رهان الزعامات الكنسية على نظام الأسد......حسابات الربح والخسارة
اصطفت كنائس سوريا في بيانات ممثليها الرسمية خلف نظام الرئيس السوري بشار الأسد حتى الآن. وفي المقابلات مع وسائل الإعلام الأوروبية أعلن أساقفتها عن تعاطفهم مع الحكومة وعبروا عن القليل من التفهم لدوافع حركة الاحتجاجات ومطالبها. "إن ما يحدث في سوريا منذ أسابيع، يشكل مؤامرة، حاكتها قوى أجنبية"، كما قال اسقف دمشق للسريان الكاثوليك المونسنيور الياس طبي في مقابلة مع وكالة الأنباء الإيطالية، مضيفاً: "إنها محاولة استعمارية جديدة من تدبير الأصوليين الإسلاميين والوهابيين من المملكة العربية السعودية وقطر".
وتصريحات المطران أنطوان أودو، رئيس أساقفة الكلدان في حلب، في مقابلة مع مجلة منظمة "آيد تو ذا تشيرتش أن نيد" الأنجليزية لم تكن مختلفة، إذ قال: "إن المتشددين (المقصود هنا: حركة الاحتجاجات، التحرير) يتحدثون عن الحرية والديمقراطية في سوريا، لكن هؤلاء لهم هدفهم. إنهم يريدون تقسيم الدول العربية والسيطرة على ثرواتها النفطية وأن يبيعوا لها الأسلحة. إنهم يبحثون عن عدم الاستقرار فيها وأسلمتها. ويجب على سوريا أن تقاومهم وستقاومهم. ثمانون بالمائة من الشعب يقف خلف الحكومة، وفي مقدمتهم مسيحيو سوريا".
"نظام الأسد عمل على ضم المسيحيين كداعمين للنظام"
إن ممثلي الكنائس بلا شك الحاجة إلى الإصلاحات، لكنهم يخشون من سقوط النظام، لأن سوريا بدستورها العلماني ضمن الحريات الدينية، التي ليس لها وجود في أماكن أخرى من منطقة الشرق الأوسط. وبعد أن تولت عائلة الأسد السلطة من خلال حافظ الأسد عام 1970 عملت بشكل مقصود على ضم المسيحيين كداعمين للنظام. لكن تقاليد التعايش المتسامح في سوريا عمرها أكبر من عمر نظام حزب البعث بكثير، إذ أن المسيحيين مندمجون تماماً في أماكن العمل أو الحياة الاقتصادية، والنظام حرص من جانبه دائماً على عدم وجود أي تمييز على أسباب دينية.
وبحسب دراسة لمؤسسة كونراد آديناور الألمانية عن وضع الأقلية المسيحية في سوريا فإن العديد من كبار مستشاري الرئيس الأسد هم من المسيحيين. عن ذلك يقول خبير حقوق الإنسان في منظمة "ميسيو" الخيرية الكاثوليكية في مدينة آخن الألمانية أوتمار أورينغ منتقداً: "تم شراء الكنائس المسيحية بعد أن عرضت ذمتها للبيع. إن القائمين عليها يغضون النظر تماماً عن مقتل العديد من الأشخاص".
وتعتري القائكين على هذه الكنائس مخاوف على مصير نموذج التسامح السوري بعد نظام الأسد، وفيما إذا سيبقى له وجود. وأمام السوريين مازال حاضراً بشدة، كيف أن العراق غرق في أتون حرب أهلية بعد سقوط صدام حسين. ولهذا السبب مازالوا يتمسكون في دعم النظام، إذ يخشون الفوضى والعنف ونهاية الدولة العلمانية، التي تضمن حقوق الأقليات. لكن هذه المخاوف يتم توظيفها من قبل النظام بشكل مقصود، إذ أخذ يردد بلا كلل: بدوننا سيحكم السلفيون والإسلاميون المتشددون.
