المغرب العربي . . عاشت ديمقراطيّة العسكر!

شكلت انتخابات آذار2007 في موريتانيا نموذجا ديمقراطيا نادرا استبشرت به الشعوب المغاربية خيرا؛ لكن سرعان ما تم اغتيال هذا الحلم الديمقراطي. هذا المشهد تتويج لتعسف الحكومات التسلّطيّة التي تُكرّس"ديمقراطيّة القوّة " بدلا من "قوة الديمقراطيّة". سليم بوخذير في قراءة تحليلية للواقع "الديمقراطي" في بلدان المغرب العربي.

لم يكن الانقلاب العسكري الذي شهدته موريتانيا صباح الأربعاء 6 أغسطس أمرا جديدا عليها، مثلما لم تكن عودة العسكر إلى مربّع الحُكم مُعطى غريبا على تاريخ البلد، بل وعلى تاريخ كلّ المنطقة المغاربية، فقط الذي لم يتوقّعه أحد هو أن يحدث الانقلاب في موريتانيا بعد كلّ هذه الفترة القصيرة من انطلاق ما وصفه البعض ب"الوثبة الديمقراطيّة" التي قطعها البلد .

لم تنعم شعوب المنطقة المغاربية منذ رحيل المستعمر الأجنبي عنها خلال مواعيد متقاربة من النصف الثاني من القرن الماضي بأيّ حُكم ديمقراطي في تاريخها يعكس إرادتها و ينطق باسمها ويُجسّم طموحاتها. شعوب البلدان الخمسة على بكرة أبيها حلُمت بالحكومة الوطنيّة الديمقراطيّة بعد خروج المستعمر، وكلّها من ليبيا إلى موريتانيا مرورا بتونس والجزائر والمغرب لم تمنحها أقدارها غير تعسف الحكومة التسلّطيّة التي تُكرّس"ديمقراطيّة القوّة " بديلا ل"قوة الديمقراطيّة"..

خوف من الديمقراطية لا عليها...

ولذلك كانت انتخابات آذار2007 في موريتانيا نموذجا نادرا استقبلته شعوب المنطقة بالتهليل. وارتبكت له حكوماتها خشية أن يأتي عليها يوم تنتقل فيه إليها "عدوى الديمقراطية". لقد سرق رجال العسكر حُلم الديمقراطيّة مُبكّرا من هذه الشعوب وحكمتهم كلّهم بعد الاستقلال قيادات سقطت عليهم من السماء فرضتها إرادة القوّة إلى درجة أنّ الناس بعد جلاء المحتلّ شرعوا يتساءلون : ما الفرق بين أن يحكمك المستعمر أو مستبدّ محلّي؟

في هذا السياق لم يكن غريبا أن يظهر في أدبيّات نُخب هذه الشعوب مصطلح "المطالبة بالاستقلال الثاني" (الاستقلال عن المستبدّ المحلّي)؛ هذا المصطلح الذي كان للمُفكّر التونسي د.المنصف المرزوقي قصب السبق في ابتداعه. رجال القوة ( العسكر) استأثروا ب"أدوار البطولة" في حُكمهم للبلدان الخمسة بأشكال مختلفة فمرّة يرتدى بعضهم رداء مدنيّا، وأخرى يتخفّون وراء "حاكم مدني".

نخب سلطوية..

في ليبيا ارتدى القذافي رداء "القائد المُلهم" ولكنّ ذلك لم يُغيّر من وجهه الحقيقي: عقيد في العسكر قفز إلى منصّة الحُكم بانقلاب ورفض المغادرة منذ زهاء 40 عاما، رغم ما يتوسّمه بعض الملاحظين من خير من تصريحات نجله سيف الإسلام الأخيرة عن الإصلاح و محاربة الفساد و التوزيع العادل للثروة.

و في تونس يحكم الجنرال بن علي منذ أكثر من عقديْن وهاهو يستعدّ لولاية خامسة مع أنّه وعد بإلغاء الرئاسة مدى الحياة منذ انقلابه في 7 – 11 – 1987، ومع أنّه ارتدى ثوبا مدنيّا ("منقذ البلاد") فلا شيء يُلغي أنّه لم يحكم البلد بغير جبروت البوليس وسياسة القبضة الأمنيّة مع تأجيل حُلم الديمقراطيّة إلى أجل غير معلوم .

وفي الجزائر لم يغبْ الجنرالات يوما عن ما وراء ستارات الحُكم وكانوا يتخفون وراء الحاكم المدني منذ عهد بومدين ، وتحت يافطة الخوف من البُعبع الدّيني قلبوا الطاولة على انتخابات التسعينيات وأخذوا البلاد مع المُتطرّفين الدينيّين إلى أُتون الحرب الأهليّة وويْلاتها، حيث وُري حُلم الديمقراطيّة الثرى مع أرواح الأبرياء وذلك على الرغم مما تبذله حكومة الرئيس بوتفليقة من مساع لنشر تعدّدية سياسيّة حقيقيّة في البلد في الفترة الماضية.

