ألحان المزامير تنتصر على عصا النظام
لماذا عنونت ديوانك الشعري الأخير بـ "المزامير"؟
سعيد: هناك حدّ فاصل في حياتي. إنه العام 1979، عام اندلاع الثورة الإسلامية في إيران. هذه الثورة التي قامت بأفظع الجرائم باسم الله. لكني سعيت للمحافظة على تديُّني بعيدًا عن هذه الجمهورية. وبُعيدَ الثورة اضطررت للعودة إلى ألمانيا، حيث أعدت ترتيب أفكاري المتعلقة بهذا الموضوع، وبحثت عن شكل مناسب أعبر من خلاله عما يختلج في نفسي، فوجدته في المزامير لأن فيها مخاطبة مباشرةً لله. اخترت هذا الشكل لأعبر من خلاله عن مشاعري وعن غضبي.
هل هناك شكل مشابه للمزامير في التقليد الإسلامي؟
سعيد: كلا. يعترف الإسلام بالمزامير بوصفها جزءًا من الإنجيل، لكن لا يوجد ما يشبهها في التقليد الإسلامي. جمعت المواد على مدى احد عشر عامًا وقرأت الإنجيل بترجمات مختلفة، ولم أكتف بترجمة مارتين لوثر بل قرأت ترجمات حديثة لـ "رومانو غوارديني" Romano Guardini أو "فالتر ينس" Walter Jens الذي لم يترجم المزامير للأسف. كنت معنيًا بأن تكون لغتي سليمة وقادرة على حمل مشاعري. وقد ازداد احترامي للأديان أثناء بحثي، لذا أريد الاحتفاظ بهذا الاحترام.
هل يبيح الإسلام للمؤمن أن يتشاجر مع الله؟
سعيد: الإسلام الصوفي يبيح ذلك، وقد عُرفت صلوات على هذا النحو. لكن التقاليد الإسلامية لا تبيح التشاجر مع الله، ولهذا السبب تجري مهاجمة الصوفيين بشدة في إيران اليوم. الصوفي كائن متحرر ويقول إن ما بينه وبين الخالق أمر لا يعني أحدا سواه. وكثير من الصوفيين كانوا شعراء فذّين. المسلم الصوفي يتشاجر مع ربه كما يفعل كاتب المزامير أو المسيحي المتنسك. يقول: لا أحتاج للملالي فالله فيَّ ولا حاجة لي بالمساجد. لكن الدولة في إيران تقول: أنا الله وعليك أن تكنَّ الطاعة لي. انتهى الأمر.
ما الذي تغير عبر الثورة عندك شخصيًا؟
سعيد: تغير مفهومي للدين دون أن أغير ديني، فأنا لا أذهب حتى يومنا هذا إلى المسجد أو الكنيسة أو الكنيس، فهي برأيي مبان ليس إلا. ما يعنيني هو ذلك الانخطاف الذي يشعر به الجميع بشكل أو بآخر. أنا أحترم الدين بالتأكيد، بيد أن هؤلاء الرجال في إيران قد شوهوه بسبب أفعالهم، وجريمتهم الكبرى أنهم أساؤوا لسمعة الإسلام. وقد بينت دراسات مستقلة أن المساجد الإيرانية هي أكثر المساجد خلوًّا من المصلين من بين كل الدول الإسلامية، فالناس تبتعد عن المساجد هناك.
انفض كثير من المثقفين عن الإسلام...
سعيد: أصبح الكثيرون مسيحيين أو بهائيين أو تهودوا أو أصبحوا من أتباع زردشت، وقد غدا كل دين محترم في إيران دين مجرمين من وجهة نظر النظام. يمكنني أن أتخيل انفضاض الناس عن الإسلام، لكن فكرة اعتناق دينٍ آخر هي فكرة بعيدة عني شخصيًا، وأحبذ أن أبقى على تديُّني.
