ستون عاما على قيام إسرائيل ـ ستون عاما على النكبة

فيما تحتفل إسرائيل بمرور 60 عاما على تأسيسها، يطلق العرب على هذه المناسبة وصف النكبة، لكن حتى بالنسبة للإسرائيليين فإن هذا اليوم ليس في حقيقة الأمر مناسبة للاحتفال، فتحقيق حلم الدولة كان بداية لكابوس آخر. بيتر فيليب يلقي نظرة تاريخية على تطور هذا الصراع.

في الرابع عشر من مايو/أيار 1948 تجمع الأوائل من اليهود في فلسطين في متحف مدينة تل أبيب الفتية، بهدف تحقيق طموحهم في قيام الدولة اليهودية، التي كان قد روج لها الأب الروحي للصهيونية السياسية الأول تيودور هيرتزل. غير أنه سرعان ما كان يتوجب على الإسرائيليين أن يدركوا بسرعة أن تحقيق حلم إسرائيل في حقيقة الأمر ليس سوى الانتقال من كابوس إلى كابوس آخر: أي الانتقال من حياة الملاحقات والإبادة في أوروبا إلى حروب أخرى وتهديد مفتوح للوجود. وعبر عشرات السنين لا يريد أحد في منطقة الشرق الأوسط الاعتراف بإسرائيل وحقها في الوجود، بل إن اليوم الذي تحتفل فيه الدولة العبرية بالاستقلال، ليس سوى استحضار أليم "للنكبة" على الجانب الأخر، الجانب العربي.

حروب من اليوم الأول

لم تكن قد مرت سوى ساعات قليلة على ذلك التجمع حتى اختلطت أصوات القنابل والقذائف بهتافات الاحتفال بقيام الدولة الجديدة عام 1948. فقد كان على دولة إسرائيل الفتية أن تخوض أول حروبها بنجاح بعد قيامها مباشرة. وكانت الدول العربية الأعضاء في الجامعة العربية تأمل آنذاك أن تقضي على ما اعتبرته نبته، زرعها الغرب بين جنبيها من خلال "وعد بلفور" وعبر الأمم المتحدة من خلال قرار التقسيم عام 1947، وكذلك بصفة خاصة من خلال الدور الأمريكي الداعم لإسرائيل.

وبعكس كل التوقعات فشلت الخطط العربية، بل إن إسرائيل قامت بتوسيع حدودها متجاوزة حدود المنطقة، التي حددها لها قرار التقسيم. وكان من نتائج هذه الحرب أيضاً اضطرار أكثر من مليون ونصف المليون فلسطيني لترك وطنهم، إما خوفا على حياتهم أو طرداً من منازلهم. وما يزال هؤلاء بعد ستين عاما يشكلون محور النزاع، بعد أن صاروا في هذه الأثناء حوالي أربعة ملايين شخص.

وألقت هزيمة 1948 بظلالها القاتمة على الدول العربية والإسلامية، التي رفضت قبول نتائجها متعهدة بالانتقام. ولأنه ليس هناك استعداد للاعتراف بالهزيمة على يدي الدولة اليهودية الصغيرة، فإنه يتم تحميل الغرب مسؤولية ذلك، حتى أن الجماعات المتطرفة والديماغوجية مازالت تعيش حتى اليوم على وهم أن إسرائيل هي قاعدة متقدمة للغرب في المنطقة ضد العرب والمسلمين.

السلام مع العدو الأول

لكن التغيير الأهم حدث في حرب الأيام الست عام 1967، بعد أن أغلق عبد الناصر مضيق تيران على الرغم من التحذيرات الإسرائيلية، الأمر الذي أعطى هذه الأخيرة مبرراً لشن حرب وقائية. وبعد تلك الحرب التي سيطرت إسرائيل خلالها على كامل فلسطين التاريخية، كان بعض الساسة الإسرائيليين يأملون أن تأتيهم المبادرة من القاهرة أو عمان بمبادلة الأرض بالسلام، لكن ذلك لم يحدث وبدلا من ذلك أعلن القادة العرب في قمة الخرطوم اللاآت الثلاث الشهيرة.

