حاجة ملحة إلى علماء دين منفتحين

العالم الإسلامي بحاجة إلى تأويل عقلاني للاسلام لكي يقف في مواجهة التأويل المتزمت المسيطر اليوم، هذه إحدى المطالب التي يطرحها الكاتب السوري المقيم في باريس هاشم صالح في الحوار التالي.

لو سألناك عن الأصولية ماذا ستقولون؟

​​هاشم صالح: مصطلح الاصولية انتشر في العالم العربي كمرادف لمصطلح التزمت. فعندما نقول هذا الشخص اصولي فهذا يعني انه متزمت او متعصب في فهمه للدين. انه يفهم الدين كعسر لا كيسر على عكس ما ينصح به القرأن الكريم. والاصولية تعني ايضا التمسك الحرفي بالنصوص المقدسة وعدم تفسيرها بشكل مجازي. بمعنى انها تغلب الحرف على الجوهر او المقصد الاعمق للنص الديني.

فالاصولية البروتستانتية في اميركا مثلا تفهم الكتاب المقدس بشكل حرفي وترفض تأويله تأويلا مجازيا. وبالتالي فالاصولية تعني حرفيا العودة الى الاصول والتمسك بها تمسكا حرفيا جامدا. وينتج عن ذلك ايضا اقامة مطابقة بين الايمان الديني الحالي من جهة وبين الصيغة الثقافية او المؤسساتية التي تلبسها هذا الايمان في لحظة ما من لحظات الماضي البعيد من جهة اخرى.

هذا في حين ان الايمان يظل منفتحا وحرا ومتجددا على الدوام ولا ينبغي ان يجمد. فنحن في هذا العصر العلمي والفلسفي الحديث لا نستطيع ان نؤمن بكل ما كان يؤمن به القدماء من خرافات او معجزات مضادة لقوانين العلم الفيزيائي او الطبيعي. ونحن لا نستطيع ان نأخذ الكتب المقدسة ككتب في الفيزياء او الكيمياء او البيولوجيا او الرياضيات الخ..وانما هي كتب في الهداية الروحية والاخلاقية بالدرجة الاولى اما الاصولي فيعتقد بان كل العلم الحديث موجود فيها.

إلى أي مدى تشكل الأصولية معضلة تواجه العالم الإسلامي؟

صالح: الاصولية اصبحت معضلة محيرة ومعرقلة لتقدم الشعوب العربية والاسلامية لان افكارها مناقضة لنظريات العلم الحديث ولكنها مع ذلك تفرض نفسها كأفكار مقدسة ومعصومة لا تناقش. وبالتالي فالانسان المسلم يجد نفسه في حالة تمزق صعبة جدا. فهو اذا ما أخذ بنظريات الحداثة وضرب عرض الحائط بالافكار الاصولية شعر بعقدة الذنب لان هذه الافكار تفرض نفسها على المجتمع وكأنها مقدسة.

واذا ما تخلى عن افكار الحداثة وخضع للاصولية فانه يشعر بالانسلاخ عن العصر والتقدم العلمي والفلسفي والعقلاني. وبالتالي فهو في حيرة من امره وواقع في معضلة حقيقية لا يعرف كيف يخرج منها او يحلها. ولن تحل هذه المعضلة الا بعد ان يقدم المفكرون العرب تأويلا جديدا للرسالة القرآنية او الاسلامية: اي تأويلا متصالحا مع الحداثة لا متناقضا معها كما هو حاصل حاليا. بمعنى آخر يلزمنا تأويل ليبرالي او عقلاني للاسلام لكي يقف في مواجهة هذا التأويل الظلامي المتزمت الذي يسيطر علينا اليوم.

لماذا في نظركم يتم التركيز فقط على الأصولية الإسلامية فحين أن هذه الأخيرة مرتبطة بكل الأديان والعقائد؟ ألا يشكل الأمر مجرد انتقام للدين لذاته على حد تعبير جيل كبيل؟

صالح: كما سبق أن قلت إن الاصولية موجودة في جميع الاديان وليس فقط في الاسلام. ولكن المسيحيين الاوروبيين واليهود ايضا استطاعوا نقد عقائدهم القديمة بعد ان طبقوا عليها المناهج العلمية والتاريخية وهذا ما لم يحصل في الاسلام حتى الان ولكنه سيحصل لاحقا حتما.

وبالتالي فالمسألة مسألة وقت ليس الا. اما فيما يخص تعبير كيبل انتقام الدين لذاته فيعني ان الدين عاد بقوة الى الساحة بعد ان كنا اعتقدنا اننا تجاوزناه كليا في عصر سيطرة الايديولوجيات الليبرالية والماركسية والقومية الخ..

