انتهاء عهد خمول سياسة الجزائر الخارجية
وسط ضجة كبيرة، احتفلت الجزائر في 5 تموز/يوليو (2022) بالذكرى الـ 60 لاستقلالها عن فرنسا، والذي نالته بعد حرب دامية ضد الاستعمار في عام 1962. في كل عام، يرافق الصخب القومي والخطاب العسكري الموالي للنظام "الاحتفال باسترجاع السيادة الوطنية"، في أعقاب 132 عاماً من الحكم الاستعماري الفرنسي الوحشي. لكن هذا العام، استغلّ نظام الرئيس عبد المجيد تبون ورئيس أركان الجيش الوطني الشعبي سعيد شنقريحة الاهتمامَ الدولي الذي جذبته الذكرى الستين للاستقلال من أجل توجيه رسالة واضحة للقوى الإقليمية المنافسة وهي: انتهت أيّام النهج غير الفعّال للجزائر في السياسة الخارجية.
في هذا العرض العسكري الأول في الجزائر منذ ما يزيد عن 30 عاماً، عرض الجيش الوطني الشعبي عدداً لا يحصى من الأسلحة، بعضها تم الحصول عليها منذ عام 2005، كجزء من برنامج تسليح غير مسبوق، من الصين وأوروبا وفي المقام الأول من روسيا: مقاتلة وطائرات نقل، ومدافع مضادة للطائرات ومدفعية، دبابات وعربات مصفّحة، غواصات روسية وفرقاطة MEKO-A200 تم شراؤها من ألمانيا.
ويمكن تفسير إقامة العرض في المقام الأول على أنّه تحذير واضح للمغرب. فقد تصاعد مؤخراً الخلاف مع الدولة المجاورة، والذي يؤثّرُ بشدّة على العلاقات بين الدولتين منذ عقود، بعد إعلان إسبانيا دعمها لموقف المغرب فيما يتعلق بقضية الصحراء الغربية، التي تحتلها الرباط منذ عام 1975 في انتهاك للقانون الدولي. ومنذ الاحتلال المغربي للبلاد تعد الجزائر أهم حليف لحكومة "الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية" المنفية، ومقرها تندوف في جنوب الجزائر، ولا تزال تطالب باستقلال "الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية". لسنوات، بقي النزاع يشبه "الحرب الباردة". لكن الآن تلجأ كل من الجزائر والرباط إلى التهديدات العسكرية الواضحة.
إسرائيل سبب الخلاف
لم تستخدم الحكومة الجزائرية احتفالات الاستقلال وأول عرض عسكري للجيش الوطني الشعبي منذ عام 1989، من أجل إرسال رسالة واضحة للغاية إلى المغرب فحسب، بل أيضاً إلى أبو ظبي وإلى القاهرة وإلى تل أبيب وإلى تونس.
فالرئيس التونسي قيس سعيد معروف بخطابه المؤيد لفلسطين، لكن منذ استلامه، السلطوي والمثير للجدل إلى حدّ كبير، مقاليد جميع السلطات في تموز/يوليو 2021 وحل البرلمان، يبدو أنّه يعزّز علاقاته مع مصر والإمارات العربية المتحدة لدرجة أنّ الجزائر تخشى الآن أن تحاول مصر وأبو ظبي الضغط على تونس من أجل تطبيع العلاقات مع إسرائيل أيضاً. بالنسبة للجزائر، سيكون هذا أمراً غير ممكن.
قبل احتفالات يوم الاستقلال بأيام قليلة، أفاد موقع "Algerie Part "، وهو موقع إلكتروني قريب من جهاز الأمن الجزائري، أفاد أنّ الجزائر ستبقي على الحدود التونسية-الجزائرية مغلقة لأسباب سياسية. فقد كانت الحدود مغلقة بشكل كامل تقريباً أمام حركة المسافرين منذ بداية جائحة كورونا. وزعم الموقع أنّ إغلاق الحدود قد استمر لأنّ تونس لم تقدّم "ضمانات ملموسة وصلبة" فيما يتعلّق برفضها لتطبيع العلاقات مع إسرائيل.
ولسنوات عديدة اعتمد قطاع السياحة التونسي بشكل متزايد على السياح الجزائريين، الذين يسافر مئات الآلاف منهم خلال أشهر الصيف إلى هذا البلد المجاور، ويجلبون الأموال إلى تونس ويضمنون الحفاظ على الوظائف. ووفقاً لموقع Algerie Part، فإنّ الجزائر تستخدم قضية إغلاق الحدود كوسيلة لممارسة الضغط على تونس.
