الإخوان المسلمون: 25 قناة تلفزيونية تعمل ضدنا
المكان: القاهرة. وإذا كان يوجد في الواقع ما يمكن وصفه بأنَّه الجناح الليبرالي في جماعة الإخوان المسلمين، فإنَّ أحمد عبد الفتوح يعدّ جزءاً من هذا الجناح. يقول هذا السياسي الشاب، العضو في حزب الحرية والعدالة الذي يمثِّل الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين: "نحن نحتاج المزيد من الديمقراطية داخل حزبنا".
ويضيف أحمد أنَّه يتعيَّن منح القاعدة الحزبية مزيدًا من حقّ المشاركة في الرأي، ويقول إنَّ "مصر تتغيَّر ولكي نواكب هذا التغيير يجب علينا أن نتغيَّر أيضًا".
ويقول أحمد إنَّ اتِّهام جماعة الإخوان المسلمين بأنَّها تعاني من نقص في الديمقراطية ليس بالشيء الجديد. ولكن نادرًا ما نسمع ذلك من عضو في جماعة الإخوان المسلمين. وكذلك لا يبدو أحمد في جوانب أخرى عضواً تقليدياً في جماعة الإخوان المسلمين.
فهو يرى أنَّ الانتقادات التي يتم توجيهها إلى الحكومة منذ عدة أسابيع هي انتقادات مشروعة ويقول إنَّ "الغضب الشعبي" أمر مفهوم، نظرًا إلى الآمال الكبيرة التي عقدها الشعب المصري بعد الثورة.
لكنه يقول بعد ذلك جملة لا تنمّ كثيرًا عن التصالح: "الكثيرون من المتظاهرين يستمعون مع الأسف إلى دعاية المعارضة ووسائل الإعلام التي يوجِّهها أتباع النظام السابق ودول خارجية".
"مرسي رئيس أكثر نجاحاً من مبارك"
يجد الإسلاميون أنفسهم الآن في دور الضحية - مهدَّدين من وسائل الإعلام غير العادلة ومن المعارضة المعادية لهم والمتظاهرين الذين يستخدمون العنف، وهذا الرأي ينتشر داخل صفوف الإخوان المسلمين انتشارًا واسع النطاق. وفي مدينة القاهرة وتحديدًا في حي دار السلام، حيث يعمل أحمد لصالح حزب الحرية والعدالة، يتبنى الكثيرون هذا الرأي.
يبلغ عدد سكَّان هذا الحي أكثر من مليوني نسمة، معظهم من الفقراء أو ممن ينتمون إلى الطبقة المتوسطة الدنيا، وجميعهم تقريبًا من المسلمين. لا يوجد تقريبًا حي آخر في القاهرة صوَّت سكَّانه بهذا العدد قبل شهرين لصالح الدستور الجديد ذي الصبغة الدينية مثلما كانت الحال هنا في منطقة دار السلام.
لكن في الواقع كان من الممكن أن تخرج نتائج هذا التصويت مقنعة أكثر، لو لم تتدخّل وسائل الإعلام، مثلما يقول عضو حزب الحرية والعدالة، محمد حمادة حسن، الذي ينتمي أيضًا إلى سكَّان دار السلام. ويضيف غاضبًا أنَّ الصحف الخاصة والقنوات التلفزيونية كانت تنشر الأكاذيب على مدار الساعة.
ثم يقول: "المعارضة لديها أكثر من خمس وعشرين قناة تلفزيونية تقف إلى جانبها. ونحن لدينا ثلاث قنوات. وعلى الرغم من ذلك كوننا فزنا في التصويت، فهذا يدل على أنَّنا نسير في الطريق الصحيح". يقول ذلك قبل أن يخرج من ثوبه الطويل كتيّبًا عليه صورة لمحمد مرسي وهو يبتسم ابتسامة لطيفة.
وعلى هذا الكتيِّب توجد جملة مكتوبة بأحرف كبيرة: "ما الذي فعله الرئيس؟" ثم تليها قائمة بالإنجازات التي حقَّقها حتى الآن وبعد فترة قصيرة من توليه الرئاسة: زيادة معاشات التقاعد وإعفاء المزارعين من الديون واتفاقية وقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل. ويقول محمد لقد حقَّق مرسي في سبعة أشهر أكثر بكثير مما حقَّقه سلفه حسني مبارك في ثلاثين عامًا.
صراع ديني مزعوم
ممثِّل حزب الحرية والعدالة محمد أقدم بجيلين من عضو الحزب أحمد. ولذلك فإنَّ بعض الكلمات مثل الديمقراطية والفصل بين السلطات ليست من ضمن مفرداته اليومية.
