فخ الاستقطاب الإقليمي والطائفي...طموحات حوثية تهدد حلم الدولة الديمقراطية
قدم الرئيس اليمني الانتقالي التوافقي المنتخب عبد ربه منصور هادي استقالته في 22 / 01 / 2015 بعد أن سيطر المسلحون الحوثيون على دار الرئاسة في العاصمة اليمنية صنعاء. في الواقع لم يكن لهادي خيار آخر: فقد تراجعت شعبيته في اليمن وخاصة في المناطق اليمنية الجنوبية والشرقية بعد أن بسطت الحركة الحوثية اليمنية -التي معقلها في أقصى شمال اليمن- سيطرتها على شمال اليمن وغربه.
لقد ازدادت الاتهامات ضد هادي بالتساهل مع الحوثيين، وبأنهم يستخدمون شرعيته الرئاسية كغطاء لفرض المزيد من أنصارهم في مناصب عليا في الدولة والاستيلاء على المزيد من أسلحة الدولة الثقيلة وبسط سيطرتهم على المزيد من المناطق اليمنية، وخاصة المناطق ذات الأهمية الاستراتيجية مثل مأرب الغنية بالنفط والغاز والكهرباء، وتعز الواقعة على مضيق باب المندب حيث يمر جزء كبير من صادرات العالم النفطية، وهما منطقتان لم يتمكن الحوثيون الشيعة من السيطرة عليهما ولا على بقية المناطق السنية الجنوبية والشرقية حتى الآن.
نسف الحوار الوطني السلمي في اليمن
بعد انتفاضات الربيع العربي، التي شملت اليمن أيضاً، رعى هادي عملية حوارية فريدة من نوعها في اليمن استمرت شهوراً عديدة سعى من خلالها إلى إشراك معظم أطياف الشعب اليمني -بما فيها الأقلية الحوثية- في تقرير مصير مستقبل اليمن، وإيجاد حلول وسط تناسب أغلبية الشعب اليمني، بما فيها تقسيم اليمن إلى أقاليم فيدرالية.
لكن طموحات الحوثيين وقفت بالمرصاد أمام تنفيذ مخرجات الحوار الوطني التوافقية التي رعاها هادي، فقالوا في البداية إن هذا التقسيم الفيدرالي غير عادل وطالبوا بأن يشتمل إقليمهم على منفذ بحري وحقول نفطية، وبالتزامن مع عملية الحوار كان الحوثيون يستخدمون أساليب القتل والتهجير والأسلحة والتفجيرات للقضاء على خصومهم -الذين يصفونهم بـ "التكفيريين"- في مناطق شمال صنعاء من دون أن يقوم هادي -كرئيس للدولة- بإجراء فعال تجاه ذلك.
ثم توسع الحوثيون إلى أن دخل مسلحوهم صنعاء في 21 / 09 / 2014 من دون مقاومة تذكر، واستولوا على أسلحة الدولة الثقيلة بحجة مكافحة الفساد. وهنا تم اتهام الرئيس هادي بالتواطؤ معهم أو حتى باستخدامهم. ثم استمر توسعهم إلى بعض مناطق ما بعد صنعاء.
لقد قاد هادي العملية الانتقالية في اليمن ببطء للأسف ولم يسرع في إعادة هيكلة الجيش، الذي لا يزال جزء كبير منه يوالي الرئيس السابق علي عبد الله صالح، الذي تنحى تحت ضغط الاحتجاجات الشعبية، والمتهم بالتحالف مع الحوثيين من أجل تقويض عملية الانتقال الديمقراطي في اليمن عسكرياً.
الحوثيون يقوضون إيمان الشعب اليمني بالتغيير السلمي
للحوثيين طموحات أكبر من حجمهم الفعلي في البلاد، وهي طموحات مرتبطة بأمجاد إمامية قديمة حكم فيها أجدادهم أجزاء من اليمن لمئات السنين وهي متعلقة بقناعتهم بحصر الولاية في سلالة الحسن والحسين -حفيدَيْ النبي محمد- التي يرون أن زعيمهم ينتمي إليها. وكذلك قناعتهم –مثل نظام الملالي في إيران- بأن الإمام هو أعلى سلطة من رئيس الدولة وهو الذي يملك حق الفصل في القرارات السيادية.
لقد استقال هادي على الأرجح بعد أن ضغط عليه الحوثيون من أجل أن يدعمهم شرعياً وعسكرياً في السيطرة على مدينة مأرب الغنية بالنفط والغاز وفي أن يغير مسودة الدستور كي تلبي رغباتهم وفي أن يعين قيادات عليا في الدولة من أنصارهم. ويبدو أنه بعد أن رفض الانصياع إليهم اتهموه بالتعاون مع "القاعدة والدواعش"، ثم حاصروا دار الرئاسة بعد أن اعترفوا باختطاف مدير مكتبه لمنعه من تقديم مسودة الدستور الجديد.
استقالة هادي المتزامنة مع استقالة حكومة الكفاءات اليمنية تأتي بعد أن أدخلت الأقلية الحوثية الشيعية اليمن ذا الأغلبية السنية في فخ الاستقطاب المذهبي لأول مرة في التاريخ اليمني، وبعد أن جعلت اليمنيين يتشككون في جدوى التغيير السلمي.
أفعال الحركة الحوثية تهدد -ولو مؤقتاً- بتقويض حلم الدولة الديمقراطية المدنية الحاضنة لكل مواطنيها بجميع مذاهبهم الدينية وتوجهاتهم السياسية، والتي قامت من أجلها انتفاضة عام 2011 اليمنية الشعبية السلمية في خضم حراك الربيع العربي.
علي المخلافي
حقوق النشر: موقع قنطرة 2015