الحل السياسي الشامل بدل المغامرات العسكرية

مرة أخرى تشتعل الحرب في منطقة تعاني من الكثير من الأزمات، حيث تشن الطائرات الإسرائيلية الغارة بعد الأخرى، فيما يقصف حزب الله المدن الإسرائيلية بالصواريخ. ما هو الحل؟ موريل أسبورغ تقدم تحليلا للأزمة وتطرح جدولا من الحلول الضرورية.

تهدف العمليات الإسرائيلية الجارية في لبنان إلى إطلاق سراح الأسرى المخطوفين وإضعاف قدرات حزب الله العسكرية وإقامة منطقة عازلة في جنوب لبنان لحماية شمال إسرائيل من ضربات حزب الله الصاروخية وتسلل مقاتليه إلى الأراضي الإسرائيلية.

كما تهدف هذه العمليات أيضا إلى استعراض قدرة إسرائيل على الإنتقام من حزب الله ومن ثَمّ تخويفه. أما حزب الله فيهدف من وراء عمليات الإختطاف تبادل الأسرى اللبنانيين والفلسطينيين المعتقلين في سجون إسرائيل وبهذا يكون قد سارع لمساعدة الفلسطينيين. أضف إلى ذلك أن حزب الله أراد استعراض قدرته العسكرية من خلال مواجهة إسرائيل عسكريا.

هذا الإستعراض يعتبر موجها في المقام الأول إلى إسرائيل حيث استطاعت صواريخ حزب الله أن تلحق ضررا جسيما لأول مرة بالمدن البعيدة عن حدوده مثل حيفا وطبرية والناصرة وأن تلحق الضرر على وجه الخوص بالمدنيين الإسرائليين.

وفي المقام الثاني يُعد هذا الإستعراض موجها إلى الرأي العام العربي لكي يثبت الحزب شرعيته عن طريق قيامه بدور مقاومة فريدة تستطيع مواجهة إسرائيل عسكريا. وفي المقام الثالث يريد حزب الله استعراض قوته أمام الحكومة اللبنانية المركزية، وخاصة في الوقوف ضد تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1559 الصادر في سبتمبر / أيلول 2004 (والقرار رقم 1680 الصادر في مايو / أيار 2006) الذي ينص على نزع سلاح حزب الله.

"الجبهة الثانية"

كان الموقف المتأزم في لبنان مسبوقا بأزمات بين إسرائيل والفلسطينيين من ناحية وبصراعات فلسطينية داخلية من ناحية أخرى. وهذه الأزمات نشأت إثر تشكيل حكومة حماس في مارس / آذار 2006، فالحكومة لم تستطع حتى اليوم القيام بمهامها وفرض سلطتها مما أدى إلى انتشار الفوضى في المناطق الفلسطينية.

ومن ناحية أخرى لم تتقبل منظمة فتح هزيمتها الإنتخابية، فأصبحت الحكومة معزولة تماما من الناحية الدبلوماسية. كما فقدت الحكومة أيضا كل مصادر التمويل، وأصبحت المناطق الفلسطينية معزولة، وأخيرا بدأت إسرائيل مرة ثانية بالقتل العمد والإعتقالات.

​​وإثر خطف أحد الجنود الإسرائيليين في يونيو / حزيران 2006 قام الجيش الإسرائيلي بعملية عسكرية شاملة في قطاع غزة، وكانت حملة (أمطار الصيف) العسكرية تهدف إلى تحرير هذا الجندي وإنهاء ضربات صواريخ القسام. وعلاوة على ذلك قامت إسرائيل في الضفة الغربية بإلقاء القبض على العشرات من النواب والوزراء والمحافظين التابعين لحركة حماس.

