنطرة 2007

قنطرة

المعارضة تنقل الصراع السياسي الى الشارع
أدى اغتيال وزير الصناعة اللبناني بيير الجميل الى اضطراب الوضع السياسي في لبنان, وخاصة بعد انسحاب الوزراء الشيعة من الحكومة لتعطيل الموافقة على قرار تشكيل محكمة دولية تحاكم المتهمين في قضية اغتيال الحريري. تعليق كتبه برنهارد هيلنكامب

حوارات في زمن الحرب
تُظهر الحوارات التي يخوضها مدوّنون لبنانيون وإسرائيلون في شبكة الإنترنت حول الحرب أن الإنترنت لا يعرف حدودًا. حوار فريد من نوعه ينشأ على الانترنت متخطيًا كل الحدود القائمة بين الطرفين. تقرير بقلم إنغمار كرايزل

أخطاء السيد نصر الله
انهار بعد اغتيال رفيق الحريري في شهر شباط/فبراير 2005 التحالف القديم الذي كان قائمًا بين جناحي الحريري ووليد جنبلاط وسوريا. وتكوَّنت تحالفات جديدة قسَّمت المجتمع اللبناني إلى معسكرين يكادا يكونان غير مستعدِّين للتصالح. حسام عيتاني الكاتب الصحفي في صحيفة "السفير" اللبنانية يتحدَّث عن التصعيدات الأخيرة