"التشدد مدعاة للتشدد المضاد"

يرى الأكاديمي والإعلامي الكويتي البارز، محمد الرميحي، أن نتائج انتخابات مجلس الأمة الكويتي الأخير إيجابية وتعكس تنوع المجتمع وديناميكيته، وأن حصول المرأة على أربعة مقاعد نيابية يشكل نقلة نوعية وحضارية في مسيرة المجتمع الكويتي. هشام العدم حاور الإعلامي الرميحي حول قراءته لنتائج الانتخابات الكويتية.

ما هي قراءتكم الأولية لنتائج انتخابات البرلمان الكويتي الجديد؟

محمد الرميحي: القراءة الأولى تؤكد بأن النتائج كانت إيجابية وتتجه إلى النضج. ولأول مرة نحصل على أربع سيدات في المجلس وهذا تطور تاريخي، انتخبن مباشرة بكل حرية وإرادة من قبل الناخبين. كما أن انتخابهن لم يتم من قبل النساء وحسب، بل من قبل الرجال أيضا، وبنسبة تصويت عالية. مثل ذلك يعطي مؤشرا على نضج العملية السياسية والانتخابية في الكويت. كما أن هذا يشكل تعبيرا عن مجتمع مستنير، له مشوار ديمقراطي طويل منذ عام 1962.

لقد آتت العملية الديمقراطية أكلها وظهرت تركيبة برلمان متنوع، يعكس أيضا في بنيته تنوع المجتمع الكويتي. فهو في المحصلة مجلس معتدل، على الرغم من بعض الأفراد هنا وهناك الذين يميلون إلى التشدد. وعلينا أن نذكر بشجاعة القيادة الكويتية في إصرارها، أمام التشدد، بتمكين المرأة الكويتية في السماح لها بالمشاركة، وأيضا في توزيرها أكثر من مرة منذ سنوات وذلك في إشارة إلى الجمهور للثقة في عمل المرأة في النشاط العام.

عادة ما توصف المجتمعات العربية بأنها مجتمعات سلطوية ذكورية، فهل هذا الفوز التاريخي للمرأة الكويتية في هذه الانتخابات هو مؤشر على تغيير في هذه العقلية؟

الرميحي: أعتقد أن هذا الأمر هو مؤشر إيجابي وهو أمر قابل للتوسع في المستقبل، فاحدى المرشحات وهي المحامية ذكرى الرشيدي قد حصلت على نسبة عالية من أصوات في دائرة انتخابية "المنطقة الرابعة"، حيث توصف هذه الدائرة بأنها محافظة، صحيح أنها لم تستطع الوصول إلى مركز يؤهلها الدخول إلى البرلمان، ولكنها نافست بشدة. فمن الواضح أن هناك وعيا جديدا في البلد أخذ يتشكل وتتبلور ملامحه.

أعتقد أن هناك مجموعة من العوامل قد ساهمت في ذلك ومنها: خطاب سمو أمير البلاد في 18 مارس/آذار الماضي الذي وجه فيه البلاد إلى السير نحو مزيد من الشفافية والالتفات إلى مستقبل الكويت بعيدا عن المماحكات والتجاذبات السياسية وكان الخطاب شفافا وصادقا وقال "أعينوني باختيار الأفضل" وقد استجابت قطاعات واسعة من الشعب إلى ذلك النداء. كما أن حضور المرأة في العمل العام شجع المجتمع على قبول المرأة وأشاع وعيا جديدا حول دورها في المجتمع وقدرتها على الاطلاع بمسؤولياتها الملقاة على عاتقها. بالإضافة إلى ذلك نجاحات هؤلاء السيدات في مناصبهن أعطى أيضا مزيدا من الحضور لهن سواء على المسرح السياسي أم الاجتماعي. غير أن ذلك يبقى الفيصل في الحكم على مستقبل مشاركة المرأة السياسية في الكويت، بمعنى أن لغة الإنجازات هي التي ستحدد مدى هذا الحضور مستقبليا.