وعلى الرغم من أن أعضاء حماس المقيمين في المنفى كانوا يتباهون بعملية الإختطاف وإسرائيل تعتبرهم وراء ذلك بمساعدة دمشق وطهران، إلا أن هناك علامات تدل على أن العملية قامت بها مجموعة محلية. وقد حازت هذه العملية قبولا لدى المعارضين للمصالحة الداخلية الفلسطينية والمعارضين للهدنة مع إسرائيل. وقبيل الإختطاف كانت الهدنة محتملة من قبل الجانب الفلسطيني بعد اتفاق فتح وحماس على "وثيقة الأسرى".

إن تصعيد الوضع على الجبهتين له ما يبرره. فعلى الرغم من انسحاب سكان المستوطنات الإسرائيلية والجنود من قطاع غزة في أغسطس / آب 2005 إلا أن حكومة الإحتلال لا تزال هناك. وظروف الحياة في المناطق التي أُخليت في غاية الصعوبة بسبب الحصار الذي دام شهورا. وعند انسحاب الجيش الإسرائيلي من جنوب لبنان في مايو / أيار 2000 ظل الصراع حول مزارع شبعا (منطقة على منحدر جبل هرمون) دون حل. هذه المنطقة لا تزال تحتلها إسرائيل، وتعتبرها الأمم المتحدة أرضا سورية، أما سوريا ولبنان فيعتبرانها أرضا لبنانية.

هل يجدي الحل العسكري؟

لقد دعت الولايات المتحدة والمجتمع الدولي إسرائيل إلى مراعاة التناسب في القيام بالأعمال الحربية والحفاظ على حياة المدنيين على الرغم من قبولهما لمنطق القوة. وهؤلاء لم ينادوا بوقف فوري غير مشروط لإطلاق النار ولكنهم أصروا على هدنة دائمة. وبهذا تكون إسرائيل قد حصلت على الضوء الأخضر لتحقيق أهدافها بطريقة عسكرية. ذلك لأن الإتفاق على الهدنة يمكن الوصول إليه إذا تحققت أهداف إسرائيل الحربية.

ولكن النظرية التي تقول بأن حل الصراع أو تهدئته الدائمة قد يتحقق بالطرق العسكرية ليست مرفوضة فقط من الناحية الإنسانية ولكنها تعتمد أيضا على أخطاء متعددة. فأولا قد يؤدي المنطق العسكري إلى تأزم الموقف، مثل تدخل القوات اللبنانية أو السورية في المعارك. وثانيا فالعمليات العسكرية قد تضعف الحكومة في بيروت.

كما أن الآثار البالغة للعمليات العسكرية على المدنيين قد تضعف سلطة أولئك الذين يريدون نزع سلاح حزب الله ومن ثَمّ تؤدي إلى مزيد من الراديكالية من جديد. وثالثا فإن نزع سلاح حزب الله لا يمكن تنفيذه بالطرق العسكرية – لا من جانب إسرائيل ولا من جانب القوات الدولية – ولكن فقط من خلال مفاوضات سياسية. وأخيرا فإن حركة المقاومة التي تأسست عام 1982 ضد الإحتلال الإسرائيلي في جنوب لبنان ليست حركة إرهابية صغيرة ولكنها حركة إجتماعية ذات جناح عسكري.

وهذه الحركة الإجتماعية تكمن جذورها في الجزء الشيعي من المجتمع، ولها أيضا جناح سياسي له تمثيل في الحكومة بمنصب وزيرين. ومن هذا المنطلق فإن نزع سلاح حزب الله لا يمكن أن يتم إلا بمناقشته في حوار قومي. ورابعا فإن إقامة منطقة عازلة من جانب واحد في جنوب لبنان – مما لا يتفق مع القانون الدولي - لن تؤدي إلى استقرار دائم. وهذا ما أثبته الإستعمار الإسرائيلي في الماضي.

شروط نجاح القوات الدولية

لقد اقتصرت المفاوضات الدولية على سرعة إرسال قوات دولية ذات صلاحيات مطلقة تحل محل قوات حفظ السلام الدولية عديمة الفاعلية المتمركزة في لبنان منذ 1978. وفي ألمانيا اقتصرت المفاوضات بشكل ملحوظ على مسألة مشاركة ألمانيا في مثل هذه القوات.

