مسلمة في الكواليس الأمريكية تحرك حملة كلينتون الرئاسية
يُدَّعى أنَّها "جاسوسة سعودية"، وأنَّها "عميلة سرِّية لجماعة الإخوان المسلمين" وأنَّ لها "علاقات مع إرهابيين" - وأنَّها بالإضافة إلى ذلك زوجة شخص "مُنحرف". تشهد الولايات المتَّحدة الأمريكية حملة الانتخابات الرئاسية، وقد وجد معارضو المرشَّحة الديمقراطية للانتخابات الرئاسية هدفًا لهجماتهم: أي المسلمة هوما عابدين، التي تُعَدُّ ابنة لرجل هندي وامرأة باكستانية، نشأت في المملكة العربية السعودية، وهي متزوِّجة من سياسي يهودي، وتقف منذ عشرين عامًا إلى جانب هيلاري كلينتون.
وهوما عابدين لديها سيرة غير مناسبة لهذا الوقت: هذه السيدة اللطيفة البالغة من العمر أربعين عامًا والتي تُفضِّل البقاء خلف الكواليس، صار يتم التركيز عليها في الأشهر الأخيرة ويتم إدخالها في معركة قاسية تدور بين هيلاري كلينتون ودونالد ترامب من أجل كسب أصوات الناخبين في تنافسهما على منصب الرئاسة.
وفي شهر آب/أغسطس 2016 اندلعت فضيحة جديدة حول هوما عابدين. ففي منتصف الحملة الانتخابية الساخنة نشرت إحدى الصحف صورةً بذيئةً لزوجها، أنتوني وينر، يُدَّعى أنَّه أرسلها لامرأة أثناء دردشة جنسية. وهذه الصورة كانت سيِّئة بشكل خاص لأنَّها تُظهِر ابنهما الصغير الذي كان ينام في السرير نفسه أيضًا.
حياة مهنية مثيرة للإعجاب
ولكن مَنْ هي هوما عابدين، التي كانت حتى وقت قريب غير معروفة تقريبًا، بيد أنَّها أصبحت ومن دون قصد كثيرًا ما تتصدَّر العناوين العريضة؟ هوما عابدين ابنة عالمين مختلفين: أي الولايات المتَّحدة الأمريكية والمملكة العربية السعودية. وفي زمن الإرهاب، حيث يقوم الجهادويون في باريس وأورلاندو ونيس وكذلك في بروكسل بتنفيذ هجمات دامية، وتشغل ميليشيات إرهابية اهتمام العالم، قد تثير سيرتها الذاتية الريبة والشكّ لدى البعض في الغرب. ولكن سيرتها في الواقع مثيرة للإعجاب:
ولدت هوما عابدين كابنة لزوجين أكاديميين في مدينة كالامازو في ولاية ميشيغان في عام 1976. وفي سنِّ الثانية انتقلت مع أسرتها إلى المملكة العربية السعودية، إلى مدينة جدة الساحلية. وعن فترة وجودها في هذه المملكة الإسلامية المتشدِّدة لا نعرف سوى القليل. ولكن مع ذلك فربما لم تكن هذه الحياة الجديدة سهلة بالنسبة لأسرتها، مثلما تُظهر ذلك رواية هوما عابدين. ففي مقابلة مع مجلة "فوغ" تتذكَّر حنين والدتها، وتقول إنَّها: "كانت تنظر أحيانًا من منزلها الجديد في المملكة العربية السعودية إلى السماء. وكلما كانت تعبر طائرةٌ في السماء، كانت تقول: أتمنَّى لو كنت في هذه الطائرة".
وفي فترة طفولتها ومراهقتها ذهبت هوما عابدين إلى مدارس دولية. وفي سنِّ الثامنة عشرة عادت أدراجها إلى الولايات المتَّحدة الأمريكية ودرست الصحافة في العاصمة الأمريكية واشنطن. وكانت قدوتها: كريستيان أمانبور - وهي ابنة رجل إيراني وأمّ بريطانية، مثلها تمامًا من عالمين مختلفين.
وفي عام 1996 تقدَّمت بطلب للتدريب والتطبيق العملي في البيت الأبيض، وقد كانت ترغب في قسم الصحافة. وفي مركز السلطة هذا يوجد عالمان أيضًا: الشرق والغرب. إذ إنَّ مَنْ يعمل في الجناح الغربي، يكون لدى الرئيس. بينما تعمل في الجناح الشرقي السيِّدة الأولى. وهوما عابدين وصلت إلى الجناح الشرقي - إلى هيلاري كلينتون - وكانت في البداية تشعر بخيبة أمل.
وفي الجناح الغربي بدأت العمل في الوقت نفسه مُتدرِّبةٌ أخرى: مونيكا لوينسكي. وبعد عامين، عندما انكشفت العلاقة بين بيل كلينتون ومونيكا لوينسكي، كانت هوما عابدين لا تزال تعمل لدى السيِّدة الأولى. وكانت تنتمي لفريق من المقرَّبين من هيلاري كلينتون، الذين كانوا يشكِّلون درعًا واقيًا بالنسبة لهيلاري كلينتون. وفي تلك الفترة على الأرجح أنَّ السيِّدة الأولى قد بدأت تُقدِّر ولاء وكتمان موظَّفتها الخجولة هوما عابدين.
