منبر للدعاية وحلقة للتواصل

على الرغم من الأيدلوجية المتطرفة التي ينتهجها تنظيم القاعدة والتي تقوم على التكفير والإرهاب والقتل، إلا أن التنظيم أحسن استخدام الانترنت في توظيفها للتواصل بين عناصره وتوجيه الإرشادات وجعل منها ساحة للتنظير لأفكاره المتطرفة. تقرير من ألفريد هاكنسبيرغر.

​لو ظهر قبل عشرة أعوام هؤلاء الرجال الملتحون الذين يرتدون عمامات ويتحدَّثون عن "الثورة الإسلامية العالمية" في قنوات التلفزة، لكانوا سيخلقون فقط حالة من الاستنكار. فمعظم المشاهدين الأوروبيين كانوا سيعتقدون أنَّ الأمر يتعلَّق بنكتة أو "بالكاميرا الخفية". أما اليوم فقد أصبح الملتحون المتديِّنون - وعلى رأسهم أسامة بن لادن ونائبه أيمن الظواهري، يشكِّلون جزءا من المشهد الإعلامي يظهر مرارًا وتكرارًا في نشرات الأخبار.

منذ الحادي عشر من أيلول/سبتمبر يبثّ زعيما تنظيم القاعدة بشكل دوري رسائل مرئية أو صوتية يتم نقلها من خلال وسائل الإعلام العالمية إلى كلِّ أرجاء العالم. وهذا بدهي في الرسائل القصيرة، إذ إنَّ الأحاديث والخطابات الطويلة حول النصر النهائي للإسلام تعتبر مملة بالنسبة لمستهلكي الأخبار الذين تعوّدوا في يومنا هذا على التنوّع، كما أنَّها تخالف كلَّ أشكال البرامج التي يتم عرضها. الأمر الذي لا يهم أسامة بن لادن وأيمن الظواهري، إذ لا يمكن تقريبًا تصوّر دعاية مجانية أفضل من دعايتهم على الانترنت.

وسائل اتصالات جديدة

غير أنَّ زعماء التنظيمات الإرهابية يعرفون عالم الإعلام خير معرفة، لكي يدركوا أنَّ كلَّ أشكال البرامج وبغض النظر عن إمكانية نجاحها تبدو مع الزمن مستهلكة وبالية. لهذا السبب قام زعيما تنظيم القاعدة بتكليف القسم الإعلامي لتنظيمهما والذي تقوم عليه شركة السحاب بإيجاد شكل جديد من الاتصالات يُحدث قليلاً من التغيير في المواد الإعلامية المعروضة.

اختارت شركة السحاب استخدام وسيلة فعَّالة في الحملة الدعائية الجديدة؛ وسيلة تعتبر في يومنا هذا جزءا أساسيًا من الإستراتيجية الإعلامية في كلٍّ من التلفزة والإذاعة والصحافة كما أنَّها تؤدِّي إلى "جذب الزبائن".

​في الفترة من شهر كانون الأول/ديسمبر 2007 وحتى كانون الثاني/يناير 2008 كان بوسع كلِّ الأشخاص الذين يتقنون اللغة العربية توجيه أسئلتهم إلى أيمن الظواهري على مواقع الانترنت الموالية لتنظيم القاعدة.

وفي الأسبوع الماضي وردت الأجوبة في رسالة مسجلة بصوت نائب زعيم تنظيم القاعدة، أيمن الظواهري الذي بدا مرتاحًا كثيرًا لوصول هذا الكم الكبير من الأسئلة. يقول الظواهري إنَّه اختار "بعون الله أهم تسعين سؤالاً" وأولى اهتمامه بشكل خاص للأسئلة الحرجة.

خطأ غير مقصود

يتَّضح في مجموعة الأسئلة الأولى أنَّ تنظيم القاعدة لم يقم بلعبته التفاعلية هذه فقط من أجل أهداف إعلامية، بل قام بها أيضًا لكي يبرِّئ ذمته. "من الذي يقتل باسم القاعدة الأبرياء في بغداد والجزائر والمغرب؟ لماذا لا يوجِّه تنظيم القاعدة ضربات إلى إسرائيل؟ هل يعتبر قتل المسلمين في الأسواق أسهل من ذلك؟". هذه المواضيع ترد كذلك مرارًا وتكرارًا لدى متسائلين آخرين.

إنَّ قتل آلاف من المدنيين يعدّ أمرًا غير مقبول بالنسبة لتنظيم القاعدة، كما أنَّه كلَّف القاعدة تقريبًا كلَّ تعاطف وتأييد المسلمين لها، هذا التأييد الذي اكتسبته القاعدة جزئيًا بعد الحادي عشر من أيلول/سبتمبر. فبدلاً عن مهاجمة العدو الحقيقي صار يتم قتل النساء والأطفال المسلمين.