وفي عام 1973 استطاع العرب في يوم واحد استعادة الثقة بأنفسهم، حيث وجهت مصر وسوريا ضربات موجعة لإسرائيل، لكنه لم يكن هناك منتصر في هذه الحرب. هذا الوضع مكًن الرئيس المصري أنور السادات، الذي كان قد بدأ يتجه نحو الغرب، من فتح الباب أمام مبادرة السلام، التي قادت إلى التوقيع على اتفاقية كامب ديفيد عام 1979.
​​
لاشك أنه كان من الممكن أن يكون للفلسطينيين دور في عملية السلام تلك، لكنهم رفضوها بتشجيع من الدول العربية، وكأنه كان يجب على منظمة التحرير الفلسطينية الانتظار مدة 14 عاما أخرى للتوقيع على اتفاق سلام مع إسرائيل في أوسلو عام 1993. وكان ينبغي بموجب هذا الاتفاق انسحاب إسرائيل من الأراضي الفلسطينية المحتلة وتأسيس دولة فلسطينية.

انتفاضة الأقصى قضت على ما تبقى من اتفاق أوسلو

معارضة مبادرات السلام لا تقتصر على الجانب العربي فحسب، بل على الجانب الإسرائيلي كذلك. فهناك مثلاً حزب الليكود بقيادة بنيامين ناتانياهو، الذي يتحدث عن خيانة للوطن التاريخي، لان هؤلاء يعتبرون أن كل فلسطين هي "أرض إسرائيل" محذرين من المخاطر التي سيجرها إعادة الأراضي المحتلة على إسرائيل.

وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إسحاق رابين، الذي وقع على اتفاق أوسلو قد اغتيل. وبعد انتخاب ناتانياهو بديلاً عنه بعد ذلك بوقت قصير ابتعدت إسرائيل عن تنفيذ اتفاق أوسلو. ومن جانب آخر يعمق التذمر بين أوساط الفلسطينيين الموجودين داخل إسرائيل الأزمة السياسية داخل الدولة العبرية.

وفي 2000م اشتعلت "انتفاضة الأقصى"، التي دمرت تقريبا كل شيء ايجابي تم بناؤه منذ اتفاق أوسلو في المناطق الفلسطينية كما تم إعادة احتلال بعض مناطق الحكم الذاتي. إضافة إلى ذلك فقد أخذت إسرائيل في عهد رئيس الوزراء السابق أريل شارون تعمل على عزل نفسها عن الفلسطينيين من خلال بناء الجدران والحواجز.

وبعد موت ياسر عرافات تم بصعوبة بالغة إعادة تحريك عملية مفاوضات السلام، لكن ذلك لم يحقق أي نتائج تذكر، حيث استعاد المعارضون للحل قدرتهم على التأثير على مجرى المفاوضات. ومع وصول حماس إلى السلطة في بداية عام 2006 ورفضها الاعتراف بإسرائيل وعدم اعترافها باتفاقيات أوسلو زادت عزلة الفلسطينيين لاسيما من قبل الغرب، كما أن هذا الأمر أعطى مبررا لإسرائيل بعدم تقديم أي تنازلات. ولم يغير من الوضع رغبة الرئيس الأمريكي جورج دبيلو بوش في التوصل إلى سلام في المنطقة خلال السنة الأخيرة من رئاسته.

بيتر فيليب
ترجمة: عبده جميل المخلافي
دويتشه فيله 2008

قنطرة

اللوبي الإسرائيلي في أمريكا:
" اللوبي الإسرائيلي في واشنطن يضر أحيانا بإسرائيل"
تمارس جماعات الضغط في أمريكا عملها بشكل علني وتسعى بوضوح إلى استمالة الساسة لمصالحهم. وجماعة الضغط الإسرائيلية ليست استثناء، غير أن باحثين أمريكيين خلُصا مؤخرا إلى أن سياسة الجماعة لا تصب دائما في مصلحة إسرائيل أو أمريكا.

مناقشة
انتقاد إسرائيل ومعاداة الساميّة
هل يمكننا أن نفسر الانتقادات الموجهة إلى إسرائيل وممارساتها في المناطق الفلسطينية بظاهرة العداء للسامية؟ هذا هو موضوع السجال التالي بين الفيلسوف البريطاني بريان كلوغ والمؤرخ الإسرائيلي روبرت فيستريش.

العلاقات الألمانية الإسرائيلية:
تطبيع ما لا يمكن تطبيعه
جعلت أهوال الهولكوست فكرة تطبيع العلاقات بين ألمانيا وإسرائيل تبدو شبه مستحيلة. لكن الدولتين نجحتا على الرغم من البدايات المتعثرة في إرساء علاقات تتسم بالصداقة والحرص على المصالح المشتركة على مدى أكثر من 40 عاما. نينا فيركهويسر تلقي الضوء على طبيعة هذه العلاقات مع قرب احتفال إسرائيل بالذكرى الستين لتأسيسها.