اِنسَوْا غوته وَاقرأوا عاشق الأدب العربي روكَرْت
العربية والفارسية والأثيوبية القديمة: يقال إن فريدريش روكَرْت كان متمكنا من 44 لغة وخمسة وعشرين نظاما كتابيا. وقيل أيضا إنه كان يحتاج لستة أسابيع من أجل تعلم لغة جديدة. وترجمته للقرآن هي بالفعل الوحيدة التي يمكن من خلال قراءتها التمتع بجماليات هذا الكتاب المقدس في اللغة الألمانية. كان روكَرْت عبقرياً لغوياً وشاعراً يمكن مقارنته في رأي المعجبين به بأمير الشعر الألماني غوته. لكن على الرغم من ذلك أضحى اليوم نسياً منسياً.
إنه لا ريب ظُلْمٌ بحق هذا الشاعر الكبير الذي توفي في الواحد والثلاثين من يناير 1866، لأنه كان يملك رؤية، تحتاجها ألمانيا اليوم أكثر من أي وقت مضى. كان يريد أن يتحقق تفاهم بين كل الثقافات والأديان. وفكرته تقول: إذا ما قرأ الناس أشعار الشعوب الأخرى، فإنهم سيدركون أيضا شعورها الداخلي بالحياة. وستصبح الثقافة الأجنبية جزءا من الذات. وكما كتب شِعراً يقول: "مع كل لغة تتعلمها، فإنكَ تُحرِّرُ / عبر ذلك روحاً مسجونة بداخلك / روحاً ستعمل وفق فكرها الخاص، لتفتح أمامك شعورا بالعالم لم تكن تعرفه".
ولأنه كان يدرك أن ليس كل الناس يمتلكون موهبته اللغوية، فإنه عمل كثيرا على ترجمة الأعمال الكبرى للثقافات الأجنبية إلى اللغة الألمانية، بشكل تحتفظ فيه تلك الأعمال بطابعها الشعري. وهنا لجأ روكَرْت إلى قدراته الشعرية.
القرآن يحتاج لما هو أكثر من ترجمة
لم يكن بإمكانه فقط فهم النص في لغته الأصلية، بل وكان يجد له المقابل المناسب في لغته الأم. ومن أبرز الأمثلة عن ذلك، ترجمته للسورة 112 من القرآن. بالنسبة للمسلمين، فإن الدليل على أن محمد رسول الله، هو إعجاز القرآن واستحالة تقليد أسلوبه على البشر. ومن يُرِدْ أن يفهم ذلك، وكان غير قادر على فهم العربية، فإنه لن يجد إلا خيارا واحدا أمامه، وهو قراءة ترجمة روكَرْت.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4).
إن ترجمة روكَرْت للقرآن والتي ظهرت في عام 1843 كانت تعبيرا عن ثورة شعرية. وكان دليله إلى ذلك، هو "الشعرية المثيرة" للوحي الإسلامي. إذ كما كتب المستشرق جوزيف فون هامر بورغشتال في العام 1811 "فإن السحر الكبير للشعر العربي لا يكمن في الصورة والحركة، ولكن خصوصا في التقفية، التي تملك تأثيرا كبيرا على الأذن العربية".
لقد اختار روكَرْت الشعر أيضا، لأنه أقدم شكل أدبي في تاريخ البشرية. يوضح المؤرخ رودولف كرويتنر الذي يعمل على الكتابات التي خلفها روكَرْت بعد وفاته، ذلك قائلا: "كل الإرث السابق على الكتابة كان شعريا، لأنه من السهولة حفظه". واعتقد روكَرْت أيضا بوجود أسطورة أولى تعود إلى البدايات الأولى للإنسانية ويشترك فيها كل البشر. وبلغة أخرى: في الشعر يلتقي العالم.
روكَرْت أراد البقاء بعيداً عن الأضواء
لكن ليس روكَرْت من يتم الاستشهاد به في سياق الدفاع عن التفاهم بين الشعوب، بل غوته. رغم أن الشاعر المحبب للألمان، لم يفعل في "الديوان الشرقي لصاحبه الغربي" سوى إعادة كتابة ترجمات الآخرين للشعر الشرقي. بل إنه نَشَرَ قصائد حبيبته ماريانه فون فيلمر في الديوان على أنها قصائده. ولو فعلها أحدهم اليوم لاتهم بالسرقة الأدبية.
لكن روكَرْت، وبعكس غوته، لم يكن يحب الأضواء. كان هذا الرجل الذي يصل طوله المترين تقريبا يقضي اليوم كله متجولا وهو لا يزال في ملابس الصباح. ولما تلقى دعوة في العام 1843 لحضور حفل التكريم البروسي " بور لو ميريت" كان الوحيد الذي لا يعلق ميدالية ذهبية حول عنقه، رغم أنه كان قد تلقى الميدالية عاما قبل ذلك. ولما سأله ألكسندر فون هومبولت عن ذلك، أخبره بأن زوجته قد استعملتها من أجل ربط قبعتها.
لقد اقترب روكَرْت من جوهر الشعر الشرقي أكثر من غوته. وفي الآن نفسه، حافظ على مسافة نقدية من الإسلام. فالاستشراق الرومانسي ظل غريبا بالنسبة إليه. "لقد كان روكَرْت واعياً أنه ولد وترعرع في ألمانيا البروتستانتية"، كما يقول المؤرخ كرويتنر. لقد كان منفتحا على الثقافات الأخرى، لكنه كان يعرف أين يقف.
ماذا سيقول روكَرْت اليوم، لو سألناه عن أفضل السبل لإدماج اللاجئين؟ سيطالب كل طرف بالاهتمام بشعرية الطرف الآخر، إن كرويتنر متأكد من ذلك.
لكن وعلى الرغم من أن الناس لا يقبلون في سياق أزمة اللاجئين على قراءة الشعر، فإن جوهر دعوة روكَرْت هي لب كل مجهودات الاندماج. فلتحقيق تفاهم حقيقي، يتوجب على الطرفين الاهتمام بالثقافات الأجنبية، دون إنكار الهوية.
كريستوف ماير
ترجمة: وفاء حامد