معاناة المسلمين في الصين من القمع والتمييز
قائمة أعمال العنف لعام 2014 في إقليم شينجيانغ طويلة وسيزداد طولها باستمرار: اثنان وعشرون قتيلاً في هجوم على سوق لمزارعين من قومية الهان وقع في الثاني عشر من شهر تشرين الأوَّل/ أكتوبر 2014، وخمسون قتيلاً في هجمات على مراكز للشرطة وقعت في الحادي والعشرين من شهر أيلول/ سبتمبر، وستة وتسعون قتيلاً في اعتداءات على مبانٍ حكومية وقعت في الثامن والعشرين من شهر تموز/ يوليو، وواحد وثلاثون قتيلاً في هجوم انتحاري على سوق في الثاني والعشرين من شهر أيَّار/ مايو، وثلاثة وثلاثون قتيلاً في هجوم بالسكاكين في محطة قطارات بمدينة كونمينغ في الأوَّل من شهر آذار/ مارس. وفي جميع هذه الحالات تحدَّثت السلطات الصينية حول "هجمات إرهابية"، "الأويغوريون هم دائمًا الجناة"، أمَّا الضحايا فمعظمهم من الصينيين الهان - هذا كلّ ما يمكن معرفته من وسائل الإعلام الرسمية.
لقد حدثت أيضًا في السابق اضطرابات وهجمات متفرقة في إقليم شينجيانغ، وهو إقليم صحراوي قليل السكَّان يقع في أقصى غرب الصين، يسكنه بصوره تقليدية الأويغور والقرغيز والطاجيك ومجموعات عرقية أخرى من المسلمين. ولكن منذ الاضطرابات الخطيرة التي حدثت عام 2009، صار يُلاحظ تصاعد العنف في مدن الواحات على طرف صحراء تكلامكان. فبالإضافة إلى الهجمات يتم بشكل أسبوعي تقريبًا قتل أفراد من الشرطة وموظفين حكوميين ومزارعين من قومية الهان. وفي الوقت نفسه يزداد القمع، وعلى نحو منتظم يُحكَم على شباب أويغوريين بالإعدام ويتم إعدامهم.
تُحمِّل السلطات الصينية المسؤولية عن العنف بصورة شمولية "لإرهابيين" غير محدَّدين. وبحسب وصفها فإنَّ مَنْ يقف وراء هذه الهجمات في أغلب الأحيان هي "حركة تركستان الشرقية الإسلامية"، وهي جماعة إسلامية تم وضعها في عام 2002 لدى الأمم المتَّحدة على قائمة الإرهاب بطلب من الصين وبدعم من الولايات المتَّحدة الأمريكية. ولكن لا توجد في الغالب أدلة ملموس على تورُّط هذه الجماعة.
"لا أحد يعرف ما هو الدور الذي تلعبه في الواقع حركة تركستان الشرقية الإسلامية وما إذا كانت أصلاً لا تزال موجودة كمنظمة كلاسيكية. ولكنها تمثِّل بالنسبة للصين ذريعة عملية، وذلك لأنَّ الصينيين يستطيعون تحميلها المسؤولية عن جميع الهجمات وتجريم المعارضة الأويغورية"، مثلما يقول دانيال كرال، الخبير في الشؤون الإسلامية في الصين لدى المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية (SWP) في برلين. يرى الخبير دانيال كرال أنَّ تزايد العنف لا يعود إلى التطرُّف الديني بقدر ما يعود إلى استياء الأويغوريين من اقصائهم والتوطين الممنهج لصينيي الهان.
معرَّضون للإقصاء والتهميش
منذ عام 1949 ارتفعت نسبة الصينيين الهان في إقليم شينجيانغ من خمسة إلى نحو أربعين في المائة. وهم الآن أكبر مجموعة عرقية بعد الأويغوريين ويمثِّلون الأغلبية منذ فترة طويلة في مدن كثيرة. "بلغت الهجرة حدًا، بحيث أصبح جميع الأويغور الآن متضرِّرين. وصار هناك اليوم مدن كلها صينية"، مثلما يقول الخبير دانيال كرال.
"يتم أيضًا في أماكن أخرى من الصين هدم بعض المدن"، مثلما يقول دانيال كرال. ويضيف: "لكن في إقليم شينجيانغ يثير هذا العمل الفتنة والاضرابات بشكل خاص، وذلك لأنَّه يُفَسَّر كهجوم على ثقافة الأويغور. وهذا يمنح الأويغوريين شعورًا بأنَّهم في وضع لا يمكنهم الخروج منه، الأمر الذي يؤدِّي إلى أعمال يائسة".
ومن جانبها تشير الحكومة في بكين إلى أنَّها تفعل الكثير في إقليم شينجيانغ وكذلك في إقليم التبت من أجل تطوير البنية التحتية وتنمية الاقتصاد. هذا أمر صحيح لا جدال فيه، ولكن من الواضح أيضًا أنَّ الصينيين الهان يستفيدون من هذا التطوير أكثر من الأويغور. وبحسب دانيال كرال فإنَّ الأويغوريين يرون أنفسهم أنَّهم يتعرَّضون بشكل تقليدي لاستياء شديد لدى أبناء قومية الهان، الذين يعتبرون الأويغور غير جديرين بالثقة ومجرمين. وكذلك يتعرَّض الأويغور في المدن الصينية الشرقية للتمييز ويعيشون هناك -بصرف النظر عن بعض الكوادر- على هامش المجتمع. وفي إقليم شينجيانغ يخضعون علاوة على ذلك لرقابة أشد وتُفرض عليهم قيود واضحة في ممارسة لغتهم وثقافتهم ودينهم.
