ثقافة المساواة دواء لداء الفوقية والدونية في الذهنية العربية

ينتقد الكاتب الكويتي المعروف أحمد شهاب ثقافة الوصاية السائدة في العالم العربي ويعتبرها وقودا للنزعة التسلطية وعائقا أساسيا أمام تطور مجتمعات عربية ديمقراطية حقيقية، كونها تتسبب بغياب ثقافة المساواة والحوار المتبادل.

التسلط في الشرق ذهنية نفسية واجتماعية تكاد تكون هي السائدة في مختلف المواقع، وفي تفاصيل حياتنا اليومية. ولو أردنا أن نتفحص التفاصيل الكامنة وراء ذلك، فإننا سنقف عند ما يمكن تسميته بتفشي ظاهرة الأعلى والأدنى في الثقافة المحلية.

إن السلطة الأبوية التي تظهر بصورة مارد داخل المنزل يمارس سيادته الذكورية على باقي أفراد أسرته، يهشم من خلالها الشخصية المستقلة للزوجة والأبناء، ويتحكم بجبروت مطلق في تعيين مسار العائلة وطبيعة علاقاتها ونظامها الداخلي والخارجي من دون رادع يحد من سطوته، هذه الممارسة، إنما تنطلق من قناعة راسخة بأحقية الأب في فرض سلطته اللامحدودة على من هم دونه، فهو صاحب السلطة العليا، والكلمة الأولى والأخيرة.

الأسرة في قبضة أب سلطوي لا يمكن إلا أن تدار بقرار أحادي الوجهة. فهو يعتقد بأن الخطأ لا يمكن أن يصدر منه، حتى وإن اتخذ القرار في ظروف نفسية مضطربة وغير سوية، أو في لحظات شديدة التوتر والحساسية، وعلى الجهة الأدنى منه أن تتقبل قراراته بطواعية كاملة، حتى وإن كانت غير مقتنعة بها، فلا توجد فرصة للحوار، أو تبادل الرأي، إلا في حدود ما يكفل تنفيذ إرادة رب الأسرة.

هذه الصورة بحذافيرها تتكرر في المؤسسة الدراسية، سواء في طبيعة علاقة المعلمين بطلابهم، والتي تحكمها حالة الإملاء والأمر من طرف الأعلى والتلقي والاستجابة من طرف الأدنى، أم في طبيعة المناهج التلقينية وافتقارها خاصية التفاعل بين الطالب والمعلومة. فالمطلوب من الطالب في بلداننا حفظ المواد والمعلومات وتكديسها في الذهن، وليس التعامل معها أو تفكيكها. ولذا تنمو ذهنيته من الناحيتين العلمية والتربوية على استقبال المعلومات بسلبية مطلقة، ويتفاقم عجزه عن محاكاة المعارف والتجارب العلمية.

ثقافة الوصاية تهيمن على الذهنية العربية

وينسحب ذلك أيضا على مؤسسات خطرة ومؤثرة مثل مؤسسة المسجد والهيئات الدينية. فعلى الرغم من أن خطباءنا يذكروننا ويذكرون أنفسهم دوما بسيرة صحابة النبي الأكرم، وبأنهم كانوا يتلقون الآيات البينات من صوت السماء، فيبادرون إلى تطبيقها بصورة فورية، إلا أنهم في الغالب لا يتقبلون تطبيق هذه الفكرة على المستوى العملي في بلدانهم أو في أوساطهم الدينية والحركية، ويدعمون دور الوسائط الدينية بصفتهم القادرين وحدهم على قراءة النص المنزل واستيعابه، حتى في المسائل التي لا دخل للوسائط الدينية بها، بما يحول وظيفة علماء الدين من صفة التوجيه والإرشاد إلى صفة القيمومة والوصاية على حياة الناس في جميع أمور حياتهم المادية والمعنوية.

إن مكانة علماء الدين وأدوارهم محفوظة بلا أدنى شك، لكن توسعتها وهيمنتها على حياة الأفراد بهذه السعة، أدى إلى تعطيل قدرة الأتباع على اتخاذ القرار في شؤونهم اليومية، حتى أوقفت بعض الجماعات قرار دخولها في الشأن السياسي المحلي على قرار قيادات دينية في الخارج، تعتقد أنها أكثر وعيا منها، وتعطلت أو تنشطت مشروعات اجتماعية وثقافية وخيرية بناء على إرادة وتوجيهات دعاة لا يكادون يفقهون أبسط متغيرات المرحلة، ولم تتردد جماعة محلية مؤخرا من إرسال برقية عاجلة إلى القائد الديني في بلد مجاور لاتخاذ قرار الدخول في تحالف انتخابي داخلي، ولم يخف القائد بدوره تحفظه من التحالف، ما لم يحقق غايات جماعته السياسية والمالية في حالة أشبه بالوصولية والتبعية المفرطة.

