مروان البرغوثي...نيلسون مانديلا الفلسطيني؟
لا شيء يمكن أن يثير الفلسطينيين ويقلقهم في هذه الأيَّام إلى هذا الحدِّ مثل مصير ذويهم وأقاربهم، الذين يقبعون خلف قضبان السجون الإسرائيلية. لا توجد تقريبًا أية أسرة في الضفة الغربية وقطاع غزة لم تعانِ من اعتقال أحد أفرادها. منذ عام 1967 دخل السجون الإسرائيلية نحو ستمائة ألف فلسطيني، وحتى أنَّ البعض يتحدَّثون عن ثمانمائة ألف فلسطيني. لقد تم تكريس يوم خاص للأسرى والمعتقلين الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، هو يوم الأسير الفلسطيني، الذي يصادف في السابع عشر من نيسان/أبريل من كلِّ عام.
وهذا التاريخ له دلالته الرمزية كيوم من أجل التعبئة في الداخل والخارج. لذلك فليس صدفة أنَّ مروان البرغوثي، وهو أعلى قيادي في حركة فتح مسجون في إسرائيل، قد اختار هذا اليوم بالذات للدخول في إضراب جماعي عن الطعام لأجلٍ غير مسمى من أجل تحسين ظروف الاعتقال في السجون الإسرائيلية. وقد استجاب لدعوته إلى الامتناع عن الطعام والشراب باسم "الحرِّية والكرامة" حتى كتابة هذا النص نحو ألف وخمسمائة معتقل فلسطيني. ومنذ أن بدأ الإضراب لا يكاد يمرُّ يوم واحد من دون أن يخرج في كلِّ مكان في بيت لحم ونابلس ورام الله أو في مدينة غزة أنصارُ المعتقلين وأقاربهم إلى الشوارع من أجل تعبيرهم عن دعمهم المعنوي.
كما عبَّرت السلطة الوطنية الفلسطينية عن تضامنها مع الأسرى المضربين عن الطعام، وكذلك الرئيس محمود عباس، ولكن من دون أن يذكر اسم مروان البرغوثي. وهذا بحدِّ ذاته يشير إلى أنَّ هذا الإضراب لا يتناسب في الواقع مع المفهوم السياسي لمحمود عباس؛ الذي يوجد لديه موعد في الثالث من أيَّار/مايو 2017 في البيت الأبيض للقاء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. فتصعيد الوضع في الأراضي الفلسطينية لن يساعده على كسب تعاطف واشنطن مع القضية الفلسطينية.
إعلان الحرب على محمود عباس
وبالإضافة إلى ذلك فإنَّ هذا الإضراب الذي أطلقه مروان البرغوثي يتم فهمه في رام الله أيضًا كشكل من أشكال إعلان الحرب على محمود عباس. ويُقال إنَّ مروان البرغوثي يُحاول فقط فرض دوره القيادي. غير أنَّ أتباعه ينفون هذا بشدة، ويقولون إنَّ أكثر من ألف سجين جائع لن يخاطروا بصحَّتهم فقط لمساعدة البرغوثي على زيادة نفوذه السياسي، بل إنَّ لهم مطالب واقعية جدًا، وهي:
المعاملة الإنسانية والرعاية الطبية المناسبة وزيادة تصاريح الزيارة لأسرهم وتوفير هواتف عمومية في السجون من أجل البقاء على اتِّصال بزوجاتهم وأولادهم، مع أنَّ مثل هذه المحادثات تتم مراقبتها على أية حال، ويُسمح بها للمجرمين في السجون الإسرائيلية، ولكن ليس للسجناء الذين يتم تصنيفهم من قِبَل إسرائيل بسبب قيامهم بهجمات أو غيرها من أعمال المقاومة كـ"سجناء أمنيين".
وكذلك يطالب الأسرى المضربون عن الطعام بإلغاء الاعتقال الإداري، الذي يعود إلى فترة الانتداب البريطاني. وفي ظلِّ هذا الإجراء يوجد حاليًا خمسمائة فلسطيني، من بينهم خمسة عشر نائبًا منتخبًا، معتقلين من دون أن يعرفوا بماذا هم متَّهمون بالضبط أو متى سيتم إطلاق سراحهم. ومن جانبه لا يستطيع رئيس منظمة التحرير الفلسطينية، محمود عباس الوقوف من دون دعم هذه المطالب، إذا كان لا يريد خسارة ما تبقَّى من شعبيَّته المتضائلة على أية حال.
مروان البرغوثي - جذَّاب وقريب من الجماهير
وفي الوقت نفسه يحتل مروان البرغوثي مرتبة عالية على مستوى شعبية سياسيي حركة فتح. وكثيرًا ما يرد اسمه عندما يدور النقاش حول الشخص الذي يحقُّ له أن يكون خليفة سياسيًا محتملاً للرئيس الذي غالبًا ما يبدو مرهقًا ومتعبًا. يُذكر أنَّ مروان البرغوثي البالغ من العمر سبعة وخمسين عامًا يشتهر بما لا يمتلكه محمود عباس الذي سيبلغ قريبًا عامه الثاني والثمانين: أي الجاذبية والقرب من الجماهير.
لقد زادت شهرته ومكانته بين أبناء شعبه أكثر منذ اعتقاله في السجون الإسرائيلية قبل خمسة عشر عامًا، حيث يقضي حكمًا قاسيًا بالسجن (خمسة مؤبَّدات وأربعون عامًا) حكمت عليه به محكمةٌ مدنيةٌ في تل أبيب بتهمة تورُّطه في هجمات إرهابية.
