من الأفضل لكنائس سوريا التحرر من قبضة نظام الأسد
الرئيس السوري بشار الأسد قدَّم نفسه بعد سقوط حلب الشرقية بشكل واضح كحامي الأقليَّات المسيحية في سوريا. ونشرت وسائل الإعلام السورية الرسمية صورًا لبشار الأسد وزوجته أسماء أثناء زيارتهما لدير صيدنايا قرب دمشق في عيد الميلاد. وقد رحَّب بانتصار القوَّات الحكومية بمساعدة روسيا وإيران بطاركةُ الطوائف المسيحية الممثَّلة في حلب، بمن فيهم مطران الروم الملكيين في حلب المطران جان كليمان جان بارت.
والمطران جان كليمان جان بارت ليس حالة فردية؛ حيث لم يُخفِ قطّ كبار البطاركة الآخرين دعمهم للأسد، مثل: البطريرك غريغوريوس الثالث لحام، الذي يُعَدُّ أكبر زعماء الكنيسة في سوريا بصفته بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الملكيين الكاثوليك في دمشق. وفي العديد من المقابلات دافع البطريرك لحام منذ بدء الحرب في سوريا عن نظام الأسد أمام وسائل الإعلام الغربية. ورفض انتقاد الأسد، واصفًا الرئيس السوري بشار الأسد بأنَّه "ضحية تشهير مُغرض" في صحيفة فرانكفوتر ألغماينه بتاريخ 04 / 11 / 2015.
وعلى الرغم من أنَّ فظائع النظام -مثل تدمير أجزاء كبيرة من حلب- هي في الواقع أعمال مؤسفة، بيد أنَّها لا تُغيِّر شيئًا في صورة النظام الإيجابية لدى البطريرك لحام. كما أنَّ محاولة انتقاد الهجمات بالبراميل المتفجِّرة والهجمات بغاز الكلور وتجويع بلدات وأحياء برمَّتها، وكذلك وجود عشرات الآلاف في غرف التعذيب، لم تكن مجدية مع البطريرك لحام.
المسيحيون في سوريا كانوا يشكِّلون قبل النزاع منذ عام 2011 نحو عشرة في المائة من تعداد السكَّان. ولكن من غير المعروف كم عدد الذين لا يزالون يعيشون منهم في سوريا. ويتوزَّع المسيحيون في سوريا بالإجمال على إحدى عشرة طائفة مختلفة، وتشمل الكنائس الأقوى من حيث العدد كلاً من الكنيسة الأرثوذكسية اليونانية وكنيسة الروم الملكيين والكنيسة الكاثوليكية اليونانية، وهذه الأخيرة مُتَّحدة مع الفاتيكان في روما.
الخوف من تنظيم "الدولة الإسلامية"
المسيحيون في سوريا خائفون من الجهاديين ولذلك يبحثون عن الحماية لدى الأسد. والخوف من إرهاب تنظيم "الدولة الإسلامية" وغيرها من الجماعات الإرهابية طبيعي ومفهوم نظرًا إلى مصير المسيحيين العراقيين. فقد وقعت في سوريا في الأعوام الأخيرة عدة جرائم قتل راح ضحيتها قساوسة وقد تم اختطاف مطارنة.
ومع ذلك فإنَّ موقف قادة الكنيسة غير جدير بالتصديق مثلما يرى أستاذ اللاهوت الأرثوذكسي في جامعة مونستر الألمانية، أسعد إلياس قطان. وبالنسبة له تعتبر تصريحات قادة الكنيسة مُتحيِّزة، ومن دون معنى ولا تتناسب مع الأزمة الأساسية في البلاد. وحول ذلك يقول أسعد إلياس قطان: "هذا يبدو قليلاً مثلما هي الحال في استعراض الدمى، التي لا تقول أي شيء، حتى وإن كانت تتحدَّث".
وقادة الكنيسة يركِّزون قبل كلِّ شيء على معاناة المسيحيين. غير أنَّ المسيحيين ليسوا الوحيدين الذين يعانون في سوريا، فالغالبية العظمى من المسلمين السُّنة في البلاد فقدوا أيضًا الكثير من الضحايا. "المسيحيون من حيث المبدأ ليسوا أكثر عرضةً للخطر من جيرانهم المسلمين"، مثلما يؤكِّد أسعد الياس قطان: "لم يسقط من المسيحيين ضحايا أكثر من ضحايا المسلمين".
وأسعد إلياس قطان ينظر إلى سلوك قيادات الكنيسة على أنَّه تراجع إلى انعكاس قديم لتاريخ أقلية عمره قرون من الزمن، كان فيه المسيحيون يعتمدون على حماية قوية. وفي أزمة تُهدِّد وجودهم يلجأ قادة المسيحيين إلى هذه النماذج القديمة ويتمسَّكون بنظام الأسد.