ولكن هذا الرجل ذا التوجه السياسي الإسلامي يفضِّل بدلاً عن ذلك الحديث عن "حرب" مفروضة على الإخوان المسلمين، ويقول: "ما نشهده في مصر ليس صراعًا بين الحكومة والمعارضة، أو حتى بين مختلف الاتجاهات السياسية".
ويضيف: "بل هو الصراع القديم بين المسيحية والإسلام، بين أمريكا من جهة وبيننا من جهة أخرى. وأمريكا تبذل كلَّ ما في وسعها لمنع نهضة الإسلام في مصر، لكننا وبعون الله سوف ننتصر".
محمد الذي كان يعمل في السابق بائع مواد غذائية، يشارك منذ شبابه مع الإخوان المسلمين في خوض هذه الحرب الدينية المزعومة.
وبعد الثورة الشعبية ضدّ الدكتاتور حسني مبارك الذي حكم مصرة فترة طويلة، كافأه الأخوان بمنصب في حزب الحرية والعدالة. ومن المفترض الآن أن تخدم شبكة العلاقات التي بناها عندما كان يعمل في التجارة حزبه في كفاحه من أجل جمع أصوات الناخبين
ووظيفته الجديدة هذه لن تجعله ثريًا؛ ذلك لأنَّه يتقاضى في الشهر بحسب قوله 1500 جنيه مصري، أي نحو 170 يورو. وفي مكتبه الكائن في وسط منطقة دار السلام ينهار الطلاء عن الجدران، ولا توجد أية تجهيزات حديثة سوى جهاز كمبيوتر يتيم.
وفي هذا الصدد يقول حسن: "الليبراليون هم مَن يُمَوَّلون من الخارج، وليس نحن. وإلا لكان بوسعنا أن نتحمّل تكاليف تجهيزات أكثر راحة؟".
ازدواجية معايير الغرب
وكذلك يرى رئيس حزب الحرية والعدالة في أمانة دار السلام، أحمد ريدان أنَّ الإخوان المسلمين ضحية مؤامرة، ولكنه مع ذلك لا يستخدم الخطاب الهجومي الذي يستخدمه زميله الأكبر سنًا في حزبه؛ ويقول: "الليبراليون لا يحترمون الديمقراطية". ثم يسأل: كيف يمكنهم أن يدعوا إلى إسقاط مرسي، وقد تم انتخابه من قبل الشعب؟ ولماذا أرادوا إلغاء دستور صوَّت لصالحه الشعب؟
يشتكي هذا السياسي من الغرب أيضًا. ويقول إنَّ الغرب كان يتودَّد طيلة ثلاثين عامًا للدكتاتور حسني مبارك. والآن وبعد أن تولى السلطة للمرة الأولى في تاريخ مصر رئيس مدني منتخب من الشعب، صار الغرب يُصرّ فجأة على الديمقراطية وحقوق الإنسان: "مرسي يتعرَّض لعراقيل أكثر من أي رئيس آخر".
يرفض أحمد ريدان اتِّهام جماعة الإخوان المسلمين بأنَّها تتَّبع أجندة معادية للديمقراطية. ويقول لا يوجد أحد يهتم أكثر من الإخوان المسلمين بتمكين الشعب من التعبير عن رأيه بحرية، وذلك لأنَّه "لا يوجد أحد أقرب منا نحن إلى نبض الناس".
"الناس يرون ما نفعله من أجلهم"
وفي الواقع يُعتبر حضور الأحزاب اليسارية والليبرالية في منطقة دار السلام متواضعًا بالمقارنة مع حزب الحرية والعدالة. وفي دار السلام بإمكان حزب الحرية والعدالة الاعتماد على شبكة المساعدات التي تديرها هنا منذ عدة عقود جماعة الإخوان المسلمين الأم، أي على مشاريع توفير الغذاء والرعاية الصحية للفقراء.
ويقول أحمد ريدان إنَّ هناك 500 ألف شخص يستفيدون من الخدمات التي تقدِّمها جماعة الإخوان المسلمين في دار السلام: "لا يوجد أي حزب آخر يستطيع إبراز شيء مشابه. نحن الوحيدون الذين يفعلون شيئًا للناس".
وفي الخامس والعشرين من كانون الثاني/يناير الماضي 2012، في الذكرى السنوية الثانية للثورة المصرية، نظَّم حزب الحرية والعدالة حملة توزيع للطعام على الفقراء وكذلك نشاطًا رياضيًا لشباب هذا الحي. ويقول أحمد ريدان بينما كان المتظاهرون الذين ينتقدون الحكومة يحاولون تدمير مؤسَّسات الدولة، كان حزبنا مشغولاً في بناء "مستقبل البلاد".
ماركوس زومانك
ترجمة: رائد الباش
تحرير: علي المخلافي
حقوق النشر: قنطرة 2013