ومروان البرغوثي لم يقتل أي شخص بيده. فقد كان دائمًا زعيمًا سياسيًا. بيد أنَّ البرغوثي الذي كان في السابق من أشدِّ مؤيِّدي عملية السلام في أوسلو وكان يحافظ على صداقات سياسية مع إسرائيليين، لعب أثناء الانتفاضة الفلسطينية الثانية دورًا رئيسيًا بصفته العقل الإيديولوجي المدبِّر ورئيس ما يُعرف باسم "التنظيم"، وهو مجموعة مسلحة داخل حركة فتح. وحتى أنَّ البعض يصفونه بأنَّه "نيلسون مانديلا فلسطين" - في اشارة إلى المناضل من أجل الحرِّية الأسطوري الجنوب أفريقي، الذي كان يُبرِّر أثناء وجوده في السجن المقاومة المسلحة في ظلِّ ظروف معينة.
وعلى أية حال تُبيِّن استطلاعات الرأي أنَّ مروان البرغوثي هو زعيم فتح الوحيد الذي يمكنه الفوز بكلِّ وضوح على حركة حماس في حالة إجراء انتخابات. وحتى في مؤتمر حركة فتح الأخير المنعقد في تشرين الثاني/نوفمبر 2016، حصل البرغوثي على أكبر عدد من أصوات المشاركين، غير أنَّ محمود عباس لم يُعَيِّنه نائبًا له، بل دفع به نحو التهميش السياسي.
عودة إلى المسرح السياسي
والآن يعود مروان البرغوثي ليظهر من جديد. وبما أنَّ سلطات السجون الإسرائيلية قد نقلته مباشرة بعد بدء الإضراب عن الطعام إلى الحبس الانفرادي، فعلى الأرجح أنَّ هذا سيُعزِّز صورته باعتباره بطلاً حقيقيًا. لقد غضبت إسرائيل بشكل خاص لأنَّ مروان البرغوثي قد شرح في مقال نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" أسباب احتجاج السجناء؛ حيث اتَّهم فيه سلطات السجون الإسرائيلية بـ"التعذيب، والمعاملة اللاإنسانية والمهينة والإهمال الطبِّي".
في عيون القوميين اليمينيين الإسرائيليين يبقى مروان البرغوثي رأس الإرهاب. ولذلك فقد كان السخط أكبر عندما قام صحفيٌ يساريٌ إسرائيلي بمواجهة وزير السياحة الإسرائيلي ياريف ليفين في لقاء على إذاعة الجيش الإسرائيلي خاصةً بالسؤال - الذي يُعَدُّ بمثابة هرطقة وزندقة - عمَّا إذا كان مقاتلو الميليشيات السرِّية اليهودية قبل قيام دولة إسرائيل أيضًا قتلة لئيمين من وجهة نظر سلطة الانتداب البريطاني.
ومع ذلك فإنَّ مروان البرغوثي لا يزال يتمتَّع مثل ذي قبل بالتعاطف داخل معسكر السلام الإسرائيلي. ففي مقال حول إضراب الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين عن الطعام كتب الصحفي الإسرائيلي المعروف أوري أفنيري: "لا بدَّ لي من الاعتراف بأنَّني مُعجب بمروان البرغوثي". وأضاف أنَّه يعتبره "قائدًا بالفطرة"، يمكن أن يلعب للفلسطينيين دورًا حاسمًا في حلِّ الدولتين. قد تكون هذه مبالغة. وعلى أية حال من بين زملائه السجناء البالغ عددهم حاليًا ستة آلاف وخمسمائة سجين يوجد حاسدون غير قليلين للمعتقل السياسي الطموح: مروان البرغوثي، الذي من المفترض أنَّ زنزانته المُجهَّزة تجهيزًا جيِّدًا تُشبه المكتبة.
قدر كبير من احتمالات الصراع
ويبقى أن ننتظر إن كان حسابه سينجح، وإن كان سيتوسَّع في الأسابيع المقبلة الإضراب عن الطعام لينضم إليه أيضًا أسرى ومعتقلو حركة حماس. ومع ذلك فمن المفترض أنَّ مئات من السجناء قد تراجعوا عن الإضراب بعد الأسبوع الأوَّل.
باتت المواجهة بنتيجة مجهولة وبالكثير من احتمالات الصراع وشيكة. فقد أعلن وزير الداخلية الإسرائيلي جلعاد إردان أنه لا يوجد شيء للتفاوض مع السجناء. وأضاف أنَّ مَنْ يمتنع عن الطعام يجب عليه أن يتوقَّع عزله عن الآخرين وخضوعه للمزيد من العقوبات التأديبية. وكإجراء وقائي فقد أمر الوزير جلعاد إردان بتشييد مستشفى عسكري بجوار سجن كتسيعوت. ويُعتقد أنَّ سلطات السجون ستُخضِع في هذا المستشفى الأسرى المضربين عن الطعام للتغذية القسرية، وهو إجراء رفضه حتى الآن الكثير من الأطباء في المستشفيات الإسرائيلية.
لقد نظـَّم الفلسطينيون في السجون الإسرائيلية العديد من الإضرابات عن الطعام، ولكن عادةً ما كانت هذه الإضرابات تنتهي بنجاح ضئيل جدًا. وهذه المرة سلطات السجون الإسرائيلية ليست الوحيدة التي تضغط على الأسرى والمعتقلين. فحتى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نيتنياهو طرح من جديد قضية الأسرى. وفي مقابلة مع قناة "فوكس نيوز" الإخبارية الأمريكية دعا السلطة الوطنية الفلسطينية إلى ضرورة وقف المخصَّصات الشهرية للسجناء وأسرهم، من أجل إثبات استعدادها للسلام.
إنغه غونتر
ترجمة: رائد الباش
حقوق النشر: موقع قنطرة 2017