لكن في هذه الأثناء لا يوجد داخل المعارضة أي شخص، رفع شعارات إلغاء الدستور العلماني. عن ذلك يقول هايكو فيمن، الخبير في الشؤون السورية في مؤسسة العلوم والسياسة في برلين: "إن كل أطياف المعارضة تطالب بديمقراطية تعددية، لكن السؤال هنا يتعلق بتصديقها جميعاً. لكن فيمن لا يقصد بهذا الإخوان المسلمين فقط، وإنما أيضاً بعض التجمعات اليسارية، التي ليس لها تقاليد ديمقراطية.
اختلافات ومخاوف
ليس جميع المسيحيين يمكنهم إتباع رؤية زعامات الكنائس، وحتى إن كان لزاماً علينا أن ننظر إلى التقارير القادمة من سوريا بشيء من الحذر، لكن من الثابت أن هناك مسيحيين يشاركون أيضاً في حركة الاحتجاجات الشعبية ويخاطرون بحياتهم، حالهم في ذلك حال مواطنيهم المسلمين، ما يجعل من تصريحات الأساقفة هذه صفعة بالنسبة إليهم. قام المسيحيون خلال مظاهرات درعا بإيواء جرحى من المتظاهرين المسلمين في كنائسهم، كما يقول الناشط السوري على شبكة الإنترنت عهد الهندي، الذي يكتب من كندا في مدونته www.cyberdissidents.org ويعد من أعضاء المكتب التنفيذي للمعارضة السورية، الذي تم انتخابه خلال اجتماعات انطاليا في تركيا.
وحتى في مدينة حمص الواقعة في وسط سوريا اشترك مسيحيون في الاحتجاجات والمظاهرات، وأفادت أنباء أن بعضهم قد قُتل. قناة الجزيرة القطرية بثت صوراً لمسيحيين سورانيين، شاركوا في المظاهرات المناوئة للأسد التي انطلقت في القامشلي التي تعد معقل الأكراد. إن قياديين في المعارضة مثل الصحفي ميشائيل كيلو والمحامي أنور البوني ينحدرون من عائلات مسيحية، حالهم في ذلك حال العلويين مثل عارف دليله الذي يضطلع بدور كبير في حركة الاحتجاجات. إن موقف زعامات الكنائس سيكون حرجاً إذا ما استمر. ومن منطلق "أغلق عينيك واعدوا" تراهن هذه الزعامات على استمرار تماسك نظام الأسد رغم حدة الاحتجاجات التي تزداد اتساعاً، إذ أن للكنائس الشرقية تاريخ طويل من الولاء للنظام، ففي مصر أعلن بابا الأقباط شنوده الثالث وقوفه إلى جانب مبارك، حين كان المتظاهرون يطالبون لأيام عدة في ميدان التحرير بتنحيه.
وبموقفها هذا تخاطر كنائس سوريا بأن تكون هدفاً لغضب الجماهير السنية المجاورة لها في حالة انتهاء نظام البعث، كما يرى أورينغ. وحتى الآن لا يوجد في سوريا أي تحريض مناهض للمسيحيين في سوريا، لكن يمكن أن يشكل ولاء الكنائس للنظام "خطراً كبيراً عليها، إذا ما حدث التغيير فعلاً". لكن مقارنة بمشاركة المثقفين الأقباط في حركة الاحتجاجات في مصر، فإن مكانة الأساقفة السوريين لم تعد من الأمور التي لا منازع لها. إذ إن المعارضين، الذين يعملون للوصول إلى مجتمع مواطنة حديث، يعتبرون أن مكانة هؤلاء الأساقفة باتت من الأمور التي عفا عليها الزمن. عن ذلك يقول عهد الهندي، المسيحي الناشط في معارضة النظام على شبكة الإنترنت: "لطالما أدى المسيحيون في سوريا دوراً مهماً، حتى وأن كان الأمر يتعلق بإطلاق الحركات السياسية وتأسيس الأحزاب. اعتقد أن ليس لديهم خيار بديل عن الديمقراطية والحرية".
كلاوديا مينده
ترجمة: عماد مبارك غانم
مراجعة: هشام العدم
حقوق النشر: قنطرة 2011