في المغرب: مخاوف من تقلص الحريات المدنية و"بروباغاندا عنصرية حول الريف"
في 26 حزيران/يونيو 2018، حُكِم على قائد حركة احتجاج مناهض للحكومة المغربية باسم "الحراك الشعبي"، ناصر الزفزافي، بالسجن لمدة 20 عاماً بعد اعتقاله في أيار/مايو من عام 2017 بتهمة "إعاقة حرية العبادة". وبالمجمل، فقد حُكِم على 54 ناشطا مناهضا للحكومة بأحكام طويلة بالسجن من قبل محكمة الدار البيضاء، وقد حصل ثلاثة منهم، بالإضافة للزفزافي، على حكم بالسجن لـ 20 عاماً وهو الأطول، كما حصل سبعة متظاهرون آخرون على أحكام بالسجن تتراوح بين 10 إلى 15 عاماً. كما حُكم على الصحفي حميد المهداوي بالسجن لثلاثة أعوام. قاد الزفزافي مظاهرات كبيرة في نيسان/أبريل من عام 2017 في مدينة الحسيمة ومنطقة الريف المغربي الشمالية ضد عدم المساواة وفساد الحكومة، وقد طالبت المظاهرات بوظائف ومشافي أفضل ودعم اجتماعي. وقد جاءت الاحتجاجات بالأساس كرد فعل على مقتل بائع السمك محسن فكري، الذي قُتِل في الحسيمة حين رفض دفع رشوة لمسؤول محلي، أمر حينها أن تسحقه شاحنة جمع القمامة بينما كان يحاول إنقاذ صيده المُصادَر. ومنذ ذاك الحين، تحدت حركة مناهضة للحكومة تدعى الحراك الشعبي "حراك الريف" ضد ما يصفونه بتحكم وبحكرة النخبة الحاكمة.
إجراءات قضائية "متأثرة بالحكومة" سُجن الزفزافي في الدار البيضاء، خارج منطقة الريف، حيث احتُجز لأشهر في حبس انفرادي. ثم قاطع هو وبقية السجناء السياسيين في الدار البيضاء جلسات محاكمتهم اللاحقة، زاعمين أن الإجراءات القضائية كانت تتأثر بالحكومة. ونتيجة لذلك فقد حُكِم على السجناء غيابياً. تقول صوريا الكحلاوي، عضوة لجنة التضامن مع معتقلي الحراك، والتي تعمل مع عائلات السجناء السياسيين في الدار البيضاء، وحضرت المحاكمة: "نُطِق الحكم من دون وجود السجناء أو عائلاتهم؛ كان ذلك صادماً، كنا نحضّر للمحاكمة لمدة عام، غير أننا حين سمعنا الأحكام كنا مصدومين". كما قالت الكحلاوي أن الزفزافي وأربعة سجناء آخرين، رفضوا تقديم استئناف ضد الإدانات كجزء من مقاطعتهم للإجراءات القانونية واحتجاجاً على ما يصفونه بمحاكمة غير عادلة. أما المعتقلون المحتجزون في سجن عكاشة في الدار البيضاء، فمضربون عن الطعام منذ 29 حزيران/يونيو 2018 في شكوى على ظروف السجن وسلوك سلطات السجن. مقاومة شعبية أثارت الأحكام القاسية رد فعل في كل أنحاء البلد. أُعلِن عن إضراب عام في الحسيمة، التي شهدت تمركز أعداد كبيرة من أفراد الجيش والشرطة في المدينة كرد فعل على الحركة المناهضة للحكومة. إذ يقول الناشطون إن ما يقارب من 1000 متظاهر من متظاهري الحراك قد اعتُقل مند ظهور الحركة. كما نظّم ناشطو الحراك أيضاً مقاطعة واسعة النطاق ضد شركات مملوكة لرجال أعمال يُنظر إليهم على أنهم قريبون للحكومة المغربية. ورداً على ذلك، حاولت قوات الأمن المغربية إغلاق المنطقة وحدّت من الحصول على المعلومات حول الحراك من خلال قطع شبكة الإنترنت بشكل متفرق. وضغطت السلطات على وكالات الأنباء للحد من تغطية حركة الاحتجاج. ومع ذلك فقد أثارت الأحكام احتجاجات تضامناً مع السجناء السياسيين في أنحاء المغرب، إذ نُظِّمت مظاهرات في الدار البيضاء والرباط وأغادير. كما نُظِّمت وقفات تضامنية في أمستردام ولاهاي وبروكسل وتونس وباريس ومدريد وتورينو وفرانكفورت. وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، قارن المغاربة بين الحكم على الزفزافي بـ 20 عاماً وبين الحكم على مغتصِب طفل مدان بعامين فقط.
وكما تقول الكحلاوي: "استجابة الدولة على متظاهري الحراك لم تكن بالقمع فقط، بل أيضاً بما أسميه بروباغاندا عنصرية حول الريف وشعبه، وقد كانت هذه أكثر الحركات سلمية تطالب ببساطة بمطالب اجتماعية أساسية، أين هو المنطق في هذا؟ بدأ الجميع هنا يخافون ليس من الاعتقال فحسب، بل أيضاً من المناخ السياسي الذي تخلقه الدولة". فللريف تاريخ إشكالي مع قمع الحكومة المركزية. والمنطقة، التي كانت خاضعة للادارة الاستعمارية الإسبانية بدلاً من الفرنسية. وتملك تاريخاً استعمارياً منفصلاً عن غالبية المغرب. وقد كانت التمردات متكررة ضد السيطرة الإسبانية وبعد استقلال المغرب. يقول المحللون ومنتقدو الحكومة إن هناك منافذ قليلة للتعبير عن عدم الرضى في النظام السياسي الرسمي، لا سيما في الريف. فالنظام السياسي يهيمن عليه قصر الملك محمد السادس والمجلس الملكي، هيئة تنفيذية يعمل بها زملاء الدراسة السابقين للملك في الكلية الملكية في الرباط. حكم قاسٍ يحتمل أن يكون خطراً يبدو أن الرأي العام في المغرب يشعر أن احكام السجن الصادرة بحق ناصر الزفزافي والمتظاهرين الآخرين قاسية بشكل مفرط، وفقاً لـِ إساندر العمراني، مدير مجموعة الأزمات الدولية في شمال إفريقيا، التي مقرها في الرباط. يقول العمراني: "لا يظن العديد أنهم يستحقون هذه الأحكام، كما أن هناك عددا كبيرا ممن يظنون أن الحكم خطر ولن يقوم إلا بتأجيج العنف أو المزيد من الاحتجاجات".
أما الإجراءات الأمنية المكثفة في الريف فلم تؤدِّ، في الوقت الراهن، إلى رد فعل كبير في وسط وجنوب البلاد، بيد أن معاملة الحكومة للمعارضين أدت إلى الخوف من المزيد من القلاقل. كما يأمل بعض المراقبين أن عفواً ملكياً عن الزفزافي والمتظاهرين، والذي يمكن أن يصدر خلال أحد أيام العطلة الصيفية، يمكن أن يؤدي إلى تخفيف حدة التوتر. وسواء أكان هناك عفو أو غيره، فإن معاملة متظاهري الريف هو دليل على أن المغرب يتحرك باتجاه قمع سياسي أكبر، وفقاً للعمراني. "من الريف إلى قضايا المحاكم ضد الصحفيين والهجمات على المجتمع المدني، هناك إحساس عام بتقلص الحريات". توم ستيفنسونترجمة: يسرى مرعيحقوق النشر: موقع قنطرة 2018ar.Qantara.de