ضرورة المحافظة على تعددية المسلمين

أظهر "المؤتمر الإسلامي الألماني" الثالث من جديد أنَّ الجدال الدائر حول إضفاء الطابع المؤسساتي على الإسلام ودمجه في ألمانيا في شكل منظمة مركزية واحدة لا يطرح فقط أسئلة حول قدرة هذه المنظمة المطلوبة سياسيًا على تمثيل الإسلام والمسلمين في ألمانيا، بل يحمل مخاطر توظيف الإسلام سياسيا. تعليق لؤي المدهون.

​​تم التوصّل الآن في مؤتمر الإسلام الألماني DIK إلى نتيجة أولية موضوعية محددة تتجلى بتدريس مادة التربية الإسلامية في مدارس ألمانية في السنين القادمة وهو الأمر الذي اتّفق عليه ممثلو الحكومة الألمانية وممثلو الجمعيات والروابط الإسلامية في ألمانيا الذين شاركوا في المؤتمر - على الرغم من بعض الجدالات والخلافات الحادة؛ غير أن الكثير من المشاركين المسلمين طالب بإيجاد شكل آخر لتدريس مادة العلوم الإسلامية: أي مادة التربية الإسلامية غير المنحازة والتي يتم تدريسها في نصف المقاطعات الاتحادية الألمانية.

أما وزير الداخلية الاتحادي، فولفغانغ شويبله، فقد كان يعتبر مادة التربية الإسلامية مبادرة إيجابية من شأنها أن تعمل على تشجيع اندماج المسلمين في المجتمع الألماني. لكن على الرغم من ذلك اضطر شويبله بسبب العديد من التساؤلات المطروحة و"الأخطار" التي من المحتمل أنَّها سترافق ذلك إلى الإسراع في تحديد مدى حملته والاعتراف بأنَّ الشرط الرئيس لإدخال مادة التربية الإسلامية في المدارس الألمانية ما يزال غير متوفّر في الوقت الحاضر.

من يتحدّث باسم الإسلام في ألمانيا؟

هذه الخطوة تشترط الاعتراف بمنظمة مركزية إسلامية باعتبارها هيئة رسمية تمثّل المسلمين، أي المطلب الرئيس الذي تطالب به المنظمات الإسلامية الأربع الكبرى ذات السمة المحافظة، "المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا" ZMD و"مجلس الإسلام لجمهورية ألمانيا الاتحادية" Islamrat و"الاتحاد التركي الإسلامي التابع لهيئة الدين الرسمية" DITIB و"اتحاد المراكز الثقافية الإسلامية" VIKZ.

أسست هذه المنظمات الأربع في شهر آذار/مارس 2007 "مجلس تنسيق شؤون المسلمين في ألمانيا" KRM وصارت تحاول منذ ذلك تحديد القواعد الخاصة بعملية التفاوض على الموافقة الاجتماعية على دمج الإسلام في ألمانيا - على الرغم من أنَّ هذه المنظمات لا تمثّل أكثر من عشرة في المائة من المسلمين في ألمانيا.

نتيجة لذلك وضع شويبله من دون قصد الأسئلة الرئيسية المطروحة حول عملية إضفاء الطابع المؤسساتي على الإسلام في محور اهتمام النقاش؛ أسئلة طرحت بالترتيب عمن يمتلك حقّ السيادة في تفسير الإسلام الألماني وعمن يتحدّث باسم المسلمين؟

مادة التربية الإسلامية بدلاً عن العلوم الإسلامية

​​ من البدهي أن يتم السماح بتدريس مادة التربية الإسلامية وما يرتبط بها من تفسير للإسلام ومواضيع تعليمية وأهداف تربوية بإشراف الدولة الدستورية ومن قبل مدرِّسين متخرِّجين في ألمانيا. وكلّ ما عدا ذلك سيكون ببساطة غير مسؤول ولا يتلاءم تقريبًا مع الدستور الألماني.

أما إذا كان هذا الشكل من تدريس مادة التربية الإسلامية في المدارس الرسمية سوف "ينافس الوعّاظ الذين يدعون للحقد"، مثلما يأمل شويبله، فهذا أمر مشكوك جدًا في نجاحه، وذلك لأنَّ الأسباب الحقيقية للتطرّف تعتبر في العادة ذات جوانب متعدّدة وأكثر تعقيدًا من أن يتم التصدي لها بإجراء واحد فقط.

إشكالية غياب التمثيل الموحَّد

من الطبيعي أن تعقد الدولة الدستورية آمالها على شريك في حوار يمثّل جميع المسلمين، إذا أخذنا في عين الاعتبار أنَّ الدولة الدستورية تحتاج إلى إبرام اتّفاقات ملزمة مع ممثّلين لأهم المجموعات في المجتمع.