"المحرِّك الأساسي لحملة كلينتون"
وبالتدريج تمكَّنت هوما عابدين من الصعود إلى أعلى الهرم. وزملاؤها يصفونها بأنَّها امرأة خجولة لا تُدخِّن، ولا تشرب الكحول، ولا تتحدَّث بغضب وتبقى مهذَّبة دائمًا. وروى عنها صديقٌ لعائلة كلينتون، طلب عدم الكشف عن اسمه، لمجلة "نيوزويك": "كثيرًا عندما كانت هيلاري كلينتون تفرقع بأصبعها وتقول ’أريد علكة‘، كانت هوما عابدين هي التي تجلبها لها". وقد تمت مكافأتها على هذا الإخلاص والخضوع. فقد منحتها هيلاري كلينتون دائمًا وظائف أكثر أهمية: في مجلس الشيوخ، وفي وزارة الخارجية والآن في حملتها الانتخابية - بصفتها نائبة رئيس الحملة الانتخابية، أو مثلما تكتب مجلة "فوغ" عنها: "المحرِّك الأساسي لحملة كلينتون".
ولا تزال هوما عابدين تفضِّل عدم الظهور، وعندما تكشف عن نفسها، فعندئذ عادةً ما يتعلق الأمر أيضًا بسيرتها الذاتية. على سبيل المثال عندما ردَّت من خلال موقع تويتر على الإسلاموفوبيا التي يروِّج لها المرشَّح الرئاسي ترامب، كتبت: "أنا فخورة بكوني أمريكية، وفخورة بكوني مسلمة، وأخدم هذا البلد العظيم بفخر. الفخر بدل الأحكام المسبقة".
ولكن من خلال تأكيدها على هويتها المسلمة بالذات، حوَّلت نفسها في أمريكا إلى امرأة مُستهدَفة. وذلك لأنَّ الولايات المتَّحدة الأمريكية تعتبر دولة تهتم قبل كلِّ شيء بنفسها. فنادرًا ما يسمع المواطن الأمريكي العادي الأخبار العالمية، والكثيرون من المواطنين الأمريكيين يحصلون على معلوماتهم السياسية الخارجية من المسلسلات التلفزيونية. وتمامًا في أسلوب تصنيفات ضرب الوطن - حيث يعتبر تنظيم القاعدة وحزب الله وإيران والفلسطينيون بمثابة الشيء نفسه - تتم أيضًا صناعة السياسة الأمريكية.
وهكذا فقد أشار بالذات الذين يرغبون في إيقاف هيلاري كلينتون إلى علاقات مفترضة لعائلة عابدين مع الإرهاب - وقد حاسبوا هوما عابدين على هذه العلاقات. وتبدأ التكهُّنات لدى والدها ووالدتها، التي لا تزال تعيش مثل ذي قبل في المملكة العربية السعودية. حيث أسَّس والدها سيد زين العابدين بعد انتقاله إلى جدة "مركز شؤون الأقليات المسلمة"، الذي يهتم بالجاليات المسلمة في الدول غير الإسلامية. وفي وقت لاحق أسَّس مجلة شؤون الأقليات المسلمة، التي تولت إدارتها -بعد وفاته- والدةُ هوما عابدين.
نظريات مؤامرة ضدَّ هوما عابدين
وهذه المجلة يتم قذفها واتِّهامها من قبل معارضي كلينتون بأنَّها مجلة "الشريعة" المتشدِّدة. في حين يقول عنها آخرون إنَّها مجلة علمية، تمنح صوتًا للمسلمين المحافظين وكذلك المعتدلين. وفي هيئة تحريرها عملت أيضًا هوما عابدين عدة أعوام. وكذلك يظهر في هيئة تحريرها اسم آخر، يجعل أسرة عابدين بحسب بعض الجمهوريين الأمريكيين مشتبهًا فيها: أي عبد الله عمر نصيف، وهو أستاذ جامعي والأمين العام السابق "لرابطة العالم الإسلامي".
كانت لدى عبد الله نصيف علاقات واتِّصالات مع منظَّمات مشبوهة، كانت تدعم المجاهدين في أفغانستان وكذلك تنظيم القاعدة. وبالإضافة إلى ذلك يقال إنَّ له علاقات بجماعة الإخوان المسلمين. وفي أمريكا لا يعلم سوى القليلين أنَّ وضع جماعة الإخوان المسلمين ليس جيدًا منذ عدة سنوات في المملكة العربية السعودية، وقد تم حظرها هناك في عام 2014 كمنظمة إرهابية.
ولكن نظريات المؤامرة حول هوما عابدين لا تنتشر في الولايات المتَّحدة الأمريكية وحدها. ففي مصر، حيث يعتقد المرء أنَّ هناك مؤامرة في كلِّ حدب وصوب، تنظر الصحافة الموالية للنظام إلى مساعدة هيلاري كلينتون على أنَّها خطر. وهنا تجد الشائعات حول علاقات أسرتها بجماعة الإخوان المسلمين تربة خصبة. فهكذا اتَّهم الكاتب عمرو سمير في صحيفة "الأهرام" المصرية هوما عابدين "بخطة ماكرة"، تسعى إلى إقناع هيلاري كلينتون بأنَّ جماعة الإخوان المسلمين تمثِّل الإسلام المعتدل. وأضاف أنَّ الأمريكيين لن يفهموا بسبب "التجاهل المعروف" لديهم أنَّ جميع الجماعات الإرهابية الإسلاموية قد نشأت من جماعة الإخوان المسلمين.
أمَّا إذا كانت هوما عابدين - التي تم تقديمها بالفعل لتكون في المستقبل وزيرة الخارجية الأمريكية - سوف تتمكَّن بعد الفضيحة الأخيرة حول زوجها من إيجاد موطئ قدم لها، فهذا ما سيظهر بعد الانتخابات الرئاسية. وفي هذا الطريق خطت هوما عابدين خطوتها الأولى: فقد انفصلت عن زوجها أنتوني وينر.
مي دودين
ترجمة: رائد الباش
حقوق النشر: موقع قنطرة 2016