المظهر الجميل الزائف للسلام في المفاوضات السورية
تركيا طالبت بعدم دعوة حزب الاتِّحاد الديمقراطي الكردي إلى موتمر جنيف 3 أمَّا الروس فهم مصرِّون على ذلك. صحيح أنَّ المعارضة قد وصلت إلى جنيف، بيد أنَّها تريد مقاطعة المفاوضات، طالما استمر النظام في فرض حصارات التجويع. ومن جانبها تصرّ الولايات المتَّحدة الأمريكية على ضرورة عدم وجود أية شروط مسبقة. ومنذ بداية مؤتمر جنيف الثالث يبدو أنَّ هناك طرفًا واحدًا فقط سعيد جدًا بهذا الوضع، وهو: النظام السوري.
وهذا يبيِّن في الواقع كلَّ شيء حول احتمال نجاح هذه المفاوضات. وبدورها لا تزال الدول، التي طالبت باستقالة الأسد، غير مستعدة مثل ذي قبل للتأكيد على هذا الطلب ودعمه أيضًا. وكذلك حليفاه - روسيا وإيران - لا يعملان فقط دبلوماسيًا، بل وحتى عسكريًا وبشكل بات مكشوفًا أكثر لبقاء الأسد في منصبه.
يراهن الأسد على استراتيجية التأخير. فقد أعلن بكلِّ تواضع عن استعداده للتفاوض. ولكن بينما تم وبرعاية دولية عقد اجتماع فيينا ومؤتمر الرياض، الذي تفاهم فيه أهم ممثِّلي المعارضة وجماعات المتمرِّدين على إيجاد حلٍّ سياسي للأزمة السورية، تم اعتباره كخطوة باتّجاه الحلِّ الدبلوماسي، تحاول دمشق إعاقة هذه العملية بالقوة.
وما أن تم تشكيل تحالف المعارضة السورية، حتى أقدم النظام السوري - وإن كان ذلك لفترة قصيرة - على اعتقال عضوين من أعضاء هذا التحالف وهما في طريقها إلى المملكة العربية السعودية، وتفاخر بأنَّه قد قتل في غارة جوية زهران علوش، وهو زعيم أبرز جماعة متمرِّدة في ريف دمشق.
حصارات التجويع كسلاح في الحرب
يواصل سلاح الجو السوري والروسي من دون هوادة شن غاراتهما - وهي هجمات نادرًا ما تستهدف تنظيم "الدولة الإسلامية"، بقدر ما تستهدف المجموعات المتمرِّدة الأخرى وتصيب البنية التحتية المدنية مثل المدارس والمستشفيات. وكذلك عاد حصار عشرات المناطق من جديد إلى بؤرة الاهتمام - وهذه استراتيجية تم تطبيقها في عام 2013 قبيل مؤتمر جنيف الثاني. وفي تلك الفترة كان يتم التركيز على منطقة المعظمية وعربين وكذلك مخيّم اليرموك في ريف دمشق. واليوم يتم التركيز على مناطق من بينها مدينة مضايا، التي جعل فيها النظام الوضع الإنساني يتفاقم إلى حدّ يتجاوز جميع التصوُّرات.
وكذلك يحاصر المتمرِّدون بعض المناطق، ولكن لا أحد يستخدم الحصار بلا رحمة مثلما يفعل النظام السوري. ونظرًا إلى الوضع الكارثي فقد حذَّر مؤخرًا الأمين العام للأمم المتَّحدة بان كي مون من أنَّ: "استخدام التجويع كسلاح يعتبر جريمة حرب".
ومن أجل تغيير جدول أعمال مفاوضات جنيف، يقوم النظام السوري بقتل المدنيين وتهديدهم، مع أنَّه في الواقع وبحسب القانون الدولي ملزم بحمايتهم. وبالتالي فهو يزيد إذا جاز التعبير عدد موضوعات المفاوضات، من أجل التمكّن من تقديم تنازلات، من دون الاضطرار إلى التخلي عن مصالحه الحقيقية.
وبدورها تشارك الأمم المتَّحدة في لعب هذه اللعبة الساخرة. ففي الأسبوع الماضي نشرت المؤسَّسة الإعلامية بوزفيلد التعديلات التي أجرتها دمشق في "خطة الاستجابة الإنسانية" الأخيرة المقدَّمة من الأمم المتَّحدة، حيث حذف ممثِّلو النظام بحزم وإصرار عبارة "المناطق المحاصرة" واستبدلوها بصيغ بريئة، كما ألغوا من هذه الخطة إزالة الألغام وموضوعات أخرى غير محببة للنظام وكذلك قلَّلوا من وطأة الوضع المأساوي.
