حزب العدالة والتنمية والتدمير الذاتي: نهاية مأساوية لإخوان المغرب؟
يتجه حزب العدالة والتنمية، الذي راهن عليه المغاربة كثيرا، من أجل إتمام مشروع الانتقال الديمقراطي المجهض؛ مع حكومة التناوب، لأن يصبح رقما عاديا في المعادلة السياسية والحزبية بالمغرب، بعدما دخل بكل طواعية وانصياع مرحلة التدمير الذاتي. فإخوان سعد الدين العثماني على ما يبدو، دخلوا في سباق مع الزمن، قصد تحقيق تطبيع كامل مع المخزن، قبل حلول سنة 2021، موعد الانتخابات التشريعية المقبلة.
قبِل الإسلاميون؛ طوعا أو كرها، تنفيذ قرارات سياسية جريئة، لم ترد الإشارة إليها في البرنامج الانتخابي للحزب. في حين كان سياسيون كثر ممن سبقوهم لمواقع التدبير، يتحاشون حتى الحديث عن مثل هذه القرارات في الأماكن العامة، مخافة أن تنسب لهم، ما يعني تحميلهم المسؤولية المعنوية عنها.
لعل آخر هذه القرارات، ما فرضته وزارة المالية من إجراءات ضريبية متشددة، تتعلق بنظام الفوترة الإلكترونية، واشتراط التعريف الضريبي الموحدة للمقاولة في المعاملات التجارية، وكذا الإجراءات الجمركية المرتبطة بالمراقبة ومساطر الحجز.
برّرت الحكومة هذا الإجراء بكونه يرد ضمن حزمة الإصلاحات الرامية إلى محاربة التهرب الضريبي، وفرض مزيد من الضبط على قطاع الأعمال. فيما اعتبره التجار والمهنيون محاولة لاستهداف أضعف الفئات في الدورة التجارية؛ ممن هم بلا ضمانات ولا حماية اجتماعية أصلا.
بعيدا عن مواقف الأطراف من هذه الإجراءات، وما يكتنفه من حسابات سياسوية تسعى أحزاب إلى استثمارها لمصلحتها. يكشف التعامل الحكومي مع ملف التجار غياب الرؤية الاستباقية، والمقاربة التشاركية والتواصل الكافي مع الأطراف المعنية. والاكتفاء بدلا عن ذلك، بمنطق تدبير الأزمات والقيام بدور الإطفائي، ما يزيد من فداحة الخسائر واهتزاز منسوب الثقة لدى المواطن في المؤسسات.
نقطة سوداء في سجِل حكومة الإسلاميين، تضاف إلى قائمة قرارات فجائية لم تحظ بالعناية والتقدير اللازمين، على غرار مرسوم الساعة الإضافية، الذي اتخذ ساعات قبيل العودة إلى التوقيت القانوني المعمول به، المصادف لتوقيت غرينيتش العالمي، علاوة على قرار إعادة الخدمة العسكرية الإجبارية، التي لم يرد حديث بشأنها في البرنامج الانتخابية للأحزاب السياسية، ولا حتى البرنامج الحكومي الذي نالت بمقتضاه الحكومة ثقة البرلمانيين.
ويتوقع أن يلتحق بذات القائمة قريبا القانون الإطار رقم 51.17 المتعلق بالتربية والتعليم، بعدما عجز البرلمان على تمريره في دورته الاستثنائية، والذي يتضمن بنودا ترمي إلى تحويل التعليم الذي ظل منذ الاستقلال، وحتى قبله في فترة الاستعمار، خدمة عمومية إلى خدمة مؤدى عنها، بإقرار رسوم على أبناء الأسر الميسورة. لكن الحكومة تناست، وهي تضع هذا المقتضى في مشروع القانون، أن أبناء الميسورين لا يلجون المدارس العمومية أصلا. أكثر من ذلك، لم يتردد حزب الحكومة التي تقدم بمشروع القانون في معارضته، وإيقاف النقاش بشأنه بمبرر لغوي، ما يضفي على المعارضة في هذا السياق طابعا هوياتيا بدل أن تكون سياسية.
زد على ذلك أن مبادرة تشريعية من هذا النوع، في قطاع حيوي بالنسبة للمغاربة قاطبة، يفترض أن يسبقها حوار وطني بمشاركة كافة أطياف المجتمع. هذا ناهيك على أن الحكومة بإقرارها لقانون الإطار هذا، تضع نفسها مأزق قانوني، إذ لا يعقل أن تسن قانونا عاديا سوف تؤطر مقتضياته قانونين تنظيميين (اللغة الأمازيغية، المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية) لم يريا النور بعد، ويشكلان جوهر العملية التعليمة.