كما ساهم تشكل هيئات من المجتمع المدني ومطالبتها بمزيد من الدور للمرأة والمشاركة السياسية لها في إذكاء الوعي الجمعي المجتمعي لدور المرأة. فمثلا، نحن في صحيفة "أوان" تبنينا شعارا مباشرا يدعو إلى دعم المرأة في العملية الانتخابية تحت شعار حملة أوان لمناصرة المرأة المرشحة "انتخبوا أخت الرجال" " اسمحوا لها هالمرة". كما أن النضال التاريخي للمرأة الكويتية على مدى عشرات السنوات ساهم أيضا في دعم مسيرتها ومشاركتها وحضورها. فكل هذا يحمل إشارات ودلالات على مجتمع مدني متحضر، تشكل المرأة فيه مقوما أساسيا في نهضته.

هل يمكن أن تكون المشاركة السياسية للمرأة الكويتية نموذجا يحتذى به في العالم العربي؟

الرميحي: نعم، ردود الأفعال التي جاءت من منطقة الخليج العربي كانت إيجابية. ولعل ما يميز انتخاب المرأة الكويتية أيضا أنه كان مباشرا وعن قصد من خلال الناخب، في حين تجارب برلمانية عربية أخرى كانت تنحصر فيها مشاركة المرأة السياسية والبرلمانية من خلال التعيين أو الكوتا . فمثلا، د. معصومة المبارك فازت بنسبة غير مسبوقة من قبل الرجال والنساء في تاريخ الانتخابات الكويتية قاطبة.

إذن فنحن أمام ظاهرة اجتماعية ولدت في سياق طبيعي نتيجة لنضج المجتمع الكويتي والدور الإعلامي بكافة أشكاله من مقروء ومسموع ومرئي الذي دفع بهذا الاتجاه ، وكذلك وعي الجيل الشاب بأهمية المرأة ودورها. كذلك تأثير العولمة على تغيير أنماط التفكير والتوجهات لدى الناخبين، فمثلا كان الكويتيون يتندرون في حملتهم الانتخابية بأنه إذا كان الأمريكيون قد أوصلوا شخصا ملونا إلى سدة الحكم، فلم لا نوصل نحن امرأة!

ولكن في المقابل أظهرت النتائج تراجعا قويا للإسلاميين، فهل هناك من تفسير لهذا الأمر؟

الرميحي: أعتقد أن القراءة التي تقول أن هناك تراجعا للإسلاميين هي غير دقيقة بشكل عام وذلك لأن تيار الإسلام السياسي في الكويت يمتاز بالتنوع والتعدد. فهذه الانتخابات أفرزت نتائج متنوعة ومتباينة في داخل طيف الأحزاب الإسلامية في البلاد، فمثلا هناك إسلاميون شيعة، ربما تكون لهم علاقات مع المتشددين في المنطقة العربية مثل حزب الله على سبيل المثال، شهدوا تراجعا نسبيا، لكن لم يختفوا من المشهد السياسي الكويتي. في حين شهدت الحركة الدستورية الإسلامية -حركة الإخوان المسلمين- تراجعا بسبب مواقف بعض نوابها في البرلمان المنحل، حيث قدموا استجوابا لرئيس الوزراء ولم يكن في حقيقة الأمر بالمنطقي، ما دفع الناس إلى التشكك في طرقهم السياسية وحصلوا على مقعد واحد فقط بسبب انتماء ذلك العضو القبلي قبل انتمائه السياسي.

أما التيار السلفي فقد شهد تراجعا جزئيا بسبب انشقاقات التيار الداخلية وفقط وصل اثنان منهم إلى البرلمان. ولكن هناك ما يسمى بــ"الإسلاميين المستقلين"، حيث نجح ثلاثة منهم في الوصول إلى مجلس الأمة. نعم فنحن أمام تنوع كبير في المشهد السياسي الإسلامي في الكويت وربما أن هذا التنوع قد أفقد هذه التيارات بعض المقاعد في البرلمان. في حين شهدنا تقدما لبعض الإسلاميين المستقلين، إلا أن هذا لا يمنع من وصول بعض المتشددين إلى البرلمان الجديد. وانأ أرى أن التشدد مدعاة للتشدد المضاد، وأن علاج مشاكل الديمقراطية وإفرازاتها يجب أن يكون بالديمقراطية.

كيف تفسرون حصول الشيعة على مقاعد إضافية في البرلمان الجديد؟ وهل لذلك دلالات إقليمية؟

الرميحي: لا.... أنا أعتقد أن هذه المجموعة الصغيرة التي تقول إن لها ارتباطات إقليمية خارجية، تراجع نفوذها في هذه الانتخابات. فالنواب الشيعة الذين وصلوا إلى البرلمان الحالي وصلوا بأصوات الرجال والنساء السنة أيضا وهم في أغلبهم معتدلون ووطنيون. فالنواب الشيعة اتخذوا من الاعتدال رسالة ومنهجا وجعلوا من المواطنة ممارسة وعملا . إذن أي ربط لحصول الشيعة على مقاعد متقدمة بتيارات شيعية إقليمية متشددة هي قراءة عجلى وغير دقيقة ولا توحي بأي ارتباطات أو امتدادات إقليمية. فهذه نتيجة ولدت من رحم تنوع المجتمع الكويتي وتواصل النواب مع القاعدة الشعبية بغض النظر عن الانتماءات المذهبية.

أجرى الحوار: هشام العدم
حقوق الطبع: قنطرة 2009

محمد الرميحي كاتب وباحث كويتي، ويعمل أستاذا لعلم الاجتماع السياسي في جامعة الكويت. ويشغل كذلك رئيس تحرير صحيفة أوان اليومية، كما كان رئيسا أسبق لمجلة العربي الكويتية الواسعة الانتشار. وحصل في عام 2003 على وسام الشرف برتبة (فارس) في الثقافة من حكومة الجمهورية الفرنسية . كما كان عضو ا في مجلس أمناء معهد تاريخ العلوم العربية والإسلامية – فرانكفورت عام 1998 – 2002. من مؤلفاته: الخليج 2025 والبترول والتغير الاجتماعي ومعوقات التنمية الاقتصادية والاجتماعية في بلدان الخليج العربي.

قنطرة

المرأة الكويتية أمام تحد جديد
أول مشاركة نسائية في الانتخابات البرلمانية
بعد نضال طويل تمكنت المرأة الكويتية من الحصول على حقها في المشاركة في الانتخابات ترشيحا وتصويتا. وجاء حل مجلس الأمة الكويتي ليسرع من وصول المرأة الكويتية إلى قبة البرلمان. القسم العربي بإذاعة الدويتشه فيله يتناول هذا الموضوع في حوار مع الأستاذة عائشة الرشيد، الناشطة والمرشحة للانتخابات والدكتور وليد الطباطبائي، العضو السابق في البرلمان الكويتي عن التيار الإسلامي والمرشح للانتخابات والأستاذ ناصر العبدلي، رئيس الجمعية الكويتية لتنمية الديمقراطية. أدار الحوار أحمد حسو.

حول الحداثة السياسية في العالم العربي:
الانفتاح الفكري بوابة الإبداع
يرى الكاتب الكويتي، أحمد شهاب، أن من أهم مقتضيات دخول العالم العربي في زمن الحداثة السياسية والإبحار في عالم التنمية والإنتاج هو إحلال قيم وأنماط عمل جديدة بدلا من القيم السائدة وهو أمر يتعلق بتغيير بنيوي في الأنماط الثقافية والاجتماعية ولكن من دون قسر وقهر.

موقع المرأة في أجندة الإسلاميين
مجرد ورقة تجميل
اهتمت الحركات الإسلامية بتوجهاتها المعتدلة والمتشددة بتوظيف المرأة داخل برامجها السياسية، لكنها في الغالب لم تسع لتأهيلهن لتبني المسؤولية والمشاركة الفاعلة في اتخاذ القرار، وهو ما انتهى إلى تهميش الوجود النسائي داخل هذه الحركات بحيث لا يتعدى وظيفة التجميل الرمزي. أحمد شهاب في قراءة لموقع المرأة في أجندة الإسلاميين المعاصرين.

إلى الموقع الالكتروني للدكتور محمد الرميحي