"لا شيء يبرر الإبادة الجماعية"

قنطرة: هل أثر نشاطك السياسي سلبًا على موسيقاك؟
مايكل بارينبويم: هل تقصد جودة عزفي؟
لقد قلت بنفسك إن العزف على الكمان يتطلب الكثير من التدريب. ومنذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول وحرب غزة، أصبحت أكثر نشاطًا سياسيًا، حيث تكتب رسائل مفتوحة، وتعقد مؤتمرات صحفية، وتدير المناقشات حول إسرائيل وفلسطين.
لقد أصبحت أشعر بالقلق إزاء هذا الأمر بشكل متزايد في الأشهر الأخيرة. ولكنني أعتقد أن العمل الذي أقوم به خارج مجال الموسيقى مهم للغاية. بطبيعة الحال، لا أريد أن يفكر الناس أنني الآن أمارس السياسة ولا أعير الموسيقى اهتمامًا. أنا حريص للغاية على التأكد من أنني أمتلك الوقت الكافي للتدرب والاستعداد.

لقد انتقدت مؤخرًا وسائل الإعلام الألمانية، ودعوتها إلى تحمل مسؤولياتها باعتبارها "السلطة الرابعة". لقد كتبت أن وسائل الإعلام فشلت تمامًا باستثناءات قليلة. هذا اتهام قاس.
يتعين على ألمانيا أن تتوقف عن دعم إبادة الفلسطينيين. وإذا كان هناك إجماع كامل بالفعل بشأن هذه القضية هنا، وكان الجميع في البرلمان يتبنون نفس الموقف إلى حد كبير، فإن دور وسائل الإعلام يصبح أكثر أهمية.
لكن هناك غياب للنقاش النقدي، إسرائيل متهمة بارتكاب جرائم إبادة جماعية في محكمة العدل الدولية. والواقع أن الأمر واضح؛ لا ينبغي لنا أن ندعم إسرائيل بالسلاح، ويتعين على ممثلي وسائل الإعلام لدينا أن يصرحوا بذلك بوضوح أكبر.
هل تقصد أن تستخدم وسائل الإعلام الألمانية مصطلحات مثل "إبادة جماعية" أو "تطهير عرقي" لوصف حرب إسرائيل أو كذلك وصف تصورات ترامب الأخيرة حول التهجير؟
استخدام المفردات الصحيحة مهم، ولكن ليس كل شيء. عندما تلوح إبادة جماعية في الأفق، يصبح من الواجب علينا بذل كل جهد لمنعها. كان خطر الإبادة الجماعية قائمًا بالفعل في التاسع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، عندما تحدث وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك عن "حيوانات بشرية"، وأعلن عن قطع الإمدادات الأساسية من ماء وكهرباء ووقود ومواد غذائية. في الخامس عشر من أكتوبر/تشرين الأول أصدر أكثر من 800 خبير في الإبادة الجماعية تحذيرًا.
ونتيجة لهذا، أصبحت كل الدول الموقعة على اتفاقية جنيف ملزمة بالتدخل، بما في ذلك ألمانيا. والغرض من اتفاقية جنيف ليس فقط حظر الإبادة الجماعية، بل وأيضًا منعها.
إن ترامب ونتنياهو يتبعان تقليدًا عمره أكثر من قرن من الزمان يتمثل في حكم هذه الأرض دون مشاركة أو استشارة السكان المحليين، متجاهلين حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير.

