وسائل إعلام الرعب الداعشية
أسَّست ميليشيات تنظيم "الدولة الإسلامية" الإرهابي محطة إذاعية، أطلقت عليها اسم "إذاعة البيان". بدأت هذه الإذاعة البثّ منذ عدة أشهر وبشكل منتظم بكلّ من اللغة الإنكليزية والفرنسية والروسية والتركية والكردية. هذا الاسم يكشف عن جدول أعمال الإذاعة - وذلك لأنَّ هذا المصطلح يجمع بين الحداثة والتقليد، فهو يشير في اللغة العربية إلى "الإعلان" وإلى القرآن الكريم على حدّ سواء.
وفي هذه الإذاعة يتم باستمرار ومنذ عدة أشهر اتِّباع النمط نفسه في النسخة العربية من نشرة الأخبار اليومية، التي تبلغ مدتها نحو سبع دقائق - وأغلبها تغطية إعلامية للحرب: تبثُّ الإذاعة نشيدًا جهادويًا قصيرًا يشيد بالأمة الإسلامية، ويبقى في الخلفية وبصوت منخفظ مرافقًا لقراءة الأخبار، التي تحتوي دائمًا على أنباء حول هجمات انتحارية "ناجحة" قام بتنفيذها أفراد من تنظيم "الدولة الإسلامية".
تستخدم هذه الإذاعة السُّنِّية الراديكالية من أجل الإشارة إلى هذه الهجمات الانتحارية مصطلح "عمليات استشهادية"، الذي صاغه في الأصل الشيعة، وهم اليوم ألد الأعداء المتحاربين مع تنظيم "الدولة الإسلامية": لقد أدخل هذا المصطلح في الثمانينايت حزب الله الشيعي الموالي لإيران.
ومثلما تقول الإذاعة يتم استخدام انتحاريي ميليشيات تنظيم "الدولة الإسلامية" الإرهابي (الاستشهاديين) في عمليات هجومية ودفاعية. ففي بعض الأحيان يفتحون الطريق بقنابلهم أمام القوات المقاتلة، ومن ثم يوقفون من خلال تفجيرهم مركباتهم المُدرَّعة والمُحمَّلة بالمتفجرات تقدُّمَ العدو.
ومن أجل عدم السماح لمثل هذه الأخبار اليومية التي تبثها إذاعة "البيان" بأن تضيع في تدفق المعلومات المستمر، يتم الإبلاغ بشكل دوري ومنفصل على موقع تنظيم "الدولة الإسلامية" عن العمليات الانتحارية التي نفذها التنظيم - وعلى سبيل المثال يظهر في رسم بياني مخصَّص لشهر تشرين الأوَّل/أكتوبر خمسة وستين هجومًا من مثل هذه الهجمات في العراق وسوريا.
عشرون دقيقة لوداع "الشهداء"
غير أنَّ التحقُّق من صحة هذه المعلومات يرتبط بقدر كبير من الجهد، وذلك لأسباب ليس آخرها أنَّ وسائل الإعلام العربية تستخدم أسماء مختلفة للعمليات الانتحارية التي ينفذها تنظيم "الدولة الإسلامية" والتي تعتبر في الواقع كثيرة جدًا. ومن المثير للنظر هنا أنَّ مصطلح "انتحار" يتم استخدامه دائمًا في وسائل الإعلام العربية، وذلك للإشارة إلى أنَّ هذا الشكل من الإرهاب ينتهك في جوهره تحريم الانتحار في الإسلام، الأمر الذي يريد الإسلامويون إخفاءه.
يستخدم تنظيم "الدولة الإسلامية" في الإخراج الإعلامي لانتحارييه أسلوبًا معتمدًا وثابتًا بالفعل منذ ثلاثة عقود، يقوم بتخليد كلِّ انتحاري منهم على حدة في أشرطة فيديو أو على الأقل في سلسلة طويلة من الصور المتتالية. بيد أنَّ هناك منافسة كبيرة: إذ إنَّ الميليشيات الإرهابية المتنافسة، وخاصة "جبهة النصرة" السورية المرتبطة بتنظيم القاعدة، تقوم هي الأخرى بإنتاج الكثير في هذا المجال.
ولذلك فقد أدَّى الضغط الناجم عن هذه المنافسة إلى جعل مدة أشرطة فيديو وداع الانتحاريين تزداد في بعض الأحيان لتصل إلى عشرين دقيقة: فبعد قراءة "الوصية"، التي لا يندر أن تتحوَّل إلى خطبة تحريض على الكراهية، يأتي في أغلب الأحيان مشهد الوداع وكذلك صعود الانتحاري إلى السيارة ورحلته إلى موقع الهجوم. وأخيرًا يشكِّل الانفجار المشهد النهائي، الذي عادة ما تتم إعادة عرضة عدة مرات.
رفع السبابة أمر إلزامي
ولكن في الآونة الأخيرة أصبحت فيديوهات وداع انتحاريي تنظيم "الدولة الإسلامية" أقصر من ذي قبل وبشكل ملحوظ، وربما يعود ذلك أيضًا إلى كونها باتت كثيرة الاستخدام. ومثل ذي قبل لا يزال مسموحًا للانتحاريين بأن يظهروا أمام الكاميرا كأفراد بملابسهم الخاصة والمختلفة تمامًا. وعلى ما يبدو من المستحب أيضًا أن يقوموا قليلاً بأدوار تمثيلية.
