المسيحيون في باكستان...عرضة للاضطهاد وضحية للشائعات
منذ أن بات المسيحيون الباكستانيون في بؤرة الاهتمام من خلال التفجيرين اللذين استهدفا كنيستين في ضاحية يوحنا أباد في مدينة لاهور في منتصف شهر آذار/مارس 2015، أضحت هذه الأقلية تعيش بشكل متزايد في خوف من الاضطهاد. وهذا الهجوم الانتحاري، الذي أسفر عن قتل أربعة عشر شخصًا وجرح ثمانين آخرين، أدَّى نتيجة لذلك إلى إثارة سلسلة من أعمال الشغب، التي تم فيها قتل شخصين مسلمَيْن يشتبه في تورُّطهما في هذا الاعتداء، حيث تم إحراقهما وهما على قيد الحياة من قبل حشود الغاضبين. وهذا هو أوَّل حادث انتقام عنيف تقوم به الطائفة المسيحية في باكستان.
في بداية شهر أيَّار/مايو 2015 أودع قاضٍ في المحكمة الثالثة الخاصة بمحاربة الإرهاب في مدينة لاهور الباكستانية سبعة وأربعين شخصًا مسيحيًا في الحبس الاحتياطي. ومن المفترض أنَّ شرطة لاهور قد صادرت أيضًا لدى وسائل الإعلام تسجيلات فيديو لهذه الحوادث من أجل تحديد هوية الجناة. وكذلك كشفت مصادر مطلعة عن أنَّ الشرطة ألقت القبض على مئات من المسيحيين الباكستانيين من أجل ابتزازهم وانتزاع الاعترافات منهم. وتحت ستار التحرِّيات المستمرة، أصبحت هذه الأقلية هدفًا للمضايقات.
وفي مقابلة مع موقع قنطرة ذكر ويلسون شودري، رئيس مجلس إدارة "الجمعية الباكستانية البريطانية"، أنَّ هناك أكثر من ثلاثمائة شخص مسيحي يعتبرون في عداد المفقودين، بعد أن تم إلقاء القبض عليهم من قبل الشرطة ضمن إطار التحريات:
"تم مؤخرًا إطلاق سراح ثلاثين صبيًا من دون توجيه تهم لهم. تحدَّث هؤلاء الصبية المفرج عنهم حول إفراط الشرطة في استخدام العنف - بما في ذلك التعذيب من خلال التجويع". وبحسب ويلسون شودري فإنَّ الناس في يوحنا أباد يغادرون بيوتهم في مجموعات، وذلك لأنَّهم أمام خيار التعرُّض للاعتقال أو دفع الضريبة المعروفة باسم "الجزية". وطبقًا لروايات المتضرِّرين فإنَّ الشرطة تبتز هذه الضريبة من الأشخاص العزَّل غير المسلمين على شكل أتاوات.
مهمَّشون لأسباب دينية
وفي مقابلة مع موقع قنطرة أوضح أختار بلوش، وهو عضو لجنة حقوق الإنسان في باكستان، أنَّ جميع الأقليات الدينية في باكستان تعاني حاليًا من وضع مزرٍ. وحول ذلك يقول: إنَّ "الكثيرين من المسيحيين والهندوس قد اضطروا بالفعل إلى الهرب من البلاد بسبب الوضع الحرج بالنسبة لهم".
ويضيف أنَّ حادث قتل الشخصين المسلمَيْن الذي وقع مؤخرًا، قد زاد من غضب المسلمين، الذين يشكِّلون الأغلبية في البلاد، ضدَّ الأقلية المسيحية التي تعتبر حتى قبل ذلك عرضة للتمييز: "حتى أنَّ الكثيرين من الفضوليين قاموا بتصوير جريمة القتل هذه بهواتفهم النقالة ونشروها في وسائل الإعلام الاجتماعية. وهذه الأفلام انتشرت في بيئة مستقطبة، مما جعل الوضع يتفاقم أكثر".
