طراز حلب بعد الحرب...صفوي إيراني أم تركي عثماني؟
غروزني، سراييفو، دريسدن: مدنٌ دُمِّرَتْ في الماضي. واليوم جاء دور حلب. فحاضرة الصناعة السورية بعمائرها التاريخية "تكاد تكون أثراً بعد عين"، كما يقول لي الشاب السوري "ر". ترى العين إلى أقصى مداها دون أن يعترضها حائط، بسبب الدمار:
فحارة "الجديدة" لم تعد جديدة، وحي "التِّلَل" مدمّر جزئياً. وكل الأبنية المحيطة بالقلعة سُوِّيَت بالأرض: "ما إن تنظري في زقاق حتى تُصعَقي"، يقول لي الشاب السوري "ر". ويضيف: "والله ما بدها خرايط" . لم أستطع صياغة هذه العبارة بلغة فصيحة، تركتها لكم كما قالها لي - عبر شبكة الاتصال وهو داخل حلب- بلهجته السورية وهو يحترق ألماً. ويستطرد قائلاً: "ما خلْفَ الجامع الكبير أصبح حطاماً والمدينة القديمة باتت دماراً ".
هذا المدينة التي يعنيها "ر" هي المدينة نفسها التي احتلت صدارة الأحداث والأخبار والمقالات ومواقع التواصل الاجتماعي والاهتمامات الدولية، كما لم تحتلها مدينة أخرى في العالم. فسماؤها لا تخلو من طائرات ترميها بكل أنواع الأسلحة. وأرضها لا تخلو من التدمير لساعة واحدة. كل ما عليها من حجر وبشر أصبح ركاماً. وفي أحسن الأحوال هجرها أصحابها الذين بقُوا أحياءً إلى مناطق أكثر أمناً. لا وقت لأحد ليفكر في هذه المدينة المغرقة في القدم ليلملم ما دمرته يد الحرب، لكن.. ماذا لو انتهى الصراع فجأة، هل ستبقى على الحال نفسه؟ وهل هنالك مَن يفكر بإعادة بناء حلب التي تعود ملكيتها لكل التاريخ؟
[embed:render:embedded:node:24569]
لمعرفة الجواب لجأتُ إلى الباحث الأكاديمي شيخموس علي المختص بآثار الشرق القديم ورئيس جمعية حماية الآثار السورية والباحث في معهد الدراسات العليا بباريس طارحةً عليه بعض الأسئلة ومتسائلةً: كيف بدأ هذا الدمار ؟ ولماذا؟ ومن المسؤول؟ وهل هو فعلا وليد الحرب فقط؟
شيخموس علي: فعليّاً الدّمار بدأ في حلب القديمة من خلال المخالفات عام 2011 -أي حتّى قبل أن تبدأ المظاهرات- وذلك ببناء أبنية حديثة وهدم أبنيه قديمة، فمثلا في الحادي عشر من آب (أغسطس) عام 2011 تم هدم خانٍ عثمانيٍّ قديم بالجرّافات بالقرب من كنيسة الشَّيباني، كمرحلة أولى.
أما المرحلة الثانية للتّدمير فقد ظهرت مع بدء المعارك بين جيش النظام السوري وقوات المعارضة حين دخلت الأخيرة حلب القديمة، حيث تعرضت بعض الأسواق لحرائق شتّى، ونشر النظام قناصته على الأبنية التاريخية ذات الأهمية الاستراتيجية كالقلعة والجامع الكبير .
أمّا فيما يخصّ المرحلة الثالثة فقد كانت على شكل تدمير جزئي لعدد من الجوامع، بما فيها الجامع الكبير أيضاً حيث أنّ تبادل السّيطرة عليه أدّى إلى احتراق الجناح الشّمالي خلال هذه المعارك. تلتها مرحلة رابعة: تمثّلت في القصف بالبراميل المتفجِّرة، وهي مرحلة تدمير ممنهج تعرضت خلالها أسواق وأبنية كثيرة للدّمار .
ومرحلة خامسة تميزت باستخدام قوات المعارضة للمواد المتفجِّرة وحَفْر الأنفاق تحت الأبنية التي تحصّنت بها قوات النظام، كجامع السّلطانية، وفندق الكارلتون والسّرايا وغيرها، وبالتالي تفجير المبنى بشكل كامل.