لعبة الشد والجذب على تونس
خلال زيارة الرئيس التونسي إلى الجزائر بمناسبة احتفالات عيد الاستقلال الجزائري في الأسبوع الماضي، أعلن سعيد وتبون بشكل مفاجئ إعادة فتح الحدود والمقررة في 15 تموز/حزيران 2022. وفي العرض العسكري، جلس رئيس الدولة التونسية بين تبون والرئيس الفلسطيني محمود عباس، وبالتأكيد ليس من باب الصدفة.
في غضون ذلك، استقبل تبون لاحقاً سوية عباس وإسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية حماس والمنافس الرئيسي فيما بين الفلسطينيين لحركة فتح بزعامة عباس، وذلك في اجتماع حظي بتغطية إعلامية كبيرة. وصفته وكالة الأنباء الجزائرية التي تملكها الدولة بأنه "لقاء تاريخي"، لتقدّم مرة أخرى الحكومة الجزائرية ليس على أنها تقف مع الفلسطينيين بوضوح فحسب، بل بوصفها قادرة أيضاً على التوسّط بين الفصائل الفلسطينية المنقسمة.
وحين يتعلق الأمر بتونس، لم يعد النظام الجزائري يترك أي شيء للصدفة، ولذلك كان النهج أكثر عدوانية. حين استولى قيس سعيد على السلطة، أعربت الجزائر عن قبول سلبي، كما يبدو على أمل أن يساهم هذا التدخل السلطوي لسعيد في التغلّب على الأزمة السياسية التي طال أمدها مع الدولة المجاورة. ومنذ ذلك الحين، خسرت الجزائر الساحة السياسية في تونس لصالح مصر والإمارات العربية المتحدة، اللتين كانتا تحاولان منذ سنوات الحصول على موطئ قدم أقوى في تونس، مما أثار عدم ارتياح الحكومة الجزائرية، التي لا تزال تعتبر تونس أساسية في حماية مصالحها في المنطقة.
وفي هذا السياق، لم تكتف الجزائر بدعوة الرئيس التونسي إلى الجزائر للاحتفال بذكرى الاستقلال، بل أيضاً دعت الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل، نور الدين الطبوبي. ومنذ استيلاء سعيد على السلطة من جانب واحد، اعتُبِر الطبوبي أحد المعارضين الرئيسيين لسعيد. ولذلك فإنّ لقاء الطبوبي مع تبون في اليوم التالي للاحتفالات يمكن اعتباره محاولة من الجزائر للتدخل بشكل أكثر فعالية في الشؤون الداخلية التونسية.
مجموعة الـ 4 - تحالف أفريقي داخلي
كما كان وجود رئيسة إثيوبيا ساهلي وورك زودي في احتفالات الاستقلال في الجزائر أكثر من مجرد إيماءة رمزية. فقد أطلقت الجزائر ونيجيريا وإثيوبيا وجنوب أفريقيا ما يسمى مجموعة الـ 4، وهو تحالف يأمل أيضاً في لعب دور نشط ضمن الاتحاد الأفريقي، على هامش قمة الاتحاد الأوروبي وأفريقيا في بروكسل في شباط/فبراير من عام 2022. وتشترك الدول الأربع في مواقف رئيسية حول شؤون أفريقية داخلية معينة، بما فيها رفض وضع إسرائيل بصفة مراقب في الاتحاد الأفريقي، إضافة إلى دعم هذه الدول لاستقلال الصحراء الغربية.
قال أكرم خريف، الخبير في الشؤون العسكرية والأمنية في مؤسسة روزا لوكسمبورغ في تونس، لموقع قنطرة: "حتى الآن، تُعتبر مجموعة الـ 4 مبادرة غير رسمية. يبدو أنها مبادرة تحمل طابعاً رمزياً أكثر".
كما أنّ توثيق العلاقات بين الجزائر وإثيوبيا وتأسيس مبادرة مجموعة الـ 4 ليست مهمة للجزائر فيما يتعلق بالمغرب وإسرائيل فحسب، بل أيضاً تقدّم للجزائر ورقة رابحة في تعاملاتها مع مصر، التي تنظر الجزائر بعين الشك إلى محاولاتها لتوسيع نفوذها في تونس. والقاهرة على خلاف بالفعل مع العاصمة الإثيوبية أديس أبابا منذ سنوات حول بناء سد ضخم على النيل الأزرق وتتحسّس للغاية من أي تقارب سياسي مع إثيوبيا. وبالتالي ليس من الغرابة غياب مسؤولين مصريين رفيعي المستوى عن احتفالات استقلال الجزائر.
سفيان فيليب نصر
ترجمة: يسرى مرعي
حقوق النشر. موقع قنطرة 2022