وعلى سبيل المثال في مشهد صامت يظهر صبي عربي يحمل بيده مصحفًا صغير الحجم - من المفترض أنَّه قد فجرَّ نفسه بحزام ناسف - في دور مؤمن تقي ورع، قبل أن يطلق وابلاً من الشعارات الجهادوية والتهديدات. وعلى العكس من ذلك في وداع انتحاري طاجيكي يقود سيارة مفخخة، كان لا بدّ من الاكتفاء بجملتين نطقهما الانتحاري بلغته العربية الركيكة من نافذة سيارته المصفَّحة، قبل أن يتم وداعه إلى الموت.
ومنذ فترة قصيرة يبدو أنَّ انتحاريي تنظيم "الدولة الإسلامية" صاروا ملزمين بالقيام في لحظة ما خلال أشرطة فيديو الوداع برفع سبابة اليد اليمنى - التي تشير إلى شيء واحد: يرمز إلى وحدة العقيدة الإسلامية وكذلك وحدة الجهاديين. لقد نشرت هذه الإشارة منذ عدة أعوام حركة حماس الفلسطينية، التي لا تريد مع ذلك مطلقًا أن يتم ربطها بتنظيم "الدولة الإسلامية"، ولهذا السبب أيضًا فقد عادت الآن من جديد إلى رفع علامة النصر.
مرحبًا بكم في "الخلافة"
وبالإضافة إلى ذلك فإنَّ تنظيم "الدولة الإسلامية" يُمجِّد إرهابييه الانتحاريين في أربع مجلات غير ناطقة باللغة العربية. وعلى الأرجح أنَّ أشهرها هي النسخة الإنكليزية التي تحمل عنوان "دابق Dabiq " وهو مكان يقع في شمال سوريا، يُقال إنَّه سيكون مسرحًا لمعركة آخر الزمان، التي ستقع ضدَّ "الكفار". وبهذا الاسم تثير هذه المجلة موضوع نهاية العالم وبالتالي موضوع حرب عالمية من المفترض أنَّها ستقع بين الحضارات، ويدَّعي تنظيم "الدولة الإسلامية" أنَّه سيقودها على جانب المسلمين.
يتم مرارًا وتكرارًا في مجلة "دابق" تصوير العمليات الانتحارية على أنَّها السلاح المُفضل، وكذلك هي الحال في نظيرتها الناطقة بالفرنسية، مجلة "دار الإسلام" (أي منطقة حكم الإسلام). وهذه المجلة تسعى إلى إبلاغ المسلمين الناطقين باللغة الفرنسية إلى أين يجب عليهم بحسب مزاعمها أن يعودا في الحقيقة. حيث يتم اعتبارهم موضوع ترحيب خاص في "خلافة" تنظيم "الدولة الإسلامية" كجنود انتحاريين: في عددها الثالث من بين أعدادها الستة الصادرة حتى الآن، أشادت "دار الإسلام" على صفحتها الأولى بانتحاري من مواليد فرنسا يقود سيارة مفخخة وهو يبتسم.
ومثلما هي الحال في مجلة "دار الإسلام" تعرض أيضًا مجلة "القسطنطينية" الناطقة باللغة التركية على الصفحة الأولى من عددها الأخير والثالث حتى الآن، صورة لانفجار ضخم - مكتوب عليها "العمليات الاستشهادية مسموحة".
أتاتورك كطاغوت ملعون
لقد تم اختيار اسم "قسطنطينية" لهذه المجلة بذكاء، فهو الاسم العثماني لإسطنبول، وهذا الاسم يذكِّرنا بالفتح الإسلامي لمدينة القسطنطينية عاصمة الإمبراطورية البيزنطية وبتحويلها إلى عاصمة الخلافة العثمانية. ومن خلال ذلك يستفيد تنظيم "الدولة الإسلامية" من صدى هذا الانتصار على الإمبراطورية البيزنطية المسيحية، والذي قام في الأعوام الأخيرة بترسيخه حزب العدالة والتنمية بزعامة إردوغان في خطابه العثماني الجدد. ومع ذلك يتم في مجلة "قسطنطينية" التشهير بأتاتورك ووصفه بأنَّه "كافر" و"طاغوت".
ومثل هذا التقسيم بين الخير والشر يُميِّز أيضًا خطاب مجلة تنظيم "الدولة الإسلامية" الدورية الناطقة باللغة الروسية، التي تصدر باسم "إستوك Istok ، أي المصدر أو الأصل)، ولا يغيب عنها أيضًا موضوع العمليات الانتحارية. وتعرض هذه المجلة على المتعاطفين الروس والقوقاز والآسيويين من أبناء آسيا الوسطى، قرار تنفيذ عملية استشهادية Istischhad Operacja بوصفه لا يمثِّل فقط ذروة الهداية الروحانية. فمن أجل تبديد أية شكوك لا تزال موجودة لديهم، تعمل المجلة على خلق الترابط بينهم من خلال قصة الأخوة الحميمة، التي تحظى خاصة لدى هؤلاء المجاهدين غير العرب بمكانة مميَّزة.
ترجمة: رائد الباش