قد تكون بعض القرارات، التي اتخذتها الحكومة السابقة أكثر وقعا وأشد تأثيرا، لكنها كانت مصحوبة بالتواصل المستمر مع المواطنين من أجل الإقناع. فرئيس الحكومة السابق كان رجل تواصل بامتياز، بلغة بسيطة استطاعت شريحة واسعة من المغاربة البسطاء، فهمها والتجاوب معها. كما أنها ترد في خضم معركة كبرى بين السلطوية والإرادة الشعبية، فبعد كل إجراء على المواطن العادي، يليه إجراء في الجهة الأخرى (اللوبيات، المتنفذين، المستفيدين...)، ما جعل فئة عريضة من الشعب تتحمل ذلك، إيمانا منها بضرورة المساهمة الجماعية في الإصلاح المنشود.
هل أصبح إخوان المغرب مخزنيين أكثر من المخزن نفسه؟
يكتفي رئيس الحكومة الحالي بالتنفيذ، بلا أي اهتمام بالآثار والتداعي التي قد تكون وراء بعض القرارات التي تخدم فئة معنية، ما حول العدالة والتنمية إلى حزب يدافع عن مصالح نخبة معينة في الدولة، لا الفئات الشعبية التي ينحدر منها معظم قادته، والتي منحته أصواتها في ثلاثة استحقاقات متوالية، بالرغم من كل ألاعيب السلطوية قصد ثنيها عن ذلك.
لم يتردد الإسلاميون على الصعيد الحقوقي في تبرير القمع، وشرعنة تجاوزات الدولة في أكثر من ملف (الريف، جرادة...). وقد بلغ التبرير حد التشكيك في تقارير مؤسسات دستورية رسمية، من قبيل تقرير المجلس الوطني لحقوق الإنسان حول أحداث الريف، الذي يقر بوجود انتهاكات، وتعرض المتظاهرين للتعذيب.
واكتفوا حيال المحاكمة السياسية للصحفي توفيق بوعشرين، وهو القلم الحر الذي دافع عنهم؛ وبكل شجاعة وجرأة، وفتح لهم صفحات جريدته في زمن تكالبت عليهم الدولة العميقة بصحافتها الصفراء، التي تتلقى دعما من بلدان إقليمية معروفة، بالدعوة إلى توفير شروط المحاكمة العادلة، في وقت لم تحترم فيه العديد من الإجراءات المسطرية البديهية!
وتحول خيار التعاقد في الوظيفة العمومية (الأساتذة المتعاقدين) إلى ورطة حقيقية، يحاول الإسلاميون التنصل من أي مسؤولية بشأنه، فبعدما سوقوا للمشروع منذ بداياته مع حكومتهم الأولى بأنه خيار استراتيجي وحل سحري لكافة مشاكل الإدارة العمومية بالمغرب، ارتدوا عنه معتبرين التعاقد مخرجا لتدبير مشكلة الموارد البشرية في بعض القطاعات فقط، قبل أن يهتدوا إلى تعليق كل حديث بشأنه بعدما هدد شبح السنة البيضاء المدرسة المغربية هذا العام.
تصر السطلوية على إشراب حزب العدالة والتنمية من ذات الكأس، التي شرب منها "الاتحاد الاشتراكي" بعد مشاركته في حكومة التناوب، بإغراقهم في إجراءات وقرارات لا تبقى ولا تدر من شعبيهم. خطة لا يهتم بها كثيرا إخوان العثماني، فهم يتطلعون إلى انتخابات 2021 بأعينهم جاحظة، بفعل متغيرات الإقليمية وتحولات مواقع السلطة داخل النظام.
باختصار، إنها بداية نهاية مأساوية لإخوان المغرب، ممن حملوا آمال طبقات كثيرة، قبل أن ينصهروا تدريجيا في ماكينة السلطة، فصاروا يبررون ما لا يبرر، وبذلك أصبحوا مخزنيين أكثر من المخزن نفسه.
حقوق النشر: موقع قنطرة 2019
محمد طيفوري كاتب وناشط حقوقي مغربي وباحث في كلية الحقوق في جامعة محمد الخامس في الرباط. عضو مؤسس ومشارك في مراكز بحثية، عمل سابقاً لدى المركز العلمي العربي للدراسات والأبحاث.