​​إن من الحكمة أن تتجاوز مهمة هذه القوات ضمان الهدنة والإستقرار في المنطقة الحدودية. ولا بد أن تكمن مهمتها في المقام الأول في مساندة الحكومة اللبنانية لفرض سيادتها عن طريق قواتها المسلحة. وثانيا لا بد وأن ترتبط مهمة هذه القوات بتطور سياسي يهدف إلى حل شامل للصراع العربي الإسرائيلي.

وثالثا لا ينبغي مراعاة مصالح الشركاء المحليين الذين يظهرون تعاونهم، مثل (مصر والأردن والسعودية) فحسب، ولكن ينبغي أيضا مراعاة المصالح الشرعية لأولئك الذين يتسببون في خلق المشاكل، وخاصة سوريا وإيران.، الذين لا يقومون بتوجيه حزب الله وحماس عن بعد، ولكنهم ذو تأثير كبير على الحركتين من خلال المساعدة البلاغية واللوجستية والمالية. مع العلم بأن سياسة الإنعزال تجاه سوريا والحكومة الفلسطينية وإيران - من الجانب الأمريكي – أتت بنتيجة عكسية.
عناصر حل الصراع

إشراك جميع أطراف الصراع في المفاوضات

على المرء أن يبدأ بالنقاط الرئيسية للصراع العربي الإسرائيلي الذي لم يجد حلا حتى الآن، على الرغم من وجود خطط تفصيلية على المستويات الثنائية للوصول إلى حل. وهذه الخطط تمت مناقشتها بالفعل أثناء المفاوضات. وعلى المرء أيضا أن يحفز أطراف الصراع حتى تستطيع المساهمة بطريقة بناءة في الوصول إلى حل، وهذا لا ينطبق فقط على أطراف الصراع بل أيضا على إيران.

ولا بد أن تحتوي الخطة السياسية على إجراءات فورية وأخرى طويلة الأمد. وعلى الخطة أن تراعي أيضا مصالح الشرعية للأطراف المهمة المشاركة في الصراع، وأن تكون حافزا لكل الأطراف ومكتوبة بطريقة تسمح للجميع بتحقيق مصالحهم. ونظرا لتصاعد العنف حاليا فإن ذلك يبدو من الأوهام. وبناء على ذلك فعلينا أن نعي أن القوات الدولية ذات الصلاحية المطلقة لن تستطيع تحقيق الإستقرار والأمن على الدوام الا بحل المشكلة من جذورها.

الإجراءات الفورية: إنسحاب الجيش الإسرائيلي من لبنان ومن الضفة الغربية، وهدنة شاملة غير مشروطة بين إسرائيل وحزب الله من ناحية ومن ناحية أخرى بين إسرائيل والمجموعات الفلسطينية حتى يستطيع المجتمع الدولي تقديم المساعدات الإنسانية إلى لبنان وغزة.

عناصر حل الصراع:

• تبادل الأسرى بحيث يشمل الجنود الإسرائليين المخطوفين والأسرى السياسيين اللبنانيين والفلسطينيين في سجون إسرائيل. وعلى وجه الخصوص النواب والوزراء من حركة حماس الذين اعتقلوا نهاية يونيو / حزيران 2006.

• استئناف المفاوضات حول المصالحة الفلسطينية:

• إقرار كل الجماعات بالتخلي عن أعمال العنف.

• تحديد الإختصاصات والمناصب داخل السلطة الفلسطينية.

• ربط حماس بمنظة التحرير الفلسطينية
ودعم القضية من قبل المجتمع الدولي عن طريق إنهاء العزلة السياسية للحكومة الفلسطينية.