ما هي طبيعة الأجواء الدينية التي عمَّت في إيران عندما كنت يافعًا؟
سعيد: لم تكن عائلتي عائلةً متدينة، وعندما كنت تلميذًا في طهران وأنا في السادسة عشر من العمر كان بعض زملائي يصومون شهر رمضان، وكان جميع التلامذة يحترمون ذلك، فلم يكن يأكل أحدٌ أمامهم في الاستراحات، وحتى أننا لم نكن ندخِّن. هذا موقف رائع. ويذكر لنا بعض الأصدقاء الذين كانوا في السجن: أنه حتى الشيوعيون هناك كانوا يحترمون صيام المتدينين. هذا الاحترام للدين كان دائمًا قائمًا في إيران، لكن هؤلاء المتسلطين كادوا يقضون عليه، وهذا أمر يضني الروح حقًا.
يواجه الأدباء اليوم مصاعب جمة في إيران. ما الذي يمكن أن تفعله لمساعدة الكتَّاب الملاحقين؟
سعيد: عندما كنت رئيسًا لجمعية "قلم" حصلنا على تمويل من الحكومة الألمانية مكننا من أن نستدعي أدباء من دولٍ أخرى ومنها إيران إلى ألمانيا، وكان هؤلاء يحصلون على منحة لكي يكتبوا هنا بحرية ودون قيود. رئيس الجمعية الذي تلاني تابع هذا النشاط. وقد رفع هذا الأمر الحساسية في ألمانيا تجاه موضوع ملاحقة الأدباء على أي حال، لكن بغض النظر عن ذلك، يحاول كلٌّ منا أن يساهم في نشر أعمال هؤلاء الكتاب، وهذا أمر صعب للغاية، فعلى سبيل المثال، عندما يذكر وزير الخارجية الألماني لدى محادثاته مع السياسيين الإيرانيين أسماء أشخاصٍ بعينهم، يعني ذلك توفير الحماية لهؤلاء إلى حدٍّ معين، وعندما ينشر أحدهم عمله في ألمانيا يمكن أن نساعده بشكل غير مباشر.
هل تحسنت أوضاع الفنانين والأدباء في إيران؟
سعيد: الأوضاع تردت بشكلٍ كبير منذ تولي أحمدي نجاد السلطة في إيران. صحيح أنه لم يغير القوانين، لكن الممارسة العملية على الأرض ازدادت إسفافًا، فكل من يريد أن ينشر كتابًا كان عليه في السابق أن يعرض الكتاب على دائرة الرقابة، لكن منذ بداية عهد الرئيس الجديد تم اختزال هذه الدائرة بشخصٍ واحدٍ هو في الأصل مساعد في دكانٍ لبيع الكتب. يستمع هذا الموظف كل يوم اثنين للالتماسات، ثم يقدم الكتَّاب أعمالهم ولا يحصلون على أي إجابة بعد ذلك، وإذا وافق بعد ثمانية أشهر أو ثلاث سنوات، عندها تقوم دار نشر بطباعة المخطوط، وبعد طباعة الكتاب تطلب الحكومة مراجعته من جديد.
ما الذي يحصل بعد ذاك؟
سعيد: تجد الحكومة جملة لا ترضى عنها، فتفرض على دار النشر أن تقوم بطبع الكتاب من جديد بعد حذف هذه الجملة. بوسع صاحب دار النشر أن يقوم بذلك لمرة أو مرتين، ثم يفلس. يحاول الأدباء تلافي الرقابة عبر إرسالهم لمخطوطات رواياتهم بالبريد الإلكتروني إلى دار نشر صغيرة في الخارج، ثم تحصل المهزلة: بعد بضع شهور تظهر الرواية في طهران على شكل طبعة مسروقة.
ألا يشكِّل هذا خطرًا على الأدباء؟
سعيد: الأمر يتعلق بالموظفين أنفسهم، وهم عادة متعسفون للغاية. لا يرضى أصحاب دور النشر بالذهاب إلى دائرة الرقابة ويطلبون من الأدباء أن يفعلوا ذلك بأنفسهم.