ومن أجل إحدى وتسعين عملية إيصال مساعدات سعت الأمم المتَّحدة في العام الماضي إلى الحصول على موافقة الحكومة في دمشق. ولكن لم يوافق النظام من حيث المبدأ حتى على إيصال ثلث هذه المساعدات، وفي نهاية المطاف لم يتم في الواقع تنفيذ سوى ثلاث عشرة عملية إيصال مساعدات.
بالإضافة إلى ذلك فقد تفاهم أعضاء مجلس الأمن الدولي بما فيهم روسيا في مجموعة من القرارات على إيصال المعونات الإنسانية إلى جميع المناطق، وإطلاق سراح السجناء السياسيين، ووضع حدّ لقصف المنشآت المدنية وكذلك لاستخدام البراميل المتفجِّرة وغاز الكلور. ولكن مع ذلك لا يمكن ملاحظة وجود أية محاولة من أجل فرض هذه الاستحقاقات.
وبناء على ذلك يبدو من المفارقة بمكان عندما ينتقد المجتمع الدولي الآن المعارضة السورية، على أنَّها تضع "شروطًا مسبقة" من خلال مطالبتها بهذه الاستحقاقات نفسها، والتي من المفترض بمجلس الأمن بالذات أنَّ يكون قد شرع بها منذ فترة طويلة. ويمثِّل رفع حصارات التجويع وضمان وصول المساعدات الإنسانية وكذلك وقف الغارات الجوية على المدنيين - ضرورة إنسانية، وليس شيئًا آخر من المفترض أن تتم المساومة عليه.
العمل على تحويل الأقوال إلى أفعال
من أجل عملية سلام في سوريا تحت رعاية الأمم المتَّحدة - مثلما هو مقرَّر في فيينا - يحتاج الأمر إلى وجود هيئة أمم متَّحدة قوية وذات مصداقية. لذلك فقد حان الوقت لكي يعمل أخيرًا أعضاؤها الأقوياء على تحويل أقوالهم إلى أفعال. حتى وإنْ كان لن يتم تحقيق أي تقدُّم في هذه المسائل، التي استطاعوا الاتِّفاق عليها: فكيف ينبغي بالأمم المتَّحدة أن تلعب دورًا حاسمًا في المسألة الأكثر حساسية الخاصة بانتقال السلطة في سوريا؟
لقد دعا مؤتمر جنيف الأوَّل في عام 2012 إلى وضع خطة محدَّدة لنقل السلطة. ومنذ ذلك الحين انقضت ثلاثة أعوام، من دون أن تتوصَّل روسيا وبقية دول العالم إلى اتِّفاق حول ما إذا كان يجب على الأسد أن يتنحى ومتى وكيف. والجديد إذًا في التشكيلة الحالية هو فقط أنَّ حليف الأسد فلاديمير بوتين بات يُظهِر بشكل أكثر وضوحًا إلى أي مدى هو مستعد للدفاع عن مصالحه الخاصة. فقد بات من الواضح في سوريا وكذلك في أوكرانيا أنَّه لا يضطر إلاَّ قليلاً إلى أن يحسب حساب المعارضة الدولية.
لا يمكن لهيئة الأمم المتَّحدة أن تكون قوية إلا بقدر ما تسمح لها بذلك دولها الأعضاء. وبالتالي لا يمكن في حالة سوريا أن نتوقَّع الكثير في هذا السياق. فعندما يُلِحُّ بالتالي المبعوث الأممي الخاص ستافان دي ميستورا بالرغم من هذه التشكيلة غير المواتية على إجراء المفاوضات، من دون أن يكون من الواضح أنَّ هناك تغييرات كبيرة ستحدث، فهذا يعني: أنَّ الأمر يتعلق بمحاكاة لعملية سلام أكثر من كونه يتعلق في الحقيقية بتحقيق اتِّفاق. وبناءً على ذلك فإنَّ المؤتمرات هي مجرَّد بديل يؤثِّر في الرأي العام يحل في الواقع محل القيام بشيء ما.
الأسد وحلفاؤه يزدادون قوة من خلال مواصلة إبادة المعارضة عسكريًا بدلاً من الحلِّ السياسي. وكلما خاض المجتمع الدولي تجربة مصادفته آذان صماء لدى الأسد، نجده قد لجأ إلى نهج معاكس وراح يطالب بدلاً من ذلك المعارضة بأن تكون أكثر تواضعًا في مطالبها.
وبالتالي فإنَّ الخطر الأكبر يكمن في حقيقة أنَّ هذه المفاوضات المقبلة ستؤدِّي إلى مواصلة إضعاف معارضي الأسد، وذلك لأنَّه ليس من الواضح لماذا يتعيَّن عليهم مطلقًا الجلوس حول طاولة المفاوضات.
بينته شيلار
ترجمة: رائد الباش
حقوق النشر: موقع قنطرة ar.qantara.de 2016