ولكن يجب أيضًا أن يتم التشكيك وبقوة في نموذج الأسد باعتباره حامي الأقليَّات الدينية في سوريا، مثلما يقول أستاذ اللاهوت في جامعة مونستر، أسعد إلياس قطان، المنحدر من لبنان. ويطلب من الكنائس العمل أكثر من أجل الوساطة ومبادرات المصالحة الوطنية. ويقول يجب عليهم أن يستخدموا ثقلهم للضغط من أجل الإصلاحات السياسية، بدلاً من الاستمرار في تعميق الانقسامات بين الأديان.
معظم الضحايا من المسلمين
وأسعد إلياس قطان ليس وحيدًا في رأيه هذا. فحتى في سوريا بالذات توجد أصوات باتت تعارض بعد سقوط حلب خطاب رؤساء الكنيسة المتحيِّز. فقد أكَّد -على سبيل المثال- الراهب جاك مراد من أخوية دير مار موسى الرهبانية في مقابلة مع وكالة فيدس التابعة للفاتيكان على أنَّ المسيحيين يجب عليهم ألاَّ يصفوا أنفسهم باعتبارهم ضحايا الحرب الوحيدين. وهذا جدير أكثر بالملاحظة خاصة وأنَّ الراهب جاك مراد بالذات اعتقل عدة أشهر من قبل تنظيم "الدولة الإسلامية"، ومن ثم تم الإفراج عنه.
"جميع السوريين -المسلمين والمسيحيين- متضرِّرون من العنف في سوريا. ويعاني من هذا العنف في المقام الأوَّل الفقراء، الذين لا توجد لديهم فرصة للهروب"، مثلما يقول الراهب جاك مراد حول إخلاء مناطق حلب الشرقية: "معظم المتضرِّرين من عنف تنظيم ’الدولة الإسلامية‘ كانوا من المسلمين السُّنة". صحيح أنَّ من بين الضحايا مسيحيين أيضًا، "ولكن ليس من الصحيح ولا من المفيد أن يتم تصوير المسيحيين باعتبارهم ضحايا الحرب الوحيدين. وهذا يؤدي فقط إلى المزيد من تصعيد الطائفية".
منذ بدء الأزمة انتهز النظام السوري كلَّ فرصة من أجل تقديم نفسه باعتباره حامي الأقليَّات الدينية في البلاد. ولذلك فإنَّ الكثير من الناس -حتى في الغرب- يعتقدون أنَّ حكم آل الأسد هو الضامن للتنوع الديني في البلاد. ولكن في الواقع لقد وضع النظام تكتيكات مُتطوِّرة من أجل ربط الأقليَّات به واستخدامها ضدَّ بعضها. فحتى قبل عام 2011 كان يوجد تحت السطح الكثير من الجهل والتحفُّظات، التي كانت تَعْمَد من خلالها الحكومة إلى إثارة الفتنة الطائفية وتستفيد من مخاوف المسيحيين من المسلمين.
بيد أنَّ المسيحيين ليسوا الوحيدين الذين يتم استغلالهم بهذه الطريقة. فمنذ عقود من الزمن منع آل الأسد وجود أي شكل من أشكال التنظيم الذاتي بين العلويين وقد عمل تقريبًا على تفريغ الطائفة العلوية من الداخل.
لقد نجح النظام لدى الكنائس المسيحية في كسب قمم التسلسل الهرمي وقطاعات واسعة من المؤمنين إلى جانبه، وذلك من خلال التشويه المستمر لجميع أشكال المعارضة السلمية. ومنذ بداية الأزمة تحدَّث معظم قادة الكنيسة بطريقة كما لو أنَّهم كانوا يقدِّمون بيانات في التلفزيون السوري الرسمي. وكانوا يقتبسون مفردات النظام، واصفين المتظاهرين السلميين منذ البداية على أنَّهم إرهابيون أو عصابات مسلـَّحة. وبلغ ذلك إلى درجة أنَّ المطارنة والأساقفة قد رفضوا في حالات فردية دفن ناشطين سلميين مسيحيين، انضموا إلى الاحتجاجات وتم قتلهم من قِبَل النظام. وهذا ما حدث مع المخرج باسل شحادة، الذي قُتل عام 2012 في مدينة حمص.
وفي هذا الصدد يقول أسعد إلياس قطان: "من المؤسف أنَّ هناك اتِّجاهًا بين المسيحيين لعدم التصرُّف كمواطنين، بل كما لو كانوا مجموعة تحتاج إلى حماية خاصة من قِبَل النظام أو من قبل قوة أجنبية مثل روسيا أو الغرب". وبالنسبة له من الأفضل للكنائس السورية أن تُحرِّر نفسها من قبضة النظام وأن تعمل من أجل رؤية لسوريا جديدة. "أمَّا أي شيء آخر فهو يساعد على الاستمرار في تعميق الانقسامات بين الأديان".
كلاوديا مينده
ترجمة: رائد الباش
حقوق النشر: موقع قنطرة 2017