ثقافة الأعلى والأدنى هي إحدى الثنائيات التي ابتليت بها مجتمعاتنا الشرقية بصورة مثيرة للألم، حيث تعزز من قيم الطاعة والاستجابة للأوامر على حساب قيم المشاركة وإبداء الرأي والجرأة على اتخاذ القرار وتحمل تبعاته. فالأعلى الذي يتمثل حينا بصورة أب أو زوج أو معلم أو فقيه أو عمدة أو زعيم سياسي، دائما هو على حق وقراراته صائبة، بينما الأدنى الذي يتمثل بصورة ابن أو زوجة أو تلميذ أو تابع أو مواطن بسيط، دائما على خطأ وقراراته قاصرة، وطالما أن الأعلى دائما على حق، فما الحاجة إلى تلمس رأي الأدنى؟

نتاج ثقافة الأعلى والأدنى تتسبب بغياب ثقافة الحوار المتبادل

ويبدو لي أن هذه الثقافة هي وقود النزعة التسلطية التي تفرض نفسها على الجميع. فالأعلى يمارس سلطته على الأدنى، الذي هو بدوره يبحث عن أدنى منه ليمارس دور الأعلى عليه. فالابن المقهور تحت سلطة أبوية مستبدة لا يتورع عن قهر زوجته وأبنائه متى ما أتيحت له الفرصة، والزوجة المقهورة تغلق منافذ الحوار مع أبنائها، وصاحب السلطة الدينية «الأعلى» يهدد أتباعه «الأدنى» بإخراجهم من خط الاستقامة، إذا خالفوا أوامره في القضايا السياسية أو الفكرية أو الاجتماعية، فيما لا يتردد هؤلاء الأتباع في ممارسة التسلطية ذاتها، وبنبرة أكثر حدة، على من هم دونهم.

نتاج ثقافة الأعلى والأدنى تتسبب بغياب ثقافة الحوار المتبادل، والاختيار الحر، وضيق الأفراد من الاستماع إلى الرأي الآخر، وعدم قبولهم لإفرازات الديمقراطية ونتائج صناديق الاقتراع، والتقليل من شأنها، والعمل على تسفيهها في الخطابات الداخلية، واعتبار الديمقراطية عبئا اجتماعيا ثقيلا لا يصلح إلا للاستهلاك الإعلامي، أو لتحقيق المآرب الشخصية دونما قناعة كاملة بها، لتكون الديمقراطية في مشروع ضد الديمقراطية.

وهي ثقافة لا يمكن التخلص منها إلا من خلال ترسيخ ثقافة المساواة في الحقوق والواجبات بين الأفراد. لقد عمل الإسلام على تحطيم المفاهيم التي استعبدت الناس، أو حدت من حرياتهم العامة، ودخل في مواجهات عنيفة لاستئصال مفاهيم الاستعباد والاستبداد وتحرير الناس من سلطة الناس، وقد آن الأوان للعودة إلى القيم السماوية التي جاءت لتحرير البشر ورفض استعبادهم من قبل سلطة سياسية أو اجتماعية أو دينية.

أحمد شهاب
حقوق الطبع: قنطرة 2009

أحمد شهاب كاتب وإعلامي كويتي معروف.

قنطرة

موقع المرأة في أجندة الإسلاميين
مجرد ورقة تجميل

اهتمت الحركات الإسلامية بتوجهاتها المعتدلة والمتشددة بتوظيف المرأة داخل برامجها السياسية، لكنها في الغالب لم تسع لتأهيلهن لتبني المسؤولية والمشاركة الفاعلة في اتخاذ القرار، وهو ما انتهى إلى تهميش الوجود النسائي داخل هذه الحركات بحيث لا يتعدى وظيفة التجميل الرمزي. أحمد شهاب في قراءة لموقع المرأة في أجندة الإسلاميين المعاصرين.

حوار مع الكاتب محمد الرميحي حول الانتخابات التشريعية الكويتية:
"التشدد مدعاة للتشدد المضاد"

يرى الأكاديمي والإعلامي الكويتي البارز، محمد الرميحي، أن نتائج انتخابات مجلس الأمة الكويتي الأخير إيجابية وتعكس تنوع المجتمع وديناميكيته، وأن حصول المرأة على أربعة مقاعد نيابية يشكل نقلة نوعية وحضارية في مسيرة المجتمع الكويتي. هشام العدم حاور الإعلامي الرميحي حول قراءته لنتائج الانتخابات الكويتية.

الحركة النسوية الإسلامية في المغرب:
"مطلوب قراءة معاصرة للإسلام تقر بكينونة المرأة" تقر بكينونة المرأة"

تدعو الناشطات الإسلاميات في مجال حقوق المرأة في المغرب إلى تبني طريق يطلق عليه اسم "الطريق الثالث" يجمع حداثة تربط التصوّرات الأخلاقية العالمية بالمثل الإنسانية العليا في الإسلام. بيد أنَّ مبدأهن هذا تعتريه أيضًا نقاط ضعف منهجية. تقرير أعدته مارتينا صبرا.