تحالف إسلامي يهودي ضد يمين ألمانيا الشعبوي
يهود في "حزب البديل من أجل ألمانيا" AFD؟ هذا يبدو للوهلة الأولى غير معقول - ذلك لأنَّ هذا الحزب يثبت مرارًا وتكرارًا أنَّ لديه مشكلة عداء للسامية: فحزب البديل من أجل ألمانيا هو الحزب الذي يريد بحسب نظامه الأساسي فرض حظر على نَحْر المواشي، مما يجعل حياة العديد من اليهود في ألمانيا أكثر صعوبة.
وهو الحزب الذي أشاد نائبُ رئيس كتلته في مجلس منطقة مارتسان في مدينة برلين بـ"السياسة الحكيمة لحامي الرايخ راينهارد هايدريش"، وهذا الأخير هو منظِّم مؤتمر فانسي حول "الحلّ النهائي للمسألة اليهودية" (أي إبادة اليهود في عهد النازيين). أو رئيس مجموعته البرلمانية في برلمان ولاية تورينغن، السيِّد بيورن هوكه، الذي وصف النصب التذكاري للمحرقة في برلين بأنَّه "نصب العار" وطالب بـ"تغيير سياسة النصب التذكارية 180 درجة" - وهذه ليست سوى بعض الفضائح القليلة المعادية للسامية لدى هذا الحزب في الأعوام الأخيرة.
وعلى الرغم من ذلك فإنَّ هذا الحزب بالذات، حزب "البديل من أجل ألمانيا"، يقدِّم نفسه كخيار انتخابي لليهود: لأنَّه يهتم بشكل خاص بأعمال العنف المعادية للسامية المرتكبة من قبل شباب من أصول عربية ويدافع عن تقييد الهجرة من مناطق الثقافة الإسلامية.
حلفاء مشكوك فيهم
من المعروف أنَّ ظاهرة الأحزاب اليمينية الشعبوية، التي تُصوِّر نفسها كحليف للجاليات اليهودية، ليست جديدة، بل يمكن ملاحظتها في كلِّ مكان داخل أوروبا. فعلى سبيل المثال: أعربت مارين لوبان، رئيسة "التجمع الوطني" الفرنسي، الذي كان اسمه حتى شهر حزيران/يونيو 2018 "الجبهة الوطنية"، عن تعاطفها مع حزب الليكود بزعامة بنيامين نتنياهو، وكذلك استغل الهولندي خيرت فيلدرز من "حزب من أجل الحرية" رحلاته إلى إسرائيل لهذا الغرض نفسه.
وبحسب زعيم حزب الحرية النمساوي، هاينتس كريستيان شتراخه فإنَّ حزبه يعارض بشدة كراهية اليهود. كذلك لقد برَّر رئيس الوزراء المجري، فيكتور أوربان أجندته المعادية للهجرة بأسباب منها كفاحه المزعوم ضدَّ كراهية اليهود. وفي هذا الصدد يتم اتِّباع استراتيجية مشابهة من قبل الأحزاب اليمنية الأخرى، مثل حزب الديمقراطيين السويديين وحزب "المصالح الفلامية" Vlaams Belang البلجيكي أو الحزب اليميني الإيطالي "رابطة الشمال" Lega Nord.
ولكن عاجلًا أو آجلًا يسقط القناع في كلِّ مكان: فيكتور أوربان يقود منذ أعوام حملة ضدَّ المستثمر اليهودي الأمريكي جورج سوروس، الذي يقوم بتمويل العديد من منظمات حقوق الإنسان؛ ويتَّهمه أوربان بأنَّه يريد من خلال تشجيع الأسلمة "نزع الطابع المسيحي" عن أوروبا.
تعتمد نظرية المؤامرة هذه على كليشيه مُحرِّك الدمى اليهودي، الذي يُحدِّد السياسة العالمية من وراء الكواليس. وحتى رئيس الكتلة البرلمانية عن حزب الحرية النمساوي في برلمان ولاية فيينا، يوهان غودِنوس يعتقد أنَّ جورج سوروس "قد حاول بكثير من رأس المال تمويل جميع اتجاهات الاضطرابات المحتملة". وكذلك يتم نشر نظرية المؤامرة هذه المعادية للسامية من قبل موقع "العالم الحر" Die Freie Welt، التابع لشبكة "التحالف المدني" Zivile Koalition، التي تتم إدارتها من قبل نائبة زعيم حزب البديل من أجل ألمانيا، السيِّدة بياتريس فون شتورخ.
لا يمكن على المدى الطويل أن يسير التحالف بين اليهود واليمينيين الشعوبيين. وذلك لأنَّ اليمينيين الشعبويين يعارضون معاداة السامية فقط عندما يستطيعون من خلال ذلك الترويج لأجندتهم المعادية للهجرة والمهاجرين. وفي الواقع لا يتعلق الأمر باليهود بتاتًا. وحزب البديل من أجل ألمانيا لم يقم بتأسيس المجموعة اليهودية لديه بسبب اهتمامه باليهود كفئة من الناخبين. فعدد اليهود في ألمانيا أقل من أن يكون مفيداً لذلك.
في الحقيقة إنَّ الأمر كله يتعلق بغير اليهود، الذين يريدون تبرير خوفهم من الاستيلاء المفترض على أوروبا من قبل المسلمين بخوف اليهود من معاداة المسلمين للسامية. واليهود هنا مجرَّد وسيلة لتحقيق غاية.
يجب على اليهود التحالف مع الأقليات الأخرى
إذا كان حزب البديل من أجل ألمانيا معنيًا حقًا بالتصدِّي لمعاداة اليهود، فيجب عليه أيضًا التنديد بمعاداة السامية داخله ولدى الألمان التقليديين. ولكنه لا يركِّز إلَّا على الجرائم المعادية للسامية المرتكبة من قبل المهاجرين. وفي الوقت نفسه يجد في هذا الحزب جميع أعداء اليهود الطبيعيين ترحيبًا: من أصحاب نظريات المؤامرة المعادين للسامية إلى المقلِّلين من شأن المحرقة وحتى منكريها.
ولذلك يجب على اليهود في ألمانيا وفي أوروبا ألَّا يحاولوا بأي حال من الأحوال التقرُّب من اليمينيين الشعبويين، بل يجب عليهم السعي إلى التحالف مع غيرهم من الأقليات المهمَّشة والمهدَّدة من قبل اليمينيين الشعبويين - والتحالف أخيرًا وليس آخرًا مع المسلمين.
لأنَّ المبادرات، التي تهدِّد الحرية الدينية لدى الأقليات - مثل التقييد المُطَالَب فرضه من قبل حزب البديل من أجل ألمانيا على نحر المواشي بحسب الشريعة اليهودية (كوشير) والإسلامية - من الممكن أن تشكِّل في وقت قريب جدًا تحدِّيات للجاليات اليهودية والمسلمة.
آرمين لانغَر
ترجمة: رائد الباش
حقوق النشر: دوتشه فيله/ موقع قنطرة 2018
آرمين لانغَر ولد في عام 1990، ودرس الفلسفة واللاهوت اليهودي في بودابست والقدس وبوتسدام. يعيش ويعمل كصحفي في برلين، وهو كذلك مؤلف كتاب "يهودي في نويكولن - طريقي إلى تعايش الأديان" وناشر مجموعة مختارات "التغريب وإعادة التوجيه".