هل سيأتي بالحرية أم بالشرطة الدينية؟
يا له من تشابه في المشاهد! لا يستطيع زعيم المعارضة التركية في البرلمان التركي، دينيز بايكال، منع الأكثرية في المجلس النيابي اتّخاذ قرارات تشكّك حسب رأيه في المبادئ العلمانية. لقد ذهبت كلّ تحذيرات بايكال ونداءاته وتهديداته أدراج الرياح. لهذا السبب يلجأ الآن هذا الزعيم الكمالي في أنقرة إلى المحاكم.
كذلك يريد بايكال اللجوء الآن ومن جديد إلى المحكمة الدستورية بعد السماح للطالبات بارتداء الحجاب في الجامعات، مثلما كانت الحال في الخلاف الذي دار في العام الماضي حول ترشيح رئيس الوزراء الأسبق عبد الله غول لمنصب رئاسة الجمهورية.
استطاع بايكال في العام الماضي فقط تأخير انتخاب غول، بيد أنَّه لم يتمكّن من الحيلولة دون انتخابه. ومثلما كانت الحال في الخلاف الذي دار حول الانتخابات الرئاسية - يتَّضح أنَّ بايكال يحظى على الأرجح بتأييد القضاء، لكن ليس بتأييد أكثرية الشعب التركي.
مسألة الحجاب كموضوع خلاف وطني
لا يوجد موضوع آخر يفرّق الجماهير التركية بهذا الشكل مثلما تفرّقهم قضية الحجاب. يعتبر الحجاب بالنسبة لبعضهم مسألة خاصة بحقوق الحريات الشخصية: لا يجوز بطبيعة الحال للدولة أن تفرض على مواطنة بالغة ماذا يجب عليها أن ترتدي في الجامعة.
لكن بالنسبة للطرف الآخر فإنَّ الأمر يتعلَّق باعتداء على المبادئ العلمانية التي تقوم عليها الجمهورية: لا يجوز بطبيعة الحال للدولة أن تراقب كيف يتغلغل الإسلامويون في أجهزة الدولة.
من المؤكَّد أنَّ هذه المشكلة جديدة نسبيًا في تاريخ تركيا الحديثة. إذ لم يتحوّل الحجاب في الجامعات التركية إلى مشكة إلاَّ في الثمانينيات وذلك عندما صارت تظهر في الجامعات والمعاهد التركية بنات أشخاص أتراك متديِّنين ومحافظين فجأة وبعد ازدهار اقتصادي.
وحتى ذلك كانت الجامعات محتكرة من قبل النخبة الكمالية المتمدّنة، التي تتّخذ من مؤسس الدولة التركية الحديثة مصطفى كمال أتاتورك مرجعًا لها والتي كانت تعتبر طيلة عقود من الزمن القوّة الحاكمة في تركيا. والنساء المحجبات كنّ يعملن على كلّ حال في المصانع أو خادمات في البيوت.
سقوط معاقل كمالية في أيدي الإسلاميين
بيد أنَّ هذه الحال تغيّرت تغيرًا جذريًا عما كانت عليه، حتى وإن كان بعض الكماليين لا يريدون الإقرار بذلك. وحتى أنَّ المراقب الذي يعتبر بمنأى عن أيّ شبهة بالانتماء إلى الإسلام السياسي، مثل رئيس تحرير الصحيفة اليومية الليبرالية "راديكال"، يتّهم الكماليين بأنَّهم يغلقون أعينهم عن الحقائق الموجودة في البلاد.
وحاليًا يشاهد المرء حتى في المدن الكبرى مثل إسطنبول نساء محجبات يتسوّقن في مراكز تسوّق مرتفعة الأسعار أو يقدن سيارات جيب باهضة الثمن. يلاحظ في قلب المعاقل التي كانت تعتبر في السابق خاصة بالكماليين حضور الطبقات المتديّنة المحافظة، التي حصلت في السنين الماضية وخاصة في ظلّ حكومة رئيس الوزراء رجب طيب إردوغان على المال وعلى ثقتها بنفسها.
يعتبر الحجاب رمزًا لهذا الانقلاب الاجتماعي الذي تتّضح فيه نسب الأكثرية. ترتدي اثنتين من ثلاث نساء تركيات الحجاب وتبلغ نسبة مؤيّدي السماح بارتداء الحجاب في الجامعات ثلاثة من أربعة ونسبة النواب الذين صوّتوا في البرلمان لصالح رفع حظر الحجاب أربعة من خمسة.
بداية عملية أسلمة؟
بيد أنَّ الأكثريات الساحقة لا تمثّل إلاَّ جانبًا من التاريخ. يتمثّل الجانب الآخر في المقاومة الشديدة التي يظهرها الكماليون الذين يمثّلون في حقيقة الأمر الأقلية، لكنّهم يعتبرون أنفسهم ممثّلي التقدّم. يقول رفاق بايكال الحزبيون الكماليون في حزب الشعب الجمهوري (CHP) إنَّ السماح المزمع إقراره بارتداء الحجاب في الجامعات يعدّ أمرا "سقيما ورجعيا يعود إلى العصور الوسطى".