ولكن ماذا عن الآن؟
شيخموس علي: الآن الوضع يزداد سوءاً مع القصف الرّوسي الذي يستعمل قنابل ذات قوّة تدميريّة هائلة. فعلى سبيل المثال قنبلة واحدة أزالت نصف جامع التوبة، أما أهم الخسائر الآن فهي مئذنة الجامع الأموي بالإضافة إلى بعض الأبراج والأجزاء من سور القلعة التي تهدّمت أيضاً.
كذلك فإن بعض الأسواق وقسماً كبيراً من الأبنية المجاورة للقلعة وصلت فيها نسبة الدّمار إلى سبعين في المائة،أمّا حجم الدمار بشكل دقيق فهو غير معروف حتى الآن، وذلك بسبب المعارك. إذْ لا يمكن في ظلّ استمرارها القيام بإحصاء دقيق.
تحدّثنا طويلا عن التوثيق والانتهاكات. ولكن بودي أن أستوضح منه عن إجراءات هذا التوثيق. فكيف يتم ذلك؟ هل يتم من خلال مشروع مباشر جامِعٍ أم من خلال نُشطاء؟ ووجهتُ له السؤال التالي: "ألكم وجود على الأرض؟ وما مدى فعاليتكم؟وهل مِن تعاون بينكم وبين جهات دولية؟" ثمَّ أضفتُ مازحةً: "يعني وبعيداً عن لغة معمر القذّافي ... ولكن من أنتم؟".
شيخموس علي: حتى الآن لا توجد مشاريع حقيقية لإعادة إعمار حلب، لا من قِبَلِ اليونسكو ولا من قِبَلِ غيرها من المؤسسات المعنية بإعادة إعمار حلب، فبعد ست سنوات من المعارك لا يوجد أي مشروع حقيقي فعليّاً، أي لم يتم تشكيل فرق من الخبراء لتحديد حجم الأضرار وتحديد الأولويات في مرحلة الإعمار ، ولم يتم رصد أية أموال أيضاً لإعادة إعمار حلب ...
هنالك فقط العديد من المؤتمرات والكلام النظري الفارغ، وهذا فشل ذريع سندفع ثمنه غالياً لأن المرحلة الأخطر هي مرحلة ما بعد الحرب ...
وأنا هنا أتحدث بوجه الخصوص عن المنظمات الدولية فهذه المنظمات هي من يجب أن يقوم بهكذا مشاريع -أي إعادة الإعمار - أما نحن فجمعية صغيرة نقوم بالتوثيق فقط. وليس لدينا أية إمكانيات للقيام بمثل هذا المشروع الضخم.
عُدنا إلى محور هذا الموضوع مرة أخرى: "لو طُرح سؤال إعادة الإعمار بشكل مباشر؟ فهل بالإمكان إعادة إعمار حلب في رأيك، وكيف؟".
شيخموس علي: بالتأكيد، من خلال تشكيل لجان من الخبراء تقوم بتحديد الأولويات في كل حي، ثم تحديد مدى الأضرار بكل مبنى وتقدير نسبة الأعمال اللازمة.
ومن ثَمّ إعداد مشاريع ترميم للأبنية المدمَّرة جزئياً. أما الأبنية المدمَّرة بشكل كامل مثل جامع السّلطانية فهذه تحتاج دراسة واتفاقاً بين الخبراء فيما لو كان من المجدي إعادة إعمارها بشكل كامل أم الحفاظ على الأجزاء القليلة المتبقية منها.
علاوة على تقسيم مرحلة الإعمار إلى عدة أقسام مع التأكيد على أن الأولويات، مثلاً أن نبدأ بالأسواق والبيوت والمدارس، وليس القلعة.
حاولت أن أقارن لمرة واحدة بينما ما قاله ضيفي شيخموس علي وضيفي الآخر الذي حاورته لاحقاً، لأجد أنهما يتفقان على نفس هذه النقطة وهي نقطة: "ما بعد الحرب". فهذه الكلمة فتحت الباب لكثير من الفضول لديّ، خصوصاً بعدما أخبرني محاوري الباحث شيخموس بالتالي مؤثراً فيّ ومتأثراً بما قاله:
شيخموس علي: باختصار، حلب ستشهد مأساة بيروت القديمة، سيتّم هدم ما لم يتهدم خلال الحرب ... بواسطة الجرّافات لبناء أبنية وأبراج حديثة، وانظري على موقع جمعيتنا APSA 2011 – Association for the Protection of Syrian Archaeology : فالفِرَق التي كانت تعمل على حماية مقام النبي زكريا ونقل المنبر من الجامع الكبير وأيضاً مقتنيات بيت "بوخا " توقفت عن العمل بسبب غياب الدعم، وأعني بذلك شعبة الآثار في محافظة حلب الحرّة وجمعية حماية التراث.
