مستقبل مليء بالتحديات

ظهر المشاركون في المظاهرة الصغيرة، أمام المحطة القديمة لسكة حديد الحجاز التاريخية وسط دمشق في حالة من الارتباك، إذ تجمع نحو 20 شخصًا على درج المبنى، الذي يبلغ عمره نحو 120 عامًا، مطالبين الحكام الجدد في سوريا بانتقال سريع إلى الديمقراطية ودولة سيادة القانون.
وكان من ضمن المتظاهرين نشطاء في مجال حقوق المرأة، من بينهم نور غيبة، 28 عامًا، عضوة الحركة السياسية النسوية السورية "مساواة"، التي قالت إنّ السوريين لديهم "فرص مذهلة"، وتضيف: "لقد كسرنا حلقة الاستبداد، ومع سقوط الأسد ينتظرنا مستقبل مليء بالفرص، لتطوير رؤية جديدة لسوريا". وتسعى حركة "مساواة" إلى زيادة الوعي بحقوق المرأة في سوريا لدى الحكام الجدد للبلاد.
أما الكاتبة السورية حسيبة عبد الرحمن، 69 عامًا، فإنها تتابع الأوضاع بالكثير من الحذر، وتتساءل عمّا ينتظر مستقبل سوريا، وتستطرد: "لم أرَ بصراحة حتى الآن تراجعًا واضحًا، ولكن لم أرَ أيضًا تقدمًا".
ولدى حسيبة خبرة طويلة مع النظام السابق، إذ سُجنت أربع مرات بسبب معارضتها لحكم نظام الأسد، ورغم ذلك لم تغادر الكاتبة المخضرمة سوريا أبدًا.

على مدى نصف قرن من الزمان، كانت مؤسسات المرأة الوحيدة المسموح بها في سوريا هي تلك التي تؤيد السياسات الاستبدادية لحافظ الأسد وبعده ابنه بشار، تتذكر حسيبة ذلك قائلة: "لم يكن بإمكان المنظمات المهتمة بشؤون المرأة اقتراح قوانين إلا بعد موافقة السلطات عليها، فقد كان وجود المرأة في مؤسسات الدولة شكليًا".
"دور تربوي" للمرأة
انتهت ديكتاتورية نظام الأسد، لكن رغم ذلك تشعر نور وحسيبة بأنّ حقوق المرأة لا تزال على أرض غير صلبة. ويشعر النشطاء والناشطات في مجال حقوق المرأة في سوريا بالقلق من أن يغلق الحكّام الجدد، التابعين لهيئة تحرير الشام، هذه الصفحة الجديدة بسرعة كما فتحوها.
فهل سيخدم أحمد الشرع، رئيس هيئة تحرير الشام السابق ورئيس المرحلة الانتقالية في سوريا، مصالح أتباعه الإسلاميين المحافظين؟ أم سيجعل سوريا للجميع؟