يشير ويلسون شودري إلى أنَّ باكستان تسمي نفسها رسميًا جمهورية باكستان الإسلامية. ومن خلال ذلك يتعرَّض بالفعل معتنقو الديانات الأخرى للتمييز بموجب الدستور. "المسيحيون وضعهم أسوأ بحكم القانون . والأجواء المعادية للمسيحيين تستقطب المجتمع. والمسيحيون في باكستان يتحوَّلون على نحو متزايد إلى هدف للكراهية والتعصُّب. لقد استحوذت على البلاد القوى المحافظة وتفسير الإسلام المتشدِّد"، بحسب تقييم ويلسون شودري.
عابدة فاطمة عاملة اجتماعية تعمل لدى مؤسَّسة خيرية مسيحية معروفة، تقوم حاليًا بإجراء أبحاث حول معاناة المسيحيين في ضاحية حنا أباد في لاهور. وفي لقاء لها مع موقع قنطرة ذكرت أنَّ بعض المصلين المسيحيين، الذين أصيبوا أثناء الهجومين على الكنيستين، قد تم حرمانهم من الرعاية الطبية المناسبة في المستشفيات الحكومية. وتقول إنَّ العديد من المسيحيين تم رفضهم من العمل لدى أرباب عملهم المسلمين.
في باكستان لا يعتبر كسب لقمة العيش أمرًا سهلاً بالنسبة للمسيحيين، الذين تنتمي غالبيتهم إلى أفقر شرائح المجتمع، وذلك لكونهم عمالاً عاديين. ذكر ويلسون شودري في حديثه لموقع قنطرة أنَّ المسيحيين في باكستان كثيرًا ما يتعرَّضون للتمييز أثناء بحثهم عن فرص عمل وكذلك في قطاع التعليم. وذكر في هذا الصدد أنَّ "ستة وثمانين في المائة من المسيحيين في باكستان يعملون كعمَّال نظافة للصرف الصحي والمجاري وكخدم في المنازل أو أنَّهم يعملون في السخرة لتسديد ديونهم. هناك أجيال من أسر عالقون في حلقة الديون المفرغة".
ضحايا العنف الديني
وبالإضافة إلى ذلك تزيد قوانين تجريم ازدراء الأديان والإسلام في باكستان من صعوبة الحياة بالنسبة للمسيحيين في البلاد. وتشير دراسات وأبحاث لجنة الولايات المتَّحدة للحرية الدينية العالمية USCIRF وكذلك منظمة هيومن رايتس ووتش HRW إلى أنَّ هناك أرقامًا مثيرة للقلق من ضحايا العنف الديني في باكستان.
ومن خلال تهم ازدراء الدين الموجَّهة للمسيحيين يعمل رجال الدين المحليين على إشعال بعض الهجمات العنيفة المستهترة. ففي عام 2009 أقدم حشد من المتشدِّدين المسلمين على حرق أكثر من سبعين منزلاً عائدًا لأشخاص مسيحيين في مدينة غوجرات في ولاية البنجاب، وذلك إثر انتشار إشاعات حول تدنيس نسخة من القرآن الكريم.
وفي شهر أيلول/سبتمبر 2013 تم قتل اثنين وثمانين شخصًا وجرح أكثر من مائة شخص في هجوم عنيف استهدف زوَّار كنيسة القديسين في مدينة بيشاور. وفي شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2014 تم حرق امرأة حامل وزوجها وهما على قيد الحياة بتهمة تدنيسهما القرآن الكريم. وفي شهر آذار/مارس من العام الجاري 2015 أقدم رجلان مسلمان على ضرب صبي مسيحي يبلغ عمره خمسة عشرة عامًا، ومن ثم أشعلا فيه النار. وقد كانت "جريمته" المزعومة: أنَّه اعترف بصدق وصراحة بأنَّه مسيحي.