الموسيقى توحد فلسطينيين وإسرائيليين في برلين
في أكاديمية بارينبويم-سعيد الموسيقية بألمانيا يدرس طلاب إسرائيليون وفلسطينيون معا والحرب بدأت قبيل فصل الدراسة الجديد فكيف ينظرون لها وكيف تدعمهم الموسيقى في هذا الظرف الصعب؟ متابعة إليزابيت غرينير.
إن قرار محكمة العدل الدولية في قضية الإبادة الجماعية التي ذكرتها لا يزال بعيد المنال. فمنذ يناير/كانون الثاني الماضي، تم التوصل إلى وقف لإطلاق النار. ما الذي يجعلك على يقين من أن ما حدث في غزة يشكل إبادة جماعية؟
هناك جبل من الأدلة التي لا تترك مجالًا لأي استنتاج آخر. فمنظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش ولجنة الأمم المتحدة الخاصة أو خبراء الإبادة الجماعية المعروفون، من بينهم إسرائيليون، يتبنون هذا الرأي. لا بد من مواجهة الحقيقة، ففي مرحلة ما نصل إلى حدٍ لا يُمكن تجاوزه.
إن وقف إطلاق النار، وخاصة وقف إطلاق النار الذي تنتهكه إسرائيل كل يوم تقريبًا، لا يعني أن الإبادة الجماعية قد انتهت. فنحن نشهد الآن مزيجًا من تدمير الإنتاج الغذائي وحجب المساعدات؛ وتدمير المستشفيات وحجب الأدوية المنقذة للحياة. كما نشهد توسع الإبادة الجماعية إلى الضفة الغربية. وتشبه الصور التي نراها في جنين تلك التي نراها في جباليا.
الإبادة الجماعية تستلزمُ وجود نية مُبيتة، وغالبًا ما يكون إثبات ذلك صعبًا. لكن في حالةِ غزة هناك مئات التصريحات الصادرة عن سياسيين وعسكريين إسرائيليين تُعبر عن نية الإبادة، وهذا على أعلى المستويات السياسية فقط.
ما هي المستويات الأخرى التي تلاحظها؟
إحدى المستويات الدنيا هي تصرفات الجنود في قطاع غزة دون خوف من العقاب. كما قال وزير الدفاع الإسرائيلي السابق يوآف غالانت "لقد رفعتُ كل القيود". وفي المرحلة الأخيرة نرى النتيجة، قطاع غزة المدمر بالكامل. لقد تم تدمير قطاع الخدمات الصحية وإنتاج الغذاء.
أنت تطالب أيضًا بفرض حظر تام على توريد الأسلحة إلى إسرائيل. أليس في هذا الأمرِ ما يُثير القلق؟ إذ أظهر أعداء إسرائيل جدية رغباتهم في تدميرها، كما أنها تعرضت للهجوم المباشر من إيران. ألا يجب التعامل مع هذا بذات الجدية التي نتعامل بها مع تصريحات ترامب ونتنياهو بتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة؟
إن الدول التي تزود إسرائيل بالأسلحة لا بد وأن تتخذ موقفًا واضحًا: إنهاء الاحتلال! وبحلول التاسع عشر من يوليو/تموز من العام الماضي على أقصى تقدير، عندما حكمت محكمة العدل الدولية في قضية أخرى بأن احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية غير قانوني، كانت كل الحجج متوفرة لفرض إجراء وقف تسليم المزيد من الأسلحة إلى أن تتحقق مطالب محكمة العدل الدولية. ويتعين على إسرائيل أن تنسحب، وأن تخلي المستوطنين، وأن تدفع تعويضات للفلسطينيين. وكثيرًا ما يزعم الناس أن هذا مستحيل، ولكنه ليس كذلك ـ بل إنه التزام.
هل هذه الحجة تعفي جماعات مثل حماس من المسؤولية؟
حماس لا تتلقى أي أسلحة من ألمانيا.
ولكن حماس تتحمل بعض المسؤولية عما حدث بعد مذبحة السابع من أكتوبر/تشرين الأول. فبعد أكثر من خمسمائة يوم، ما زالت تحتجز رهائن.
لكن لا شيء يبرر الإبادة الجماعية. اتفاقية جنيف لا تحتوي على أي بند ينص على أنه إذا حدث كذا وكذا، فإن الإبادة الجماعية تكون مقبولة. لا يوجد تبرير قانوني أو أخلاقي. المسؤولية عن منع الإبادة الجماعية سارية بنسبة 100%، أما إذا أردنا الحديث عن الأسباب الجذرية، فعلينا الغوص عميقًا في تاريخ الصراع، وليس الاكتفاء بالتركيز على السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.
أنت نفسك زرت إسرائيل مرارًا وتكرارًا. هل قمت بزيارة قطاع غزة أيضًا؟
مرة واحدة في عام 2011 مع والدي ومجموعة من موسيقيين الأوركسترا.
تحت حكم حركة حماس؟
نعم، كان هناك لحظة وجيزة في ذلك الوقت، عندما كان شيء من هذا القبيل ممكنًا.
على عكس والدك عازف البيانو وقائد الأوركسترا دانيال بارنبويم لا تحمل الجنسية الإسرائيلية. لماذا تهتم إلى جانب الموسيقى بشكل مكثف بالصراع في الشرق الأوسط؟
أعزف منذ أن كان عمري 14 عامًا في أوركسترا الديوان الغربي الشرقي، التي أسسها والدي وإدوارد سعيد، ويعزف فيها موسيقيون من دول الشرق الأوسط معًا. ومنذ ذلك الحين، أصبح موضوع فلسطين وإسرائيل رفيقًا دائمًا لي. حتى في أكاديمية بارنبويم-سعيد في برلين نتعامل أيضًا مع هذا الموضوع بشكل يومي.
ماذا فعلت أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول وحرب غزة بالأوركسترا والأكاديمية؟
أنا مندهش من كيفية تعامل طلابنا مع الوضع. التفاعل الإنساني موجود وناجح. لكن في الوقت نفسه، الوضع في غاية الصعوبة كون اتخاذ موقف محايد غير ممكن. في رأيي هناك الآن استقطاب واضح بين أولئك الذين يتمسكون بالقانون الدولي وآخرين الذين يفقدون مصداقيتهم بشكل متزايد لمحاولتهم تبرير المستحيل.
هل ترى نفسك تسير على خطى والدك؟ كان هو أيضًا دائمًا سياسيًا، لكنني لا أستطيع أن أتخيل أنه قد يفعل مثلك ويظهر في مؤتمر صحفي اتحادي، ويتهم ألمانيا بالاشتراك في إبادة جماعية.
هناك فروق. فأنا أقوم بالكثير من المشاريع التي لا علاقة لها بالموسيقى. يعتبر المؤتمر الصحفي الاتحادي مثالاً على ذلك، كما هو الحال مع سلسلة الحوارات "كلمة"، حيث أقدم أنا وتيم خليفي منصة للفنانين والأكاديميين الفلسطينيين مرة في الشهر. لقد ربط أبي جميع مشاريعه تقريبًا بالموسيقى. كموسيقي مُحنَّك يقف على المسرح منذ سن السابعة، تُعتبر الموسيقى وسيلته الأمثل. لكن هذا لا يعني أن مشاريعه تخلو من البُعد السياسي.
ترجمة: أحمد محمد
قنطرة ©