لماذا لا تقاتل إيران إلى جانب الأسد في إدلب؟
منذ أبريل/ نيسان 2019 يقصف الأسد وروسيا محافظة إدلب التي تسيطر عليها الفصائل المعارضة والجهادية. فما هو الهدف وراء هذه العمليات العسكرية؟
أندريه بانك: نظام الأسد كشف منذ مدة عن نيته إعادة السيطرة على جميع أنحاء سوريا. وبعدما تمت السيطرة له في عام 2018 بمساعدة إيران وروسيا بالتتابع، على المناطق التي كان تسيطر عليها فصائل المعارضة في الغوطة شرقي دمشق ودرعا في الجنوب وكذلك محيط حمص في وسط سوريا، لم تكن إلا مسألة وقت لتحويل الاهتمام إلى معقل المعارضة والفصائل الجهادية أي إدلب. وفي الصيف الماضي كان النظام على وشك إطلاق هجوم ضد إدلب، لكن حصل تفاهم بصورة مفاجئة بين روسيا وتركيا حال دون ذلك.
هل يمكن لك شرح معالم هذا التفاهم؟
أندريه بانك: التفاهم حول إدلب يشمل أن تتحكم تركيا بالمحافظة من الخارج عن طريق مراكز المراقبة العسكرية التابعة لها. في المقابل طالبت روسيا من تركيا أن تتحرك ضد هيئة تحرير الشام التي انبثقت عن جبهة النصرة وكانت سابقا فرع القاعدة السوري، أقوى فاعل داخل محافظة إدلب. لكن توجد هناك أيضا فصائل معارضة مقربة من تركيا تنتمي للجيش السوري الحر. بَيْدَ أن هيئة تحرير الشام (النصرة سابقا) ليست مقربة من تركيا.
ماذا كانت تنشد روسيا من وراء هذا التفاهم؟
أندريه بانك: تركيا تسيطر منذ هجوميها العسكريين في 2016 و2017 على شريط كامل في شمال سوريا. والاهتمام التركي كان ينصب قليلا على إدلب وأكثر على بسط السيطرة على المناطق التي يهيمن عليها الأكراد في الشمال الشرقي وفي عفرين. وكان هناك تبادل للأراضي بحيث أن تركيا بسطت سيطرتها على عفرين في الشمال الغربي وتراجع الأكراد إلى منطقة شرق نهر الفرات. وإدلب والشمال الشرقي هما المنطقتان المتبقيتان داخل سوريا اللتان لا تخضعان حاليا لسيطرة النظام السوري وروسيا وإيران والميليشيات الموالية لدمشق.
لكن ليس من مصلحة تركيا أبدا أن يستعيد الأسد السيطرة على إدلب؟
أندريه بانك: هذا صحيح. فتركيا كان يهمها دوما أن تحافظ على وجودها في سوريا بعد الحرب. ومنذ خريف السنة الماضية لم يتمكن الجيش التركي من القضاء فعلا على هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقا). بل العكس هيئة تحرير الشام هي الفاعل العسكري الأقوى لاسيما في الجزء الجنوبي والمتوسط في محافظة إدلب. ونظام الأسد مارس باستمرار الضغط لإعادة السيطرة على هذه المنطقة ونسق بهذا الخصوص مع روسيا.
هل تدعم تركيا فصائل المعارضة وهيئة تحرير الشام عسكريا أم لوجستيا؟
أندريه بانك: هنا يجب التمييز. تركيا تدعم مباشرة فصائل المعارضة المسلحة القريبة منها التي تطلق على نفسها اسم "الجبهة الوطنية للتحرير". وتحصل الفصائل المنضوية تحت لواء هذه الجبهة على السلاح وكافة أشكال المساعدة العسكرية من تركيا. في المقابل لا تحصل هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقا) على دعم مباشر من تركيا.
ما هو الدور الذي يلعبه الحليف إيران في إدلب؟
أندريه بانك: إنها قضية يتم إغفالها في الغالب في الوضع الراهن: ايران وحزب الله اللبناني ووحدات قتالية شيعية أخرى لا تقاتل في إدلب. وهذه الأطراف الأخيرة كانت مهمة في إعادة السيطرة السريعة على معاقل المعارضة المسلحة في 2018. وهي غير موجودة في معركة إدلب، لأنها تدرك أنها ستكون المعركة الأكثر عنفا. في إدلب لا يسود عدم تكافؤ عسكري كبير، بعكس ما كان عليه الحال في الغوطة أو درعا في عام 2018. وفي الوقت نفسه تريد إيران وحزب الله لعب دور مهم في سوريا المستقبلية. لكن ما نشاهده باستمرار حتى في النزاع حول إدلب هو أن إيران وروسيا لا تتبعان بالضرورة نفس النهج في سوريا ولا يوجد إجماع كيف سيكون شكل سوريا مستقبلا.
