شيخوخة ثقافية تحكمها الكتب الدينية

يعد معرض القاهرة الدولي للكتاب أضخم معارض الكتاب عربياً وأعرقها وهو يحظى بإقبال جماهيري، بلغ في إحدى السنوات خمسة ملايين زائر، بالإضافة إلى الحضور الإعلامي المميز. سمير جريس قام بجولة في أروقة المعرض الذي يحتفل هذا العام بمرور أربعين عاماً على انطلاقته .

يعد معرض القاهرة الدولي للكتاب أضخم معارض الكتاب عربياً وأعرقها وهو يحظى بإقبال جماهيري، بلغ في إحدى السنوات خمسة ملايين زائر، بالإضافة إلى الحضور الإعلامي المميز. سمير جريس قام بجولة في أروقة المعرض الذي يحتفل هذا العام بمرور أربعين عاماً على انطلاقته.

​​الصورة مختلفة هذا العام: ليس الزحام هو سيد الموقف في معرض القاهرة للكتاب، أما الندوات الثقافية أو القراءات فتبحث عن زائر. يقولون إن الغلاء وضعف القدرة الشرائية هما السبب، ويقولون أيضاً إن الطقس البارد الممطر طرد الناس من أرض المعارض العاصفة، كما أن غياب الأسماء اللامعة من المثقفين العرب والمصريين قلل الإقبال الجماهيري.

أما فيما عدا ذلك فالصورة لم تتغير في معرض القاهرة للكتاب في دورته الأربعين التي تستضيف حوالي 740 ناشراً من ثماني وعشرين دولة، منها ست عشرة دولة عربية: الكتاب الديني يتصدر المبيعات، الأشرطة المزعجة منتشرة في كل مكان، والشكوى المعتادة من بعض الناشرين العرب من مصادرة عناوين باتت معروفة سلفاً، مثل خبز محمد شكري الحافي وحكايا علوية صبح أو مسيح كازنتاكس، وأيضاً النفي المعتاد من المسؤولين من أنه لا مصادرة ولا رقابة.

الدورة الأربعون

مع أنه كان من الممكن أن تغدو دورة هذا العام حدثاً مهماً في الثقافة المصرية، فالمعرض يحتفل بمرور أربعة عقود على إقامة أولى دوراته عام 1969. آنذاك كانت عاصمة المعز تحتفل بعيدها الألفي، فقرر وزير الثقافة آنذاك – ثروت عكاشة – الاحتفال بالعيد ثقافياً، فعهد إلى الكاتبة والباحثة سهير القلماوي، تلميذة طه حسين النجيبة، إلى الإشراف على إقامة أول معرض للكتاب. لهذا تحتفي دورة هذا العام بالقلماوي باعتبارها شخصية العام، كما نرى في شعار المعرض. غير أن الدورة الأربعين جاءت متواضعة القيمة، وبعيدة تماماً عن أي روح احتفالية. والسبب الرئيسي لذلك هو التغير الذي طرأ على فلسفة المعرض وبرنامجه بعد تولي ناصر الأنصاري الإشراف عليه خلفاً لسمير سرحان.

​لقد نجح سرحان في تحويل المعرض منذ منتصف الثمانينيات إلى عُرس ثقافي عربي يجتذب عشرات الكتاب والمفكرين من كافة أنحاء العالم العربي، وكان الآلاف يتقاطرون على الندوات التي يعقدها محمد حسنين هيكل ومحمود درويش وعبد الرحمن الأبنودي، وكذلك على العروض الفنية التي تستضيف نجوم السينما المصرية.

كل هذا أدى إلى زيادة فلكية في أرقام زوار المعرض، بلغت في إحدى السنوات خمسة ملايين زائر. لم تكن الإصدارات الحديثة هي محور المعرض، كما هو الحال في المعارض الدولية مثل معرض فرانكفورت للكتاب، ولم تكن القاهرة مركزاً لبيع وشراء حقوق النشر أو الترجمة، بل كان المعرض فرصة للقارئ كي يجد كل ما يريد اقتناءه من كتب تأتيه من كافة أنحاء العالم العربي، وهو أمر بالغ الأهمية في ظل غياب نظام تسويقي فعال ينقل الكتاب – لن نقول من قطر إلى آخر، بل من مدينة إلى أخرى، ومن مكتبة إلى مكتبة داخل القطر نفسه.