أثارني الفضول أكثر لأعرف أكثر وأسأل أكثر. حاولت اللحاق به بالتواصل معه عبر شبكة الإنترنت لأقتنص سؤالاً آخرَ وإجابة أخيرة، إذْ كان يحاول اللحاق بطائرته في مطار فرانكفورت، لكنه عاجلني بوابل من الأسئلة:
شيخموس علي: أين مشروع إعادة إعمار حلب؟ أين فرق المختصين؟ أين التمويل؟ لنتصور أنّ الحرب ستتوقف بعد شهر بحلب... ماذا أنتم فاعلون [يقصد المجتمع الدولي]؟ أين مشاريع الإعمار؟؟ هل سينتظر التجار والسكان في الأحياء القديمة سنة أو اثنتين لتقوموا بإعداد المشاريع والبدء بالإعمار؟؟ لماذا لم يتم دعم شباب بحلب القديمة قاموا بأعمال إنقاذ و حماية رهيبة؟
لا شك أنه وضعني في خانة مسؤوليةِ مَن عليه أن يبحث عن مَعنيين في الأمر ليجيبوا عن وابلِ هذه الأسئلة، فتمنيتُ لو يتسنى لي ذلك في أقرب فرصة. فيما بعد تواصلتُ مع المهندس المعماري والباحث الأكاديمي السوري ماهر حميد المهتم بالبحوث التاريخية واللغات السومرية و الأكادية. فقال لي:
ماهر حميد: بكل تأكيد، لم يحن الوقت بعد ...
لكن ما الذي تعنيه بذلك؟
ماهر حميد: ما أعنيه أن إعادة إعمار حلب هي خطة سياسية وعلينا أن نفهم هذه الخطة. فالنظام السوري له حساباته. والأجندة الدولية ابتداءً من دول الجوار وانتهاءً بالدول الكبرى لها حساباتها. ولكن للسوريين أيضاً حساباتهم، فعندما كنتُ طالباً في كليّة الهندسة كان مشروع تخرجي عن حلب القديمة. وفي ذلك الوقت تمكنتُ من الاطلاع -بطريقة من الطرق- على نسخه من الكادستر الفرنسي [السجلات الفرنسية لأراضي حلب] ،وهي خرائط قديمة فرنسية حول حلب، رغم أنه لم يكن بالأمر السهل الاطّلاع على مثل هذه الخرائط.
كانت مذهله حقاً، رغم أنها رُسمت في الثلاثينيات لكنها أكثر دقه من الخرائط التي أجرتها الحكومة السورية عام 1980 بواسطة المسح الجوي، حتى أن الأشجار في بيوت حلب القديمة والنوافير وسط أرض الدِّيار كانت مرسومة فيها.
لكن في ذلك الوقت كان علينا أن نصبّ عنها قالب شمع، حتى نعرف كيف نعيدها كما كانت، لكن النظام مازال يحتفظ بها، إضافة إلى الخرائط التي جرى مسحها من قبل "المساحة العسكرية" كلها موجودة لدى النظام كنسخة ورقية.
والنظام الآن يعمد وبشكل حقيقي إلى رسم حلب على الوضع الحالي. ولديه فرق هندسية تمشي على قدم وساق، لقد قال لي أحدهم: "إننا نشتغل على رسم حلب على قدم وساق"، ولن أتحفظ بالتأكيد على أن الكثير من هذه الفرق إيرانية، لا بل إن المنظمات الإيرانية تزدحم من أجل الحصول على موطئ قدم للدخول في إعادة الإعمار، وإن لم يكن يخفى على أحد التنافس التركي-الإيراني على المنطقة.
