أبرز محاولات الدول العربية لتشريع الحشيش
الحشيش ممنوع والخمرة مش ممنوعة. طب ليه؟ ده يسطل المخ ودي تلطش المخ. ده حرام ودي حرام. ده يضر بالصحة ودي تضر بالصحة. الحشيش غالي والخمرة أغلى منه. اش معنى القانون متحايز للخمرة؟ القانون بيفوت للخمرة علشان ندفع عليها ضرائب. طيب خليه بيفوت لحشيش وندفع عليه ضرائب".
هذه التساؤلات طرحها الفنان المصري عماد حمدي، في فيلم "ثرثرة فوق النيل"، المقتبس عن رواية الأديب العالمي نجيب محفوظ، عام 1971. وتعد هذه التساؤلات أول دعوة شهيرة لتقنين الحشيش في العالم العربي، والتعامل معه مثل الخمور.
بعد رواية محفوظ بسنوات، بدأت بعض الدول بالتفكير جدياً في تقنين الحشيش، لعدة أسباب، منها تحصيل أموال لخزانة الدولة، وتقليل نسبة المدمنين.
وشهدت بعض الدول مطالبات ومقترحات بتقنين المخدر الذي يُدخنه الملايين في المنطقة العربية، من بينها مصر، والمغرب، وتونس، ولبنان، على غرار ما فعلته هولندا، والأورغواي، والولايات المتحدة الأمريكية ودول أخرى كثيرة.
مصر: الدعوة إلى التقنين تُواجه رفضاً مجتمعياً ورسمياً
قبل عامين، طالب رئيس رابطة تجار السجائر في مصر، أسامة سلامة، الحكومة بتقنين الحشيش، موضحاً أن ذلك يوفر للدولة ملايين الجنيهات، ويُقلل من استهلاكه.
يقول سلامة لرصيف22: "المبالغ التي يجرى صرفها على تجارة الحشيش بطريقة غير شرعية، يمكن توفيرها من خلال فرض الضرائب، مثل الخمور. التقنين يُنعش الاقتصاد المصري. فلننظر إلى الدول الأوروبية. سيوفّر قرابة أربعة مليارات دولار للخزينة"، مشيراً إلى أنه لم يكرّر الدعوة بسبب الهجوم الذي تعرّض له.
بعد ساعات من دعوة سلامة الحكومة بتقنين الحشيش، تصدر هاشتاغ #قننوا_الحشيش موقع تويتر، وغرّد مئات المصريين، مؤيدين مطلب التقنين، فيما عدّد آخرون مزاياه.
السياسي المصري البارز أسامة الغزالي حرب أيّد تقنين مخدر الحشيش، وقال إن الدولة فشلت في منعه، فلماذا لا تفكر في تقنينه، موضحاً أن التقنين يقلل من استخدامه، لأن الأشياء الممنوعة تزداد الرغبة في اقتنائها.
رفض مجتمعي ورسمي سرعان ما ظهر ضد مقترح التقنين، وأصدر صندوق مكافحة الإدمان الحكومي بياناً قال فيه إن تقنين الحشيش يشكل تهديداً حقيقياً للسلم المجتمعي، كونه سبباً رئيسياً في حوادث السير في مصر، إذ تخطى عدد ضحايا السير فيها 15 ألفاً.
ورفض السلفيون المقترح، وغرّد أنصار التيار الإسلامي ضد الفكرة، بدعوى أن "مصر بلد سُني، والحشيش من المحرّمات"، كما قال أحدهم. يُضاف إلى ذلك، استضافة وسائل إعلام مصرية أساتذة علم اجتماع أعلنوا رفضهم للتقنين.
المغرب: رئيس الحكومة يرفض التقنين
كانت المغرب في طليعة الدول العربية التي تشهد مقترحات جادة لتقنين الحشيش، إذ تتصدر مع أفغانستان قائمة أكثر الدول إنتاجاً وتصديراً لنبتة القنب الهندي أو الحشيش، وفق تقرير للهيئة الدولية لمراقبة المخدرات. وحسب وزارة الداخلية، تعيش نحو 90 ألف عائلة عاملة في المجال الزراعي في شمال البلاد من عائدات الحشيش.
وذكر تقرير لوزارة الخارجية الأمريكية أن نسبة إنتاج القنب في المغرب ارتفعت أواخر عام 2016، ليساهم بقرابة 23 مليار دولار من إجمالي الدخل القومي.
أصوات كثيرة طالبت بتقنين الحشيش في المغرب تصدّرها عبد الحكيم بن شماس، قيادي بحزب الأصالة والمعاصرة المعارض للحكومة، بسبب وجود مناطق فقيرة تعيش على زراعته، ويعاني أبناؤها من الملاحقات القضائية. وأضاف أن التقنين يساعد في تحسين ظروف سكان الريف.
أحد السكان في ريف شمالي المغرب، تحدث لرصيف22 وقال إن طبيعة الأرض لا تسمح بزراعة شيء آخر غير القنب الهندي، موضحاً: "زراعة تلك المادة تجلب لسكان تلك المنطقة دخلاً أكثر من زراعة الخضروات والفاكهة، وتساعدهم على المعيشة".
في المقابل، رفض رئيس الحكومة السابق، عبد الإله بنكيران، المنتمي لحزب العدالة والتنمية ذي التوجه الإسلامي، مقترحات التقنين أمام البرلمان المغربي، رداً على مشروع قانون تقدم به حزب "الأصالة والمعاصرة"، للاستفادة من زراعة الحشيش في المجالين الطبي والصناعي وإخراجها من قائمة الممنوعات.