ولهذا فإن 70% من حجم مبيعات الكتب في مصر تتم خلال فترة المعرض. تحول معرض القاهرة للكتاب بمرور السنين إلى سوق كبيرة، وانتشرت في الطرقات الأكشاك التي تبيع كل شيء وأي شيء، وأشرطة الكاسيت التي تزعق بالغناء المنفر أو تصرخ بالخطب والمواعظ الدينية التي تتمحور حول الحرام والحلال. كما فقدت الندوات شعبيتها في السنوات الأخيرة لأنها أضحت شبه رسيمة، وساحة لترويج سياسة الحكومة.

فلسفة جديدة؟

بوفاة سمير سرحان حاول المنظمون أن يغيروا من فلسفة المعرض، ليعود الكتاب هو الأساس. حدث ذلك بعد أن حل العالم العربي عام 2004 ضيفاً على معرض فرانكفورت للكتاب، المعرض الدولي الأول في العالم. في العام التالي اقتبست القاهرة فكرة ضيف الشرف، وحلت ألمانيا عام 2005 أول ضيف شرف على معرض القاهرة للكتاب، أعقبتها إيطاليا العام الماضي. أما هذا العام فقد دعيت الإمارات، وهو اختيار لم يلق ترحيباً من كثيرين الذي تساءلوا عن إنجازها الثقافي. وهو أمر انعكس على البرنامج المتواضع الذي يقدمه ضيف الشرف هذا العام.

​​جولة في أروقة الدورة الأربعين تبين سطوة الكتاب الديني والثقافة الغيبية، وشبه انعدام للكتب العلمية. أعلى المبيعات – هكذا أكد ناشرون عديدون – تحققها الكتب الدينية والتراث، لا سيما كتب الدعاة الجدد ومشايخ الفضائيات. وقد شهدت قاعة المعرض الرئيسية إقبالاً جماهيرياً جارفاً على ندوة الشيخ السعودي عائض القرني الذي يحقق كتابه "لا تحزن" أعلى المبيعات، ومن شدة الإقبال تحطمت الواجهة الزجاجية للقاعة وأصيب عدد من رجال الأمن. على الصعيد الأدبي فما زالت رواية "شيكاغو" للمصري علاء الأسواني هي نجم المبيعات، وقد أعيد طبعها خلال شهور العام الماضي إحدى عشرة مرة، وهو ما لم يحدث لكبار الكتاب العرب.

هل شاخ المعرض؟

نعم، أمراض الشيخوخة أصابت كل ركن من أركانه، ولا بد من رؤية جديدة، وإلا فسيستمر الانحدار من عام إلى آخر. لقد تخلص معرض هذا العام من الطابع الاحتفالي الذي كان يسوده، غير أنه لم يبلور بعد فلسفة جديدة، ولهذا خسر أكبر معارض الكتاب الإقبال الجماهيري الكبير، من دون أن يغدو معرضاً دولياً بحق.

القاهرة – سمير جريس
حقوق الطبع: قنطرة 2008

قنطرة

معرض الكتاب في أبو ظبي:
مطامح ثقافية جديدة
شعار معرض أبو ظبي للكتاب 2007 لأول مرة تم تنظيم معرض الكتاب في أبو ظبي بالتعاون مع معرض فرانكفورت. خطوة أولى في الطريق إلى عاصمة الكتاب والنشر في العالم العربي؟ تقرير منى نجار

أدب
لقاء في القاهرة
إدوار الخراط في إطار مشروع "الديوان الشرقي الغربي" التقي كل من الروائي المصري إدوار الخراط والأديب الألماني مارتين موزيباخ في أمسية بمعهد غوته الألماني بالقاهرة، وقد جاء هذا اللقاء ضمن فعاليات معرض الكتاب الدولي في القاهرة. يورغن شترياك تابع هذه الأمسية

المُلكية الفكرية في العالم العربي:
الناشر العربي بين الرقابة وسوق الكتاب العاجزة
ما الذي يدفع ناشرين عرب ومؤسسات ثقافية عربية الى ممارسة القرصنة؟ هل هو التنافس من أجل تقديم الأعمال الإبداعية العالمية الى القارئ العربي؟ أم هو الشره من أجل الربح؟ الناشر خالد المعالي المقيم في ألمانيا يكتب عن تجربته الشخصية