فتركيا تضمن أنها المورد الأول للمواد، وأعتقد ألّا أحد ينافسها بالتوريدات كونها تمتلك المصانع لمواد البناء والأثاث،إضافة إلى قرب الموقع الجغرافي، أضيفي إلى ذلك أن حلب كانت مصبوغة بطابع العهد العثماني، الذي يظن البعض أنه الطابع التركي الحالي، وهذا غير صحيح. فالطابع التركي مختلف تماما، وهو يمثل البيوت من طابق واحد مسقوف بالقرميد، وله شرفة أمامية. فالأتراك حاليا ليس لديهم أي طابع معماري بل يعملون بالطراز الحيادي أو الاقتصادي. ولكن المنتصر سيطبع المنطقة بطابعه. وهذا ما يجعل السوريين متخوفين إلى حد ما من الهيمنة الإيرانية في مناطق نفوذ النظام.
فإبّان حقبة حافظ أسد،أعادوا تأهيل ضريح عمار بن ياسر (في الرّقة)، وصنعوا منه فعلا تحفة هندسية على الطراز الصَّفوي.
ولكن لماذا ضريح عمار بن ياسر، سيد ماهر؟
ماهر حميد: لا يخفى على أحد أهميته لدى الطائفة الشيعية، بالتأكيد. فقد انضمّ عمار بن ياسر لفريق عليٍّ يوم "صفين"، وقُتِل في المعركة، ولدينا حديث أن الرسول قال لعمار : "تقتلك الفئة الباغية".
هل تقصد أن الإيرانيين كانوا يختارون الأضرحة الشيعية؟
ماهر حميد: بالضبط، وهذا ما يجعل الإيرانيين يركزون عليه لكي يُظهِروا للعالم مَن هي "الفئة الباغية"، لكنهم لم يكتفوا بذلك، فطلبوا تأهيل شارع "القوّتلي" الذي هو أهم شوارع الرّقّة، الأمر الذي قوبل برفض حافظ الأسد تطوير أي شبر خارج الضريح، فقد كانت لهم خطط أخرى كجمعية الإمام المرتضى التي تركز عملها في المنطقة الشرقية بشكل رئيسي.
بالتأكيد الضريح تم هدمه الآن، فأول الأمر أطلقت عليه جبهة النُّصرة اسم أكاديمية عمر بن الخطاب، نكايةً بمن تصفهم بـ "الرّوافض"، على حدّ قولها، ثم جاء تنظيم "داعش" وهدمه نكايةً بمن يعتبرهم التنظيم بِـ "الروافض" وَ "النّواصب" كليهما معاً.
وهنا بيت القصيد فإعادة تأهيل ضريح عمار بن ياسر يجعلنا نفكر مليّاً حول استماتة الإيرانيين مع النظام في استعادة حلب، ربّما يعيدون صياغة حلب على الطريقة الإيرانية بعد انتهاء الصّراع. ففي الفكر الصَّفوي الأكاديمي الحالي،أن بقايا تراث إيران موجود تحت عشرات السنتيمترات في تراب سوريا والعراق، وعمار بن ياسر و أويس القُرني مدفونان في المكان عينه.
وبالعودة إلى حلب فهناك مناطق يمكن إعادة إعمارها حتى هذه اللّحظة، ومناطق أخرى يستحيل فيها إعادة الإعمار. راقبي الوضع أمام القلعة، هناك مبانٍ انتهت إلى الأبد، وهذه هي التي ستحدد وجه حلب القادم. فقيمة المتر المربع من هذه الأراضي يعادل سعر المتر المربع في طوكيو أو هونغ كونغ. لذلك ستكون هدفاً وكعكة للمستثمرين. فالحصول على ترخيص للعمل بحلب القديمة هو أمر معقّد جداً لن تمنعه الدولة، ولكنها ستضع كل العراقيل في وجه من لا تريده. لهذا مَن تقرره الدولة فهو الذي سيعمل. وحلبُ حمدانيةٌ، بحسب الرواية الإيرانية، والحمدانيون شيعةٌ، أجبرهم السّلطان عبد الحميد عن التخلي عن تشيعهم، ومضت حلب في طريقها غير مكترثة بالمذاهب، ولكن الآخرين كانوا يكترثون.
ويتابع ضيفي متسائلاً:
ماهر حميد: السؤال الذي يطرح نفسه حقّاً هو: كيف ستتم إعادة بناء هذه الأراضي الثمينة بحلب القديمة ؟من سيعيد بناءها؟ من سيقبض مداخليها؟ و أقصد هنا على وجه الخصوص حلب القديمة.