الحرية الغامضة
بين زيارة إلى أحد سراديب التعذيب لنظام الأسد ونقطة حراسة لمقاتلي المعارضة الإسلاميين، ولقاء مع رئيس أساقفة يتملكه القلق، ينقل كريم الجوهري من دمشق انطباعاته عن "سوريا الجديدة" في لحظة تاريخية فارقة.
تبدو التصريحات، التي أدلى بها أعضاء من الحكومة الجديدة حتى الآن، متناقضة لحد ما، فقد قالت عائشة الدبس، رئيسة مكتب شؤون المرأة في الحكومة الانتقالية في ديسمبر/كانون الأول الماضي، إنّ المرأة ستلعب دورًا رئيسيًا في المستقبل، مضيفة أنّ "ذلك لن يتجاوز دورها الذي وهبها الله لها". واستطردت في وصف نظرتها المحافظة للأسرة والمرأة؛ قائلةً إنّ المرأة "تدرك دورها التربوي في الأسرة"، فيما ردَّ أسعد الشيباني، وزير الخارجية السوري الجديد، لاحقًا على ذلك بأنه "يؤمن بدور المرأة الفاعل في المجتمع".
وتوقع الكثيرون في سوريا بأن يلقي اجتماع "الحوار الوطني" الأول المزيد من الضوء على القضية. وتجمع 600 شخص من جميع فئات المجتمع في قصر الرئاسة بالعاصمة بدمشق في 25 فبراير/شباط الماضي لمناقشة مستقبل البلاد. وأكد الشرع، في خطابه خلال الاجتماع، على أنه يرغب أيضًا في دعم دور المرأة في جميع المجالات.
لكن ظلّت مُخرجات الحوار الوطني غامضة، وفي الوثيقة الختامية، صاغ المشاركون توصيات للحكومة الانتقالية، وهي: تشكيل لجنة خبراء لوضع دستور انتقالي ومجلس تشريعي بأسرع وقت ممكن؛ ليقوم بدور البرلمان حتى إجراء الانتخابات المقرر إجرائها بعد أربع سنوات. ومع ذلك، فإن تلك التوصيات ليست ملزمة، كما أن عقد المؤتمر في يوم واحد فقط أظهر أن النظام لم يكن جادًا بشأن الحوار.
وأعربت نور بعد الحوار الوطني، عن خيبة أملها، قائلة إنّ "الحوار بالكاد تناول قضايا حقوق المرأة، فقد تضمنّ توصية غامضة بضرورة تمثيل المرأة في الهيئات الحكومية، ولكن لم يكن هناك أي نقاش حول قضايا محددة تخص المرأة". ولم تتجاوز نسبة النساء 15% فقط من المدعوين إلى الحوار الوطني.
"لا يؤمن كل السوريين بحقوق المرأة"
كانت حماسة نور بشأن تغيير الوضع قد هدأت بالفعل أثناء مظاهرة محطة قطار الحجاز أواخر شهر يناير/كانون الثاني. حينها قالت: "نحن نعلم أن نضالنا لا يزال في بدايته ويجب أن نخوضه ليس فقط مع الحكومة ذات التوجه الإسلامي، بل مع المجتمع نفسه أيضًا. الواقع هو أن ليس كل السوريين يؤمنون بحقوق المرأة".
وترى نور أن هناك قضايا عديدة تحتاج إلى إصلاح، مثل قوانين الميراث والزواج والطلاق والحضانة، بالإضافة إلى مشكلة عدم قدرة النساء السوريات على منح جنسيتهن لأطفالهن. ومع ذلك، تظلّ أكبر التحديات التي تواجه المرأة السورية هي الفقر وانعدام الأمن الغذائي، وهي قضايا تتقاطع فيها المصالح مع الحكام الجدد، حسبما تؤكد.

وأوضحت نور استراتيجيتها في التعامل مع الحكومة الجديدة، قائلة:"يجب علينا تسليط الضوء على المجالات التي توجد فيها توافقات مع الحكومة، نحن على استعداد للتعاون الكامل معهم في هذه المجالات".
أما الكاتبة حسيبة فهي أكثر تشككًا، وقالت إن "سوريا فقيرة ومدمرة وممزقة داخليًا، وفي مثل هذه البيئة تكون مؤسسات المرأة في وضع هش بشكل خاص". مضيفة أنّ النساء تحملنّ العبء الأكبر من الحرب الأهلية، ودفعن الثمن الأغلى، وهنّ بحاجة الآن إلى الدعم.
وأوضحت الكاتبة السورية أنه خلال الحرب الأهلية "فقدت العديد من النساء أزواجهنّ وأصبحن مسؤولات عن شؤون المنزل بمفردهنّ، ويربينّ الأطفال ويحمينّ منازلهنّ". ووفقًا لتقرير صادر عن معهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط عام 2017، فإنّ أكثر من 22% من جميع الأسر السورية تدير أمورها امرأة، في حين كانت هذه النسبة 4% فقط قبل الحرب.
وأضافت حسيبة: "في ظلّ هذا، يجب على هيئة تحرير الشام تكريم المرأة على مساهمتها، ومنحها حقوقها بدلاً من الانتقاص من مكانتها، ويجب على كل من يدعي أنه يناضل من أجل العدالة أن يعترف بتضحيات هؤلاء النساء".
استغلال النساء في حملات العلاقات العامة
بالنسبة للناشطات في مجال حقوق المرأة في سوريا، فإن السؤال الذي يطرح نفسه حاليًا؛ كم عدد الأشخاص الذين سيمثلون المرأة السورية في المؤسسات الانتقالية قبل إجراء الانتخابات؟. على سبيل المثال في المجلس التشريعي الذي لم يتم تشكيله بعد، وسيتولى إصدار القوانين حتى إجراء أول انتخابات برلمانية بعد سقوط الأسد.
وترى نور أن "هناك العديد من النساء الجادّات اللاتي يكافحن من أجل القضية السورية، ولهنّ كل الحق في المشاركة في مؤسسات الدولة، سواء في السلطة التشريعية أو التنفيذية".
ومع ذلك، تحذر حسيبة من أن مسألة التمثيل تحتاج أيضًا إلى مراجعة دقيقة، فالحكام الجدد قلقون للغاية بشأن الصورة العامة الخاصة بهم. "قد يضعون بعض النساء في مناصب رمزية، كمجرد واجهة"، مشيرة إلى أن استخدام النساء لأغراض العلاقات العامة هو تكتيك شائع.
قنطرة ©