يُتهم الأصوليون برفض الحداثة مع العلم أنهم يستعملون وسائلها وتقنياتها أفضل وأكثر من الحداثيين أنفسهم، ألا يشكل هذا تناقضا في سلوكاتهم؟

صالح: الاصوليون لا يأخذون من العلم الحديث الا تطبيقاته التكنولوجية واجهزته وآلاته ويرفضون الفلسفة العامة التي تقف خلفه او التي ادت اليه. ولذلك فان بعض الباحثين يتهمهم بانفصام الشخصية.

يعتبر عالم اللاهوت الألماني هانز كونغ (Hans Küng) أن الحوار بين المذاهب المسيحية أو ما يعرف بالحركة المسكونية هو الذي حقق السلام داخل المسيحية. هل يشكل هذا شرطا للحوار من جهة بين المذاهب الإسلامية و بين الأديان الكبرى من جهة ثانية؟ وهل هذا كافي في نظركم للقضاء على الأصولية؟

صالح: : انا احترم جدا هانز كونغ بصفته عالما لاهوتيا كبيرا داخل المسيحية. فهو يبلور لاهوتا يليق بالقرن الواحد والعشرين اي لاهوتا تحرريا يتناسب مع التقدم العلمي والفلسفي الذي حققته البشرية. وبالتالي فهو قد تجاوز لاهوت العصور الوسطى لانه لم يعد صالحا لعصرنا ويا ليت ان عندنا في العالم الاسلامي علماء دين منفتحين على النظريات العلمية والفلسفية مثله.

بالطبع فان الحركة المسكونية ادت الى نتائج ايجابية رائعة داخل المسيحية الاوروبية وينبغي ان يحصل نفس الشئ في الجهة الاسلامية لان الصراع السني الشيعي يكاد يدمر المنطقة ويشعل الحروب الاهلية في كل مكان.

هناك نزعة واضحة في الكتاب مفادها أن الفكر الغربي وصل إلى درجة الحداثة وما بعدها لأن تقدم العلم في الغرب صاحبه تقدم في الفكر الديني. هل على الفكر العربي/الإسلامي أن يسلم بهذه النظرية ويفقد الأمل؟

صالح: : لا، لاينبغي ان نفقد الامل. ولكن ينبغي ان نسير على درب التنوير الديني كما فعلت الامم المتقدمة والا فلن نخرج من المأزق الذي وقعنا فيه. ودائما المتأخر يأخذ عن المتقدم ولا عيب في ذلك هذا قانون سوسيولوجي منذ ابن خلدون.

مارأيكم في قول هابرماس الذي يعتبر أن تصحيح مسار العولمة هو الكفيل بالقضاء على الإرهاب؟

صالح: لا اعتقد ان هابرماس يختزل مشكلة الاصولية الاسلامية في البعد الاقتصادي فقط. فهو يدعو ايضا الى تنوير العالم الاسلامي. ولكنه يركز على مسؤولية العولمة الجائرة وهذا شرف له كمفكر غربي لانه يعني اعترافه بمسؤولية الغرب عن الوضع المتفجر الذي وصلنا اليه. وبالتالي فالاصولية ظاهرة معقدة ولها عوامل داخلية وخارجية في ان معا ولا ينبغي ان نركز على احداها دون الاخرى.

أجرى الحوار محمد مسعاد
حقوق الطبع قنطرة 2007

"معضلة الأصولية الإسلامية"، هاشم صالح، دار الطليعة بيروت 2006

قنطرة

الإسلام السياسي
ما هي التطورات التي تشهدها الحركات الإسلامية؟ ما هو الموقف الذي تتبناه من استخدام العنف؟ كيف تتعامل أوربا والمانيا بالذات مع هذا التيار؟ صحفيون وباحثون يتناولون في مقالاتهم وتقاريرهم ظاهرة الإسلام السياسي من جوانب مختلفة

حول حركة التطرف في الإسلام
ليس من السهل أن نجد جوابًا على سؤال مفاده، هل يمكن إرجاع اعتداءات إرهابية إسلامية متطرفة - كذلك - إلى الدين الإسلامي وعلاقته بالعنف. يرد في القرآن والسنة تأييد للعنف ضد معتنقي الديانات الأخرى. بيد أن هذا وحده لا يكفي من أجل استيعاب هذه المعضلة التي نحن بصددها. بقلم تلمان ناغل

حوار مع خالد أبو الفضل
هل يمكننا اعتبار العمليات الانتحارية وسيلة حرب مشروعة لمواجهة الهيمنة الغربية؟ خالد أبو الفضل، أستاذ القانون الإسلامي في جامعة كاليفورنيا، يرى أن العمليات الانتحارية مخالفة لمفهوم الجهاد ويجب مقاومة الهيمنة الغربية بالعلم والتكنولوجيا