"آمالنا معقودة على المحكمة الدستورية"، مثلما جاء على لسان بايكال بالذات بعد إقرار هذا التعديل الدستوري في البرلمان. وتتمحور الدعوى التي سترفع أمام المحكمة الدستورية في اعتبار أنَّ السماح بالحجاب يعدّ خرقًا لمبادئ العلمانية العليا.
نفى حزب العدالة والتنمية بزعامة رجب طيب إردوغان الاتهام بأنَّ ارتداء الحجاب في الجامعات سوف يزيل المبادئ العلمانية. ففي آخر المطاف لا يشكّل الحجاب أيضًا في أوروبا الغربية بالنسبة للطالبات أيّ مشكلة. لكن من المفترض أن لا يُسمح أيضًا في المستقبل للتلميذات والمدرِّسات أو النائبات البرلمانيات بارتداء الحجاب.
وبايكال يخشى من أنَّ حجاب الطالبات سوف يكون مجرّد البداية لعملية أسلمة في تركيا. لن تنتهي هذه التطوّرات إلاَّ مع "إرهاب القاعدة" - حسبما تكهَّن نائب برلماني عن حزب الشعب الجمهوري. أما بايكال فهو واثق من أنَّ المحكمة الدستورية سوف تصادر بسرعة حرية ارتداء الحجاب، إذ إنَّ المحكمة قد قررّت في عام 1989 اعتبار الحجاب رمزًا للإسلام السياسي.
آراء وسط
في هذه الأجواء المشحونة تكاد الآراء الوسط لا تجد من يصغي لها. ظهرت مؤخرًا مبادرة تم تشكيلها من قبل مثقفين بغية دعوة الجماهير إلى الحوار. ويرى أصحاب هذه المبادرة أنَّ الحظر المفروض على الحجاب يجب أن يتم بطبيعة الحال إلغاؤه، لكن فقط نتيجةً لحوار يُجرى في كلّ المجتمع ويتمّ فيه تقدير كلّ الآراء.
لكن يبدو أنَّ الدعوة إلى تبادل الآراء والبراهين بلطف وبأسلوب مهذّب سوف تظل أمنية بعيدة المنال، وذلك نظرًا إلى الشدّة التي يهاجم بها الخصمان إردوغان وبايكال بعضهما.
إذن هل سينتهي الخلاف حول الحجاب على نحو مشابه للمعركة التي دارت في العام الماضي حول منصب رئيس الدولة؟ ثمة فرق هذه المرة يكمن في نقطة جوهرية؛ ففي العام الماضي هدّد الجيش ذو النزعة الكمالية بالقيام بانقلاب ضدّ رئاسة عبد الله غول - أما في هذا العام فإنَّ الكماليين التقليديين بالذات مثل بايكال يؤكّدون أنَّ الأجدر بالجيش عدم التدخّل في هذا الموضوع.
كتب الكاتب الصحفي الشهير مراد يتكين أنَّ بايكال مقتنع بأنَّ الكثير من الناخبين قد عاقبوا حزبه (حزب الشعب الجمهوري) أثناء الانتخابات البرلمانية التي جرت في شهر تموز/يوليو الماضي للاحتجاج على تدخّل العسكريين.
في حال وصول السياسيين الأتراك إلى نتيجة مفادها أنَّ تدخّل العسكريين في الشؤون السياسية يضرّهم في النهاية أكثر مما ينفعهم، فعندئذ سوف يكون الخلاف حول الحجاب قد فعل شيئًا حسنًا على الأقل بالنسبة لنضوج تركيا الديموقراطي.
سوزانة غوستن
ترجمة: رائد الباش
حقوق الطبع: قنطرة 2008
قنطرة
تفسير نتائج الانتخابات البرلمانية في تركيا:
وصول الإسلامويين إلى وسط المجتمع
أنصار حزب العدالة والتنمية يرى المحلل السياسي غونتر زويفرت أن نتائج الانتخابات تدل على تدني تأثير التيارات القومية المتطرفة في الشارع التركي وعلى نجاح الديموقراطية دون قيد أو شرط.
النساء التركيات يضاعفن عددهن في البرلمان:
خطوة إلى الأمام
تضاعف حجم التمثيل النسائي في البرلمان التركي المنبثق عن الإنتخابات التي جرت مؤخراً مقارنة بالتمثيل النسائي في البرلمان السابق. ومع ذلك يؤكد بعض المدافعات عن حقوق المرأة التركية أن العدد وحده ليس الفيصل في موضوع المساواة. تقرير من عايشة تكين
الانفتاح أو التعنت القومي:
أيّ من الطريقين ستسلك تركيا؟
ينتقد الصحفي والكاتب ظافر سنوجاك القومية بشدة ويدعو الأتراك إلى التعرف على تاريخهم لا سيما ما يخص المذابح التي تعرض لها الأرمن، فالأمر يتعلق ببناء مجتمع تمثل المعاينة النقدية للتاريخ الخاص والنقد الذاتي داخله الأساس الذي ينهض عليه مستقبل ديمقراطي.