ربما يكون أيمن الظواهري قد أقنع بأجوبته المتعلقة بإسرائيل بعض مؤيِّدي تنظيم القاعدة وذلك عندما افتخر بقيام تنظيمه باعتداءات على كنيس يهودي في تونس وعلى فنادق للسياح الإسرائيليين في كينيا. يقول الظواهري: "أَلم نُطلق أيضًا في كينيا صاروخين على طائرة تابعة لخطوط العال الإسرائيلية؟" بيد أنَّه في المقابل لا يقول بخصوص قتل المدنيين الأبرياء إلاَّ: "نحن لم نقتل أشخاصًا أبرياء" وحتى إن حصل ذلك "فقد كان خطأً غير مقصود".

دروع بشرية

أثار هذا التصريح في الجزائر ردود فعل شديدة وسلبية، حيث قتل في الحادي عشر من كانون الأول/ديسمبر 2007 واحد وأربعون شخصًا أغلبهم من المواطنين الجزائريين في اعتداء لتنظيم القاعدة على مبنى تابع لهيئة الأمم المتحدة.

لا تختلف الحال في بغداد عما هي عليه في الجزائر. ففي بغداد يقتل في كلِّ يوم العديد من المدنيين الأبرياء أثناء وجودهم في الأسواق أو وهم في طريقهم إلى العمل أو إلى المدرسة. لا يشكِّل تصريح الظواهري أي أهمية بالنسبة لعوائل الضحايا عندما يبرر قتل الأبرياء بأنَّ قوات الاحتلال في العراق تستغل المدنيين وتتَّخذ منهم "دروعًا بشرية". وبالمناسبة يتم استخدام هذه الحجة أيضًا من قبل رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، جورج دبليو بوش بغية تبرير "الخسائر الجانبية" التي يصاب بها المدنيون العراقيون.

كذلك تحدَّثت الحكومة الإسرائيلية أثناء الحرب التي شنتها إسرائيل على لبنان في صيف عام 2006 عن "دروع بشرية" يتوارى خلفها إرهابيو حزب الله. استخدم الإسرائيليون مصطلح "الدروع البشرية" أيضًا من أجل التستّر على قتل الأبرياء.

انهيار الولايات المتحدة الأمريكية وإيران

تعتبر الأسئلة والأجوبة الأخرى غير مهمة إلى حدّ ما كما أنَّها خاصة بالخبراء المطلعين على الشؤون الإسلاموية. طرحت أسئلة حول موقف تنظيم القاعدة من حركة حماس وحول يوسف القرضاوي، هذا الشيخ ذو النفوذ الواسع الذي يظهر في قناة الجزيرة ويدين تنظيم القاعدة الإرهابي، أو كذلك حول رأي تنظيم القاعدة في إيران.

تحدَّث الظواهري عن انهيار الولايات المتحدة الأمريكية الذي بدأ مع الحادي عشر من أيلول/سبتمبر ولن يتحقَّق بين ليلة وضحاها، مثلما كانت الحال في كلِّ الإمبراطوريات الكبيرة، بل يمكن أن يستغرق عشرة أعوام أخرى.

لم يعارض نائب زعيم تنظيم القاعدة، أيمن الظواهري احتمال قيام الولايات المتحدة الأمريكية بهجوم على إيران، ففي آخر المطاف سيكون هذا الهجوم ضدّ كفار شيعة، لا يعملون إلاَّ على تدنيس التعاليم الطاهرة السنّية. ولا يهم - حسب قول الظواهري - من الذي سيخرج منتصرًا من هذا الصراع، فهو سيكون ضعيفًا وسيكون عندئذٍ بوسع تنظيم القاعدة الهجوم عليه وإبادته.

ألفريد هاكنسبيرغر
ترجمة: رائد الباش
قنطرة 2008

قنطرة

بين لغة الخطاب والإستراتيجية:
حروب جيو ـ أهلية في الشرق الأوسط
الحروب المشتعلة في الشرق الأوسط ليست صراعاً بين الحضارات او مجرد حرب أهلية، بل انها حرب جيو- أهلية، حسب قول جون برنكمان، الأستاذ الجامعي ومحلل الشؤون الدولية.

اليسار الغربي والجهاد الإسلامي:
من العداء المطلق الى التحالف الوهمي
إزداد في الفترات الأخيرة عقد التحالفات ما بين الإسلامويين واليسار الغربي، إستنادا على رفضهما المشترك للرأسمالية والإمبريالية الغربية. مقال بقلم فريد هاليدي.

احتجاجات على الحكم ضد تيسير علوني في أسبانيا:
حدود غير واضحة بين قناة الجزيرة وتنظيم القاعدة
أين تنتهي حرية الصحافة وأين تبدأ علاقات مشبوهة خارجة عن القانون مع إسلاميين متطرفين يخططون لارتكاب اعتداءات تستهدف مدنيين؟ سؤال مطروح للمناقشة بعد الحكم على الصحفي تيسير علوني. تقرير فيكتور كوخر