روسيا تقوم أيضا بقصف إدلب، وبحسب المعطيات فإن موسكو مهتمة بأن يتولى الأسد ونظامه بسرعة السيطرة على كل أنحاء سوريا.
أندريه بانك: لا أعتقد بأن روسيا من خلال هذا القصف تريد فقط السيطرة مجددا على كافة المنطقة. فعمليات القصف الروسية ترمي في أمد قصير إلى زيادة الضغط على تركيا كي تقاتل هذه الأخيرة هيئة تحرير الشام وتبدأ مفاوضات جديدة. روسيا تريد من الناحية المستقبلية خفض عديد قواتها في سوريا، لأن التدخل العسكري مكلف وغير مرغوب فيه داخل روسيا.
هل الوضع في إدلب معقد أكثر بسبب قوة الفصائل المسلحة والجهادية وكذلك تضارب المصالح السياسية؟
أندريه بانك: واضح لكثير من الفاعلين أن إدلب من صنف آخر بالمقارنة مع معاقل المعارضة المسلحة التي تمت السيطرة عليها. عمليات القصف من الجو وحدها لا تكفي للسيطرة على المنطقة مجددا. وهذا هو الذي يحصل إلى حد الآن. وهذا القصف عنيف للغاية: القنابل العنقودية على مناطق سكنية وقصف للمدارس والمستشفيات والمخابز.
المدنيون هم الذين يعانون أكثر في هذا الصراع. فهل بإمكان السكان حماية أنفسهم على الإطلاق هناك؟
أندريه بانك: إنه البرنامج الكامل لسياسة الأرض المحروقة الذي نعرفه من السنوات السابقة لتحويل حياة الناس إلى جحيم. فالكثيرون من المدنيين ـ عائلات وأطفال وكبار سن ـ يهربون إلى شمال المحافظة. وبهذا يزداد الضغط على تركيا لفتح الحدود أو على الأقل لتقديم المساعدة الإنسانية، لكنها تُبقِي الحدود مغلقة تماما. وبالنسبة إلى نظام الأسد فإن الأمر يدور حول تخويف الناس بممارسة أقصى درجات العنف ضدهم. لكن قوات الأسد منهكة. وأي هجوم عسكري بري لن ينجح إلا بمشاركة وحدات خاصة إيرانية وميليشيات شيعية، وهذه غير موجودة لأنها تدرك أن المعركة ستكون مكلفة جدا.
كيف سيستمر الوضع في إدلب؟
أندريه بانك: على المدى القصير أتنبأ بأن الوضع سيتحول إلى حرب استنزاف عنيفة جدا حيث لن تكون المكتسبات العسكرية على الأرض كبيرة بالنسبة إلى الأسد وروسيا. فمنذ نهاية أبريل/ نيسان 2019، أي قبل أكثر من ثلاثة أشهر، هم يقصفون إدلب من الجو وقلما استولوا على أراض.
كيف يجب على الغرب وعلى الأمم المتحدة التعامل الآن مع الوضع؟
أندريه بانك: مصير الناس في إدلب يجب أن ينال اهتمامنا. ما أرجوه هو أن نعمل أخيرا بجدية على التفكير في الحلول الممكنة لهؤلاء الناس المحاصرين الذين يصل عددهم إلى نحو ثلاثة ملايين نسمة.
إلى حد الآن تسود اللامبالاة ولم يقم أحد بشيء.
أندريه بانك: في أوروبا يسود حاليا، مع الأسف، خطاب سياسي يعارض استقبال اللاجئين وبالتحديد من سوريا، في الوقت نفسه يجب ضمان طرق هرب آمنة للسكان المدنيين من إدلب، لأنهم يتعرضون للقصف من الجو ويتم تضييق الخناق عليهم على الأرض. من الممكن في المستقبل أن يتحكم فيهم الأسد وماكينته القمعية مجددا. وعلى الجانب الآخر يوجد الجيش التركي.
حاورته: ديانا هودالي
حقوق النشر والترجمة: دويتشه فيله 2019
أندري بانك، باحث متخصص في قضايا الشرق الأوسط والمدير المؤقت لمعهد غيغا للدراسات السياسية والاقتصادية ومقره هامبورغ.