آسيا بيبي، مسيحية باكستانية وأم لخمسة أطفال، تمت محاكمتها مؤخرًا بالإعدام بتهمة ازدراء الدين الإسلامي. أثار هذا الحكم الذي تم تصديقه مؤخرًا انتقادات دولية للوضع القانوني في باكستان. وحاليًا ينتظر أربعة عشر شخصًا في باكستان تنفيذ أحكام إعدامهم بتهمة ازدراء الدين الإسلامي. "حتى الآن لم يتم بعد تنفيذ أي حكم بالإعدام بحقِّ المسيحيين بتهمة انتهاك قانون ازدراء الأديان"، مثلما يقول ويلسون شودري: "لكن مع ذلك فإنَّ مَنْ تتم تبرئته، يبقى عرضة لخطر قتله خارج إطار القانون".
تقول الدكتورة كاترينا لانتوس سويت من لجنة الحرِّيات الدينية الأمريكية: "يجب إلغاء قوانين ازدراء الأديان". ولكنها تعترف في الواقع بأنَّ نجاح هذا الأمر غير محتمل تقريبًا، وذلك نظرًا إلى المناخ السياسي الحالي في باكستان. وفي أثناء زيارتها الأخيرة إلى باكستان التقت الدكتورة سويت بعض ممثِّلي الأقليات، وأشارت إلى أنَّ الكثيرين من المسيحيين في باكستان يخافون من قوانين تجريم الإساءة للأديان والإسلام. وحتى الآن لا تتم محاسبة الأشخاص الذين يستغلون هذه القوانين من أجل تصفية حسابات شخصية.
وفي ظلِّ هذا الوقع فإنَّ ممثِّلي لجنة الحرِّيات الدينية الأمريكية يحثُّون الحكومة الباكستانية على إصلاح قوانين تجريم ازدراء الأديان. وفي لقائها مع موقع قنطرة قالت كاترينا لانتوس سويت: "يجب أن ينص قانون ازدراء الدين على معاقبة الذين يُقَدِّمون اتِّهامات باطلة".
تغيير الخطاب العام
كاترينا لانتوس سويت وويلسون شودري مقتنعان بأنَّ هناك حاجة ملحة إلى تغيير الخطاب العام في البلاد. وبحسب رأي ويلسون شودري يجب أن يعكس دستور باكستان رؤية مؤسَّس دولة باكستان وواضع دستورها، محمد علي جناح. وحول ذلك يقول ويلسون شودري: "محمد علي جناح كان يريد دولة علمانية، من المفترض أن يتمكَّن فيها جميع أتباع الطوائف المختلفة من العيش على أساس المساواة أمام القانون. لذلك يجب على الحكومة الباكستانية أن تلغي المادة الدستورية التي تنص على أنَّ الإسلام هو دين الدولة، لتفتح الباب بذلك أمام المساواة الحقيقية".
وكذلك يجب - بحسب رأيه - أن يتم إلغاء المادة الدستورية التي تنص على أنَّ المسلمين فقط بإمكانهم تولي منصب رئاسة الوزراء. وهذا سيكون بالنسبة للأقليات بمثابة رسالة تشير إلى الاعتراف بهم وبتمتعهم بالمساواة الاجتماعية.
ومن ناحيتها تعتقد كاترينا لانتوس سويت أنَّ هناك بعض التغييرات، التي يمكن إجراؤها بالاعتماد على حملة إعلامية عامة تطلقها الحكومة الباكستانية في جميع أنحاء البلاد. وفي هذه الحملة يتعيَّن أن يتم التأكيد على الدور التاريخي الذي لعبته الأقليات الدينية في البلاد وتقدير مساهمتها في بناء باكستان.
"يجب أن يتم تذكير الشباب في باكستان بأنَّ الشريط الأبيض في العلم الباكستاني يشير إلى الأقليات الدينية وهو كذلك رمز للاعتراف بالمساواة، في حين أنَّ الأخضر يمثِّل الإسلام ويشير بذلك إلى غالبية المسلمين في باكستان"، مثلما تقول كاترينا لانتوس سويت.
روما راجبال فايس
ترجمة: رائد الباش