الدين غير مرغوب فيه
وعلى الرغم من أنَّ غالبية الأويغوريين يتَّبعون إسلامًا شعبيًا تقليديًا توفيقيًا، لكهم يخضعون بحسب تقرير هيومن رايتس ووتش للوائح وتعليمات أشد من تلك المفروضة على غيرهم من المسلمين في الصين. وطبقًا لهذه اللوائح والتعليمات يُمنع القاصرون في إقليم شينجيانغ من دخول المساجد، وكذلك يتم منع دورات القرآن الخاصة. وفي المدارس لا يُسمح بالحديث حول الدين، ويتم هناك فرض عقوبات صارمة ضدَّ الصلاة والصيام أو ارتداء الحجاب. وكذلك لا يُسمح باستيراد الكتب الإسلامية من الخارج ويُمنع الأويغوريون من السفر إلى الخارج من أجل الدراسات الدينية.
وهذه الأشكال من القيود المفروضة على الحقوق الأساسية تثير مرارًا وتكرارًا احتجاجات عنيفة، تتحوَّل إلى عنف نظرًا إلى الإجراءات الصارمة التي تتَّخذها الشرطة. وطبقًا لبحث أجرته الإذاعة الأمريكية "راديو آسيا الحرة" (RFA)، فقد بدأت الاضطرابات في أواخر شهر تموز/ يوليو 2014 في مقاطعة ياركند باحتجاجات ضدّ القيود الشديدة خلال شهر رمضان. وقد خلَّفت هذه الاضطرابات أكثر من ستة وتسعين قتيلاً وتعدّ الحادث الأكثر دموية منذ بداية الاضطرابات الخطيرة في عام 2009. وبحسب البحث المذكور كان سبب الاحتجاجات إطلاق الرصاص من قبل رجال الشرطة على عائلة مكونة من خمسة أفراد وقتلهم، بعد حدوث مشاجرة بسبب الحجاب.
ووفقًا للمعلومات الرسمية، فقد قُتل في الاضطرابات في نهاية شهر رمضان خمسة وثلاثون شخصًا من الهان وشخصان من الأويغور. أمَّا الضحايا التسعة والخمسون الآخرون فقد كانوا بحسب المعلومات الرسمية "إرهابيين". وكذلك في أعمال الشغب التي وقعت في الحادي والعشرين من شهر أيلول/ سبتمبر 2014 -وتمت فيها مهاجمة العديد من مراكز الشرطة بالمتفجرات في كلّ من ناحية بوغور وينغيسار وترك بازار- ادَّعت وسائل الإعلام الرسمية أنَّ أربعين شخصًا من الضحايا الخمسين كانوا "إرهابيين". وطبقًا لمعلومات "راديو آسيا الحرة" -الذي سأل عبر الهاتف شهود عيان- فقد كان سبب الاضطرابات الاستياء من عمليات التهجير القسري. وبحسب شهود العيان تم قتل جميع الضحايا من قبل الشرطة.
لا توجد نهاية متوقَّعة للعنف
في هذه الحالة وكذلك في حالات أخرى تكاد تكون عمليات البحث الميداني المستقلة أمرًا مستحيلاً. ولذلك فإنَّ الأسباب الحقيقية للحوادث ومجرياتها وأعداد ضحاياها تبقى مخفية في الظلام. ولكن بحسب رأي الخبير في شؤون الصين دانيال كرال فإنَّ شكل الهجمات يشير إلى عدم وجود مجموعات منظمة تقف وراءها. يقول دانيال كرال إنَّ مستوى التخطيط -على ما يبدو- ضئيل وغالبًا ما يتم استخدام السواطير أو غيرها من الأسلحة البسيطة مثل البلطات. وكذلك في الهجمات في مدينة أورومتشي في نهاية شهر أيَّار/ مايو 2014 كانت المتفجِّرات المستخدمة -مثلما يقول- بدائية نوعًا ما.
لا يتوقَّع الخبير السياسي دانيال كرال وجود نهاية للعنف. وحول ذلك يقول إنَّ "الدولة لن تستسلم، والقمع سوف يزداد، وسيصبح الأويغوريون أكثر يأسًا وبذلك أكثر استعدادًا لاستخدام العنف".
وفي الواقع لا تبذل بكين أية جهود من أجل التقرُّب من الأويغوريين. بل إنَّ محاكمة الناشط الأويغوري في مجال الحقوق المدنية والأستاذ الجامعي إلهام توهتي، الذي كان يدير مع بعض الطلاّب موقعًا على شبكة الإنترنت خاصًا بالأويغوريين، أظهرت مؤخرًا أنَّ السلطات الصينية لا تريد لفترة أطول تحمُّل حتى النقَّاد المعتدلين. في الثالث والعشرين من شهر أيلول/ سبتمبر 2014 حُكم على إلهام توهتي بالسجن مدى الحياة بتهمة (التحريض على) الانفصال.
إنَّ حلَّ الصراع ليس بالمزيد من القمع، بل بالمزيد من التفهُّم لشكاوى الأويغوريين المبرَّرة، مثلما حذَّرت مديرة منظمة هيومن رايتس ووتش لشؤون الصين صوفي روبنسون تعليقًا على هذه المحاكمة. وقالت: عندما يتم تصوير حتى إلهام توهتي -الذي كان يعمل دائمًا بشكل سلمي من أجل الحوار بين المجموعات العرقية ويُبدي معارضته لاستقلال إقليم شينجيانغ- على أنَّه انفصالي، فمن غير المتوقَّع أن تنخفض التوتُّرات بين المجموعات العرقية في إقليم شينجيانغ.
أولريش فون شفيرين
ترجمة: رائد الباش
حقوق النشر: قنطرة 2015