• تنفيد اتفاقية حرية التنقل داخل الأراضي الفلسطينية المتفق عليها في نوفمبر / تشرين الثاني 2005، حتى تتوفر شروط النمو الإقتصادي ومن ثم خلق حياة عادية. وتواجد مستمر لممثلي المجموعة الرباعية لضمان تنفيذ المبادرة.

• تكثيف الحوار اللبناني القومي حتى يتخلى حزب الله عن العنف وتسليم سلاحه وضم بعض عناصره إلى الجيش الحكومي.

• تسوية الصراع حول مزارع شبعا: انسحاب الجيش الإسرائيلي، واعتراف سوريا بتبعية المنطقة للسيادة اللبنانية - على عكس ترسيم الحدود عام 2000 - طبقا للقانون الدولي.

• المفاوضات حول هضبة الجولان المحتلة من قبل إسرائيل بهدف إنهاء الإحتلال مع مرور الوقت. قيام الإتحاد الأوروبي بتنفيذ اتفاقية الإنتساب "ايروميد" مع سوريا، والتي توقفت بسبب التحقيق في قضية اغتيال الحريري. وتنفيذ هذه الإتفاقية يعتبر حافزا لسوريا على التقدم الإقتصادي.

• ممارسة سوريا وإيران الضعط على حزب الله وعلى أعضاء حماس المقيمين في المنفى بدمشق لإنهاء الكفاح المسلح، وإنهاء المساعدات البلاغية واللوجستية والمالية للكفاح المسلح.

• إعادة بناء البنية التحتية في لبنان بمساعدة الدول المانحة، ومسح الألغام بمساعدة إسرائيل التي يجب عليها تقديم خريطة زرع الألغام.
• وضع خطة فعالة لحل الصراع، مثل ضم جميع أطراف الصراع تحت هيئة قضائية واحدة.

• تشكيل قوات لحفظ السلام لمراقبة الهدنة وتمكين الجيش اللبناني من الحفاظ على سيادة الدولة، حتى إذا لزم الأمر إقامة منطقة منزوعة السلاح على الحدود اللبنانية الإسرائيلية.

• رسم الحدود بين سوريا ولبنان بصفة نهائية.

• التفاوض حول صيغة نهائية للمبادرات بين إسرائيل وفلسطين وبين إسرائيل ولبنان وبين إسرائيل وسوريا، وبناء علاقات عادية بين إسرائيل وجيرانها أو جميع البلاد العربية حسب المبادرة العربية للسلام لعام 2002.

بقلم موريل أسبورغ
حقوق طبع النسخة العربية قنطرة 2006

موريل أسبورغ تعمل في مجموعة الأبحاث المختصة بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مؤسسة العلوم والسياسة في برلين.

قنطرة

شرعية الضحية
لقد كنا طيلة الوقت نلعب الشطرنج مع أنفسنا، من دون أن ندع الطرف الآخر يتكلّم معنا بكلمة، وذلك لأنه "لا يوجد أحد يمكن التحدّث معه" ولأنهم "لا يفقهون على كلّ الأحوال إلاّ لغة العنف"...

الحرب الأخيرة هذه أتت أسرع من كل مرة
الحرب الأخيرة هذه أتت أسرع من كل مرة إنه الانتقال الأسرع من حياة السلم الى حياة الحرب. الدقائق التي سبقت الساعة التاسعة والثلث من يوم الأربعاء(12.7). ذاك هي غير الدقائق التي تلتها. قبل ذلك الصباح الفاصل لم يُنذر أحدٌ أحداً بشيء، ولم تظهر أي من العلامات المعتادة التي تشير الى أن الحرب مقبلة. بقلم حسن داوود

صراع الحمّص والكاتيوشا
بدأت الحرب في ذروة الموسم السياحي، وفي ذروة الجدال الدائر بين المختصمين من حلفاء سوريا وإيران من جهة، وجماعة 14 آذار التي قادت انتفاضة سلمية أخرجت الجيش السوري من لبنان من جهة ثانية. تحليل حازم الصوفي

www

مؤسسة العلوم والسياسة