أما فيما يخص الكتب المترجمة فالأمر أقل حدّةً، وقد ترجم أحد أصدقائي روايتين بوليسيتين إلى اللغة الفارسية، وفي الروايتين يحتسي التحري الويسكي. اتصل موظف الرقابة بالمترجم، ولأنه يعرفه معرفةً شخصية، طلب منه أن يترجم في رواية أن التحري يشرب "الفانتا" وفي الرواية الثانية أنه يحتسي الويسكي. وافق المترجم على الأمر لصالح نشر الروايتين. إذًا تجري مساومة إلى حدّ ما، والقراء الإيرانيون قادرون على فهم القصد فورًا. هذا أمر يعزز النظرة الثاقبة لديهم، وهم أصلاً شديدو النباهة.
هل هناك أمل بالتغيير؟
سعيد: لن يكون التغيير في وقت قريب، وسوف تزداد الأوضاع سوءًا.
لماذا؟
سعيد: يتعرض أحمدي نجاد لضغوطات متناميةٍ باضطراد، لأنه غير قادر على حل معضلات الحياة اليومية في البلاد. لذا نجده يتحرك ضد إسرائيل ويناصر حزب الله، فهذا أمر لا يكلفه شيئًا. أما لتغيير أسعار البندورة فعليه أن يفعل شيئًا ما. أسعار المواد الغذائية الأساسية مدعومة من قبل الدولة في إيران، والسؤال الذي يطرح نفسه: إلى متى تستطيع الدولة أن تقوم بذلك. كل وعود أحمدي نجاد الانتخابية ذهبت هباءً، الأمر الذي يدفع المقربين إليه لمهاجمته.
السؤال المفصلي يتعلق بالديمقراطية. هناك خمسة ملايين إيراني يعيشون في المهجر والامتعاض شديد جدًا. الناس لم تعد تخشى أجهزة النظام، وبالرغم من ذلك، ما زالت الحكومة ثابتة في موقعها. يبدو أن لا أمل في تغيير الأوضاع، لكن أملي على المدى البعيد يقوم على المرأة الإيرانية النبيهة إلى أبعد حدّ.
أجرت المقابلة كلوديا مينده
ترجمة: يوسف حجازي
قنطرة 2008
ولد سعيد في طهران عام 1947. غادر وطنه وهو في سن السابعة عشرة. يعيش سعيد في مدينة ميونيخ الألمانية منذ عام 1965، وقد حاز على جوائز عدة على أعماله الأدبية ولنصرته للملاحقين السياسيين والأدباء المعتقلين، منها جائزة أدلبرت فون شاميسو وميدالية هيرمان كيستين. كما حاز على ميدالية غوته في عام 2006. ترأس سعيد بين عامي 2000 و 2002 جمعية "قلم" فرع ألمانيا.
قنطرة
الملف النووي الإيراني وسياسة القمع في الداخل:
الوضع المتأزم في صالح الرئيس أحمدي نجاد
تهديد الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بفرض الحظر على إيران لإرغامها على التخلي عن حقها المشروع دوليا في تخصيب اليورانيوم، قد أوجد لدى السلطة فرصة مواتية لتعبئة الجماهير ولممارسة الضغط على نقادها في الداخل. مقال بقلم بهمان نيروماند
إيران تعيش ردة ثقافية في ظل الرئيس أحمدي نجاد
عصا الرقابة فوق رؤوس الجميع
تعيش ايران منذ وصول الرئيس الايراني الجديد محمود أحمدي نجاد ردة ثقافية جعلت العديد من المثقفين والفنانين يغادرون ايران، هربا من عصا الرقابة المرفوعة فوق رؤوسهم. هذه المحرمات التي طالت الموسيقى والأفلام الغربية سوف تترك الكثير من الأثر على الحياة الثقافية في ايران. تقرير من أريانا فاريبورز
إيران
أنغام الروك الإيرانية عبر الحدود
بالرغم من عنت حراس الفضيلة المتدينين تبلور في إيران بعد خمس وعشرين عاما من الثورة وسط حيوي لموسيقى الروك والبوب. ورغم أن شهرة تلك الفرق الموسيقية لم تنقطع لدى جيل الشباب، فقد احتفظت كثير من الفرق الموسيقية السرية، بوجودها الهامشي في ظل دولة آيات الله.بقلم آريان فاريبورز.