فإن إعادة الإعمار ستكون ممكنه وناجحة إذا تمّ تحجيم دور النّظام الذي هو غالباً سيبقى، أما إذا بقي بسيطرته هذه، فلن يشْتَمَّ أحدٌ غيرُه حلبَ، لا ألمانٌ ولا هُنغارٌ ولا غيرُهم.. وهو يعي دور التجار السوريين في إعادة الإعمار لذلك فهو يحاول تدجين البعض منهم -وهم مُدَجَّنون أصلاً- بكافة الطرق.
وإني هنا ألفت الانتباه أيضا إلى أنه يجب الإبقاء على ركام بيوت حلب في أماكنها من أجل إعادة الإعمار. فإذا تم إعادة البناء بحجارته فسيبقى بناءً أثريّاً ولكنّه خضع للترميم وسيعود كما هو. ولقد قلتُ في كثير من الأحيان إن ما جرى بالحميدية بحمص يجب ألّا يُعاد في حلب ،حيث دخلت الجرّافات بعد المصالحة وجرفت الأنقاض، بما فيها: أنقاض المباني الأثرية وسط فرحة الأهالي الغافلين عن الخسارة. أمّا في حلب فيجب تفادي هذا الأمر وهو الحفاظ على الركام في موقعه. هذا أهم شيء، حيث يمكن لمهندس متوسط المقدرة إعادة بناء مئذنة الجامع الأموي بحلب كون ركامها تحتها. لكن إذا أزيل الركام فماذا نحن فاعلون؟
قبل قليل ألمحتَ إلى موضوع وهو إمكانية إعادة ما دمّرته الحرب في حلب القديمة على طريقة بوابة عشتار التي قلتَ إنه أعيد بناؤها مرة أخرى في ألمانيا. فهل لي بمزيد من المعلومات حول هذا الموضوع؟
ماهر حميد: نعم هذا صحيح فبوابة "عشتار" كانت ركاماً مِن 197 ألف كسرة، فقد تم نقلها من العراق إلى ألمانيا وهناك تمت إعادة إعمارها ومعها ما أمكن ترميمه من شارع الأُسُود.
فلا أحد يجيد الإعمار بعد الكوارث –برأيي– أكثر من الألمان. أضيفي إلى أن السّوريين لديهم ثقة بالمنظمات الألمانية أكثر من التركية والإيرانية على وجه التحديد، وذلك لدور الألمان السابق في صيانة وترميم بعض مباني حلب القديمة ولكونهم لا مطامعَ استعمارية لهم في سوريا، على خلاف الجيران، ولا شك في أن دورهم في استقبال اللاجئين أكسبهم تعاطفَ جمهورٍ كبير من السوريين.
هل تقصد أن منظمات إعادة الإعمار الألمانية من الممكن أن تكون مساهمة في إعادة الإعمار؟
ماهر حميد: إِنْ تَمَّ ذلك فهي ليلة القدر، لأن إعادة إعمار المباني الأثريّة طويلة ومكلفة جدّاً وقد تكون ذات جدوى اقتصادية بعيدة الأمَد ولكنها غير مجدية وهنا نقطة الضّعف فمن أين يأتي المال لكل هذا؟ أي أن ترميم حمّام مثل حمام "يَلْبغَا"يحتاج إلى سبع أو عشر سنوات من العمل المتواصل، فما هو المردود المادي لهذا الحمام خلال العشر سنوات التي تلي إعماره، هل سيعيد لمن دفع المال ماله؟
المعوقات ستواجه إعادة إعمار حلب وستكون سياسيةً أكثر من كونها مادية. فالرافد المادي الرئيسي لحلب -الذي هو "صُنّاعُها المشهورون"- قد أصبح عددٌ كبيرٌ منهم خارج البلاد، والبعض حمل مصنعه ورحل أو فقد مصنعه ثم رحل.
أمر كهذا هو أمر لا ينتهي مع الزمن أي أنه يعمل ويعطي مداخيل للألف سنة القادمة، لكنَّ المستثمر لن ينتظر ألف سنة، بل يطمح إلى مردود مالي لا يقل عن 10%، ولديه معادلةٌ بين رأس المال والعقيدة، والعقيدة لا مانع لديها من الانتظار ألف سنة.
سلمى العابد
حقوق النشر: موقع قنطرة 2016