وفي المغرب حاكم مدنيّ يرث الحُكم عن أبيه الذي ورثه هو الآخر عن أبيه ، هو ليس رجل عسكر ولكن اسألوا المغاربة عن الجنرال أوفقير ومن المسؤول عن سنوات الجمر؟ على أنّ الذي يُحسب للمغرب بالذات من دون باقي دول المنطقة هو مشوار الإنصاف والمُصالحة الذي أذن به الملك محمد السادس لطيّ صفحات سنوات الجمر الأليمة والتعويض للضحايا .. ويُحسب له أيضا سماحه بانتخابات تشريعيّة نزيهة صعد فيها إلى الحكومة من اختارتهم صناديق الاقتراع .

اغتيال الديمقراطية

وأخيرا في موريتانيا 4 انقلابات عسكريّة تقاسمت تاريخ البلد وقسّمت الحُكم على 4 عسكريّين، وحين فتحت الديمقراطية عينها بعد غفوة عقود، خرج العسكر من قُمقمه ليُعيد إلى أعلى الربوة راياته. جنرالات تركب على رؤوس الشعوب وتقول لهم هلّلوا لديمقراطية العسكر. هذه كلّ حكاية الناس مع السياسة في المغرب العربي .

​ وحين أدخل العقيد علي ولد محمد فال مُعادلة جديدة على لوحة حسابات اللعبة الانقلابية في المنطقة مُهديا الحُكم للشعب بدل الاستئثار به كما فعل من سبقوه، سرعان ما استعاد غُلاة المؤسّسة العسكريّة عرينهم وقذفوا من الشُبّاك الديمقراطية التي أرادت طردهم من الباب صباح الرابع من أغسطس.

في هذا السياق رأى عدد من المراقبين أنّ سيدي ولد الشيخ عبد الله قدّم بنفسه على طبق من ذهب الفرصة للجنرالات ليخوضوا الانقلاب حين "استفزهم" بإصدار مرسومه الشهير صباح الانقلاب القاضي بعزل الجنرال ولد عبد العزيز ونائبه، و لكن ألا يحقّ لنا أن نسأل أصحاب هذا الرأي: ومنذ متى غاب هؤلاء عن سُدّة الحُكم ؟ ألم يُقمْ سيدي ولد الشيخ عبد الله اتفاقات منذ البداية بأن يكونوا أعضاده في الحُكم؟

ألا يكون بذلك هذا الذي انتخبه الموريتانيّون قد أهدى كيان الديمقراطيّة الوليد منذ البداية إلى الجنرالات مثلما يقول البعض، ثمّ حين أراد استعادة المقود عجز .. وحين ينتخب الموريتانيّون حاكما مدنيّا يرضى أن يتخفّى منذ البداية وراءه جنرالات لهم مصالحهم فقط ، ألا يكون حُلم الديمقراطيّة الذي عاش على إيقاعه الموريتانيّون حُلما زائفا إلى حدّ مُعيّن؟

يعود رجال العسكر إلى الحُكم في موريتانيا .. هكذا ردّد البعض، ولكن منذ متى غادروه أصلا حتّى يجوز القول إنّهم عادوا .. دقّقوا النظر جيّدا في الصورة الموريتانيّة زمن سيدي ولد الشيخ عبد الله، ستجدونهم بوضوح هناك في الزوايا الخلفيّة .. بل وركّزوا جيّدا في المشهد المغاربي كلّه، ستجدونهم دائما هناك.. فوق رؤوس الجميع! عاشت ديمقراطيّة العسكر ...

سليم بوخذير
قنطرة 2008

سليم بوخذير كاتب وصحفي تونسي

قنطرة

الأحكام العرفية في مصر:
وداعا للحريات ...مرحبا بالاستبداد!
وعد الرئيس المصري محمد حسني مبارك في أثناء الحملة الانتخابية الرئاسية برفع الأحكام العرفية واستبدالها بقوانين لمحاربة الإرهاب. لكن بدلاً من ذلك وللمرة الثانية منذ وعده تم تمديد فترة العمل بالأحكام العرفية. يورغين شتيرياك من القاهرة في قراءة لأبعاد تمديد الأحكام العرفية في مصر ودلالاتها.

حوار مع سعد الدين إبراهيم:
لقد اهتز عرش الاستبداد
يتحدث سعد الدين إبراهيم أحد المرشحين للرئاسة المصرية وأستاذ علم الاجتماع السياسي في الجامعة الأمريكية في القاهرة ورئيس مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية عن مدى مصداقية أوربا والولايات المتحدة في دعم الديموقراطية في العالم العربي، كما يرى تطورا ملحوظا في مجال الإصلاح في العالم العربي.

خريف بطاركة السلطة: إلى أين يتجه العالم العربي؟
علينا الإلتزام بالحذر في تفسير الواقع
مشاهد غير معهودة في الشرق الأوسط: مظاهرات سلمية في لبنان، إسلاميون وليبراليون يحتجون في مصر ضد نظام مبارك وانتخابات بلدية في السعودية، بلاغات صادرة عن مجموعات المقاومة الفلسطينية بشأن التخلي عن استخدام العنف ومفاوضات الأحزاب في العراق من أجل تشكيل ائتلاف حكومي. هل يمر العالم العربي بمرحلة تحول جذري؟ تحليل الباحث عمرو حمزاوي