وقال بنكيران: "اطلعت على دراسة تؤكد أن 2% فقط من الحشيش يُستخدم لأغراض طبية"، معتبراً أن "التقنين شرعنة للمخدرات ودمار للأمة بأكملها"، فيما استنكر الائتلاف المغربي من أجل الاستعمال الطبي والصناعي للكيف، موقف رئيس الحكومة، وطالبوا بدراسة الأمر مرة أخرى، لكن بنكيران رحل، وظلت الدعوات قائمة، دون أن تُبت.
دخلت تونس على خط الدول التي جرى الحديث فيها عن تقنين الحشيش (الزطلة، كما يسمونها) بعد الثورة التي أطاحت الرئيس زين العابدين بن على.
ظلت المقترحات قائمة من قبل ناشطين، في وقت اكتظت السجون بالأشخاص الذين جرت معاقبتهم بالحبس لتعاطيهم المخدر، الأمر الذي وثقّته منظمة هيومن رايتش ووتش بقولها: "بعض السجون كانت تعمل بطاقة 150%. ولذلك، يجد الشخص المدان باستهلاك جزء صغير من مادة الزطلة (الحشيش) نفسه في زنزانة مكتظة مع سجناء مدانين بجرائم خطيرة".
وقال وزير العدل التونسي، في يناير الماضي، أمام البرلمان، إن ستة آلاف و700 سجين زُج بهم في السجون من أجل تعاطيهم المخدرات عام 2016 .
يقول شهاب، وهو الاسم المستعار الذي اختاره لنفسه شاب تونسي لرصيف22، إنه يُدخن الحشيش منذ سنوات، وأًلقي القبض عليه بسبب "نصف سيجارة"، وصدر حكم ضده بالحبس سنة، ودخل السجن في زنزانة واحدة مع أشخاص متهمين بالقتل.
ويضيف: "لماذا أدخل السجن؟ لماذا أفقد سنة من حياتي؟ لماذا لا يقننونه مثلما فعلت أوروبا؟ هذا يجلب أموالاً مثل الخمور". واتفق شهاب مع ناشطين على موقع تويتر، وأطلقوا هاشتاغاً نهاية عام 2016 تحت مسمى #نريد_قانون_للزلطة، لكنه، وفق قوله، لم يلقَ تفاعلاً واسعاً.
ويُلزم القانون التونسي رقم 52 المعمول به منذ عام 1992، المحاكم بفرض عقوبة الزامية بالسجن لمدة لا تقل عن سنة على كل من يُدان باستخدام أو حيازة مخدر غير قانوني، بما يشمل القنب الهندي أو الحشيش. كما يفرض عقوبة بالسجن 5 سنوات على من يعاود ارتكاب الجريمة نفسها.
ويعارض الرئيس الحالي الباجي قائد السبسي هذه العقوبات المشددة ووعد بتعديلها أثناء حملته الانتخابية. وفي أواخر أبريل الماضي 2017، صوّت البرلمان لتعديل قانون العقوبات على استهلاك المخدرات.
وتسمح التعديلات للقضاة بالاجتهاد، ما ينتج عنه تفادي السجن في بعض الحالات، أخذاً بالظروف التخفيفية.
بعد تعديل القانون، يفكر ناشطون في الضغط على الحكومة لتقنين الحشيش، أحدهم قال لرصيف عبر موقع التواصل الاجتماعي، وهو ناشط في المجتمع المدني: "نفكر جدياً في إطلاق حملة لحث السلطة على تقنين الحشيش، وسنقدم شهادات من منظمات طبية عالمية تفيد بأنه مادة لا تسبب الإدمان".
وأضاف الناشط أن الأزمة الاقتصادية التي تمرّ بها تونس قد تكون عاملاً مساعداً للضغط على الحكومة، لأن التقنين يوفرّ أموالاً طائلة، إذ يتخطى عدد مدخني الحشيش في تونس 300 ألف.
عام 2014، دعا النائب والزعيم السياسي وليد جنبلاط، إلى السماح بزراعة الحشيش، لأنها ستجلب أموالاً تدعم الاقتصاد، مستشهداً بالفترة التي شهدت فيها البلاد الحرب الأهلية (1975 - 1990)، حين كانت زراعة الحشيش مزدهرة، وأدخلت ملايين الدولارات، قبل أن يجرى القضاء عليها، ليس بشكل كامل، عقب انتهاء الحرب.
وفي ظل قلة موارد الدولة، طرح وزير السياحة السابق، فادي عبود، اقتراحاً يدعو إلى تشريع زراعة الحشيش للاستعمالات الطبية والتصدير، ما دامت الدولة فشلت في منع زرعه. وأعقب ذلك أكثر من هاشتاغ على موقع تويتر، منها: "إذا شرّعوا الحشيش بلدنا بيوفي ديونه بسنة".
ونشطت زراعة الحشيش في لبنان في السنوات الخمس الأخيرة، حسب تقارير صحافية، ويرفض المزارعون التخلي عنه، بسبب أرباحه المرتفعة مقارنة بأيّة زراعة أخرى، كما هو الحال في المغرب.
في المقابل، رفض خبراء اقتصاد التقنين، بدعوى أنه مهما كان مردود تشريع زراعة الحشيش، فإن الكلفة ستكون أعلى، وتأثيراتها السلبية على إنتاجية الشباب والصحة والأجيال الجديدة أكبر بكثير، وفق تصريحاتهم للصحف اللبنانية.
رضا غنيم
حقوق النشر: رصيف 22