وبالإضافة إلى ذلك من المحتمل أن يكون تحقيق هذه الآمال شبه مستحيل ضمن إطار هذا المؤتمر وفي شكله الحالي - ليس فقط لأنَّ الإسلام لا يعرف البنى التنظيمة كما هي الحال في النظام الكنسي، بل كذلك لأنَّ النقاش الذي يدور حتى الآن يبيِّن بصورة واضحة أنَّ ممثّلي المسلمين، خاصة ممثّلي أعضاء الجمعيات والروابط الإسلامية، غير متّفقين من حيث المبدأ على الإقرار بالقوانين الأساسية التي يتضمنها الدستور الألماني .

من الواضح أنَّ خطوط النقاش والجدال لا تمتد، في الجدال الدائر حول "دمج الإسلام" في ألمانيا منذ الدعوة إلى عقد مؤتمر الإسلام الألماني قبل عام ونصف العام، ما بين الدولة العلمانية وممثّلي الجمعيات والروابط الإسلامية الذين شاركوا في المؤتمر، بل على الأرجح أنَّ خطوط النزاع الذي يدور حول "الإسلام الألماني" والحياة الإسلامية تمتد ما بين أعضاء الجمعيات والروابط الإسلامية والمسلمين الليبراليين غير المنتظمين في منظمات، الذين استوعبوا منذ فترة طويلة القيم الاجتماعية الألمانية والذين يفهمون الإسلام باعتباره جزءا مهمًا من هويتهم الثقافية.

المحافظة على تعددية المسلمين

لا يجوز بطبيعة الحال للنقد الموجَّه إلى التنظيم الحالي لمؤتمر الإسلام الألماني أن يجعلنا نغفل عن أنَّ الحوار الصعب مع ممثّلي المسلمين غير المتجانسين يعتبر وسيبقى كذلك ضروريًا ولا يوجد له بديل. وفضلاً عن ذلك لا يجوز أن يقوم هذا الحوار على أساس الخوف من الإرهاب الإسلاموي، بل على أساس مصلحة الدولة الدستورية واهتمامها في المحافظة على التعايش الاجتماعي السلمي ودمج المسلمين في ألمانيا.

إنَّ الرغبة في إضفاء الطابع المؤسساتي على الإسلام في ألمانيا في شكل منظمة مركزية لا تطرح فقط أسئلة حول شرعية وقدرة هذه المنظمة المطلوبة سياسيًا لتمثيل الإسلام في ألمانيا، بل تؤدّي كذلك إلى خطر جعل الإسلام أداة سياسية.

لهذا السبب سيكون من الحكمة بمكان وبكلِّ تأكيد من وجهة نظر الدولة أن لا تترك حقّ السيادة في تفسير الإسلام فقط لأعضاء الجمعيات والروابط الإسلامية، وأن تتعامل بصراحة أكبر مع أصوات المسلمين غير المنتظمين في منظمات وأن تبذل مزيدًا من الجهود للمحافظة على تعددية المسلمين، إذ إنَّ هذه التعددية الإسلامية الداخلية تقي وحدها من خطر جعل الإسلام أداة سياسية، الأمر الذي يتوافق مع مبادئنا الأساسية الحرّة والديموقراطية.

لؤي المدهون
ترجمة: رائد الباش
قنطرة 2008

قنطرة

صورة الإسلام في ألمانيا:
"تطبيع التغطية الإعلامية ضرورة ملحة"
تثبت الكثير من الدراسات وعلى الرغم من تحقيق بعض التقدّم أنَّ صورة الإسلام التي تنقلها وسائل الإعلام الواسعة الانتشار مازالت تركز على الجوانب والمدلولات السلبية. الخلاف والاختلاف حول هذه الجوانب كان محور مؤتمر خاص عقد في برلين. لؤي المدهون يعرض أهم مجريات هذه النقاشات ومحاور هذا المؤتمر.

الإسلام في الإعلام الألماني:
حقائق مختلقة وصور مشوهة
أصبح الإسلام منذ مقتل المخرج الهولندي فان كوخ محورا لاهتمام أجهزة الإعلام من جديد. ولكن من الملاحظ أن الكثير من التقارير عن المسلمين والإسلام تفتقد إلى الدقة في البحث وتتسم بعرض أنصاف الحقائق. تحليل سابينه شيفر.

قمة الاندماج:
فرصة لدعم مساعي اندماج المهاجرين في المجتمع الألماني
قمة الاندماج تشير إلى الأهمية التي توليها السياسة الألمانية لموضوع الأجانب في ألمانيا. تسعى الحكومة الاتحادية إلى صياغة سياسة ناجحة لاندماج المهاجرين في المجتمع الألماني، لذلك اجتمعت المستشارة الألمانية ميركل مع عدد من ممثلي منظمات المهاجرين بهدف مناقشة العقبات، التي قد تحول